اللهم صل على محمد وال محمد --- aboutaqua@yahoo.it --- اللهم صل على محمد وال محمد

جهــــاد النـــفس

قال الله تعالی:{ والذین جاهدوا فینا لنهدینهم سبلنا وإنّ الله لمع المحسنین } العنکبوت ٦٩
عن النبي(ص) أنه بعث سریة، فلما رجعوا، قال:« مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي علیهم الجهاد الأکبر، قالوا: وما الجهاد الأکبر یا رسول الله ؟ قال: جهاد النفس. ثم قال(ص): أفضل الجهاد، من جاهد نفسه التي بين جنبيه ».
قال الإمام علي(ع) في وصيته عند وفاته:.. والله الله في الجهاد للأنفس فهي أعدى العدو، فإنه قال الله تبارك وتعالى:{ إنّ النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي}، وإنّ أول المعاصي تصديق النفس والركون إلى الهوى ».
من أنواع الجهاد، مجاهدة المؤمن لنفسه في ردعها عن المحرمات وقيامها بأداء الأوامر الشرعية، فإنّ رغبات النفس ـ کما لا یخفی ـ لا تقف عند حدّ، فإذا ما أتبعها الإنسان ولو خطوة واحدة ، فستضطره لإتباعها خطوات وخطوات.. وإذا رضي منها بهوی واحدا، أجبرته علی الرضا بهوی آخر وهکذا..
من هنا وجب مجاهدة هذه النفس.. ذاک الجهاد الذي یسمیه العرفاء بـ: « الموت الأحمر» !
أكيدا بأنه في إبتداء السلوک سيكون صعبا، ولکن بالإقدام والتصمیم وقوة الإرادة وصرف الوقت والفکر والریاضات والمجاهدات.. یستطیع المجاهد ـ وبعون الله ـ الوصول إلی کل مقصد ومقصود.
قال الإمام الصادق(ع):« أقصر نفسك عما يضرها من قبل أن تفارقك، واسع في فكاكها كما تسعى في طلب معيشتك، فإنّ نفسك رهينة بعملك ».
قال أمیرالمؤمنین(ع):« إذا صعبت علیک نفسک ، فآصعب لها، تذلّ لک ».
فمخالفة النفس فیما تهوی وتکره ، من أهم أسس التزکیة وخاصة عند (إصرار) النفس علی رغبة جامحة في مأکل أو ملبس أو منکح.. والوقوف أمام النفس ضروري لتعوید النفس علی التنازل عن هواها لحکم العقل.
فالإنسان عند مخالفة شهوة من شهوات النفس، یحس (بهالة) من السمو والعزة ، فیجد حلاوة الإیمان في قلبه !
یجب أن تتعلم مخالفة النفس والسیطرة علیها ، حتی تصل درجة (التلذذ) من مخالفة النفس والتحکم فيها !
إصبر علی ذلک أیاما، تعقبها راحة طویلة إنشاء الله .
قال الحق سبحانه:{ یا أیها الإنسان إنک کادح إلی ربک کدحا فملاقیه } الإنشقاق ٦
دخل على رسول الله( ص) رجل اسمه مجاشع، فقال:« يا رسول كيف الطريق إلى معرفة الحق؟ فقال(ص): معرفة النفس. فقال: يا رسول الله، كيف الطريق إلى موافقة الحق؟ قال: مخالفة النفس. فقال: يا رسول الله, فكيف الطريق إلى رضاء الحق؟ قال: سخط النفس. فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى وصل الحق ؟ قال: هجر النفس. فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى طاعة الحق ؟ قال: عصيان النفس. فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى ذكر الحق ؟ قال: نسيان النفس. فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى قرب الحق؟ قال: التباعد عن النفس. فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى أنس الحق؟ قال: الوحشة من النفس. فقال: يا رسول الله، كيف الطريق إلى ذلك؟ فقال: الإستعانة بالحق على النفس».
کما أنّ الإنسان في السفر الخارجي المحسوس، لا یکون مسافرا ما دام هو فی مکانه ولم یغادربلدته، کذلک السفر والهجرة إلی الله تعالی، لا تتحقق إلا بعد مغادرة البیت المظلم للنفس، وما دامت العلقة الدنیویة عالقة بقلبه ، فهو لیس مسافرا .
من قواعد السفر إلی الله تعالی، هي السیطرة علی زمام النفس ،
إذ کیف یمکن سوق دابة صعبة القیاد ولجامها بید غیر صاحبها ؟
یجب أن تکون أنت مربي نفسک ومعالج قلبک وطبیب روحک.
" فإنّ المربیة لن تکون أرحم من الأم " !
قال الإمام الباقر(ع):« إنّ المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها ، فمرة يقيم أودها ويخالف هواها في محبة الله ، ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها ، فينعشه الله فينتعش ويقيل الله عثرته فيتذكر، ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف.. ولا فضيلة كالجهاد ولا جهاد كمجاهدة الهوى ».
إنّ مجاهدة النفس حتی درجة السیطرة علیها بکل قواها المختلفة، تجعلها مؤثرة في بعض الأمور.. إذ النفس طاقة من طاقات هذا الوجود ملیئة بالأسرار المذهلة، فکما أنّ الطاقات الأرضیة تعمل الأعاجیب في عالم الآفاق، فکذلک الطاقات الروحیة تعمل الغرائب في عالم الأنفس !!
لکن إنتبه: لا ترتاض للحصول علی قوی النفس وقدرتها وتسلطها.. بل تحرک بخطی الحق للبحث عن الحق سبحانه، واعلم أنه:
« لا مؤثر في الوجود إلا الله » !
إذا وجدت جنود النفس وإبلیس هم الغالبون والمسیطرون فی باطن ذاتک ومملکة روحک، وجب إخراجهم بالجدّ والریاضة فورا، وأن تفرغ نفسک منهم وتقطع ید اللعین عن التصرف بها .
لا شك أنّ الموقف مع النفس دقيق وحرج، ولكنه المحك لقوة الإرادة وتمييز الرجال من أشباه الرجال. وكما أنّ البطل هو الذي يصرع الخصم عند النزال، كذلك المؤمن الحق هو الذي يتغلب على ميول النفس ونزعاتها، ولا يستجيب لأهوائها وشهواتها، بل تكون أسيرة له يأمرها فتطيع، ولا يكون هو أسيرا لها تأمره فيطيع !
قال أحد المؤلفين:« إنّ الشيطان يقرع على باب قلبك، ولكن ثق أنه لن يقوى من تلقاء نفسه على فتح الباب، لأنه رجل مهذب لا يقترف جريمة هتك حرمة مسكنك، بل يكتفي بطلب الإذن بالدخول، فلا تأذن له، وإياك أن توارب الباب، حتى ولا لترى من الطارق ؟ إنّ من يفتح الباب فقد هلك.. إنّ دقيقة واحدة مع الشيطان كافية لأن توردك مورد التهلكة ».
وهذا صحيح، إذ نطق به القرآن الكريم حكاية عن الشيطان في سورة إبراهيم الآية ٢٢ { وقال الشيطان لما قضي الأمر إنّ الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إنّ الظالمين لهم عذاب أليم }.
فليس لإبليس أو الشهوات أو الإرادة الشريرة أو المغريات الخارجية ، ليس لها إلا الدعوة ، وما عليك إلا الرفض إذا أردت أن تكون إنسانا كريما !
قال الإمام علي(ع) مخاطبا الدنيا:« فوالله لا أذل لك فتستذليني، ولا أسلس لك فتقوديني ».
قال رسول الله(ص):« يا أبا ذر، لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك، فيعلم من أين مطعمه ومشربه ؟ ومن أين ملبسه ؟ أمن حل أو من حرام » ؟
قال الإمام علي(ع):« عباد الله، زنوا أنفسکم من قبل أن توزنوا، وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا، وتنفسوا قبل ضیق الخناق، وانقادوا قبل عنف السیاق..».
شروط مجاهدة النفس:
التفکر: علیک بکثرة التفکر في ذات الله تعالی وفي لطائف المصنوعات ودقائق أسرار الوجود..
العزم والإرادة: وهو أن تعزم على ألا تعود إلی ذنب أبدا. ولا تنسی بأنّ أکثر ما یسبب علی فقد العزم والإرادة، هو: الإستماع إلی الغناء !
المشارطة: شارط نفسک في أول یومک علی أن لا تعصي الله أبدا، وکما تشارط شریکک المالي، شارط نفسک.
المراقبة: وهي حراسة النفس، لئلا تجرّ الأعضاء والجوارح إلی إرتکاب المخالفة.
الموازنة: وهي المقارنة بین منافع ومضار أيّ عمل أو سلوک ترید الإتیان به, لترى على أي واحد منها يصح الإقدام عليه؟
المحاسبة: وذلک عند النوم إذا جنّ علیک اللیل، فآجلس للحساب لتحاسب نفسک، ماذا فعلت في یومک وهل أدیت ما اشترطت..؟
المعاتبة: وذلک أن تعاتبها إذا لم تکتسب خیرا.
المعاقبة: وهو معاقبة النفس إذا ما أخطأت وإجبارها علی تحمل الریاضات الشاقة کالصوم والقیام لساعات أطول.. الخ
قال الإمام زين العابدين(ع):« إبن آدم ، إنك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك ، وما كانت المحاسبة لها من همك ، وما كان الخوف لك شعارا والحزن لك دثارا ، إنك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي الله عزوجل ، فأعد جوابا ».
قال الإمام الکاظم(ع):« لیس منا من لم یحاسب نفسه في کل یوم، فإن عمل حسنا إستزاد الله ، وإن عمل سیئا إستغفر الله منه وتاب إلیه ».
عن الإمام علي(ع) عن النبي(ص) أنه قال:« أكيس الكيسين من حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت . فقال رجل: يا أمير المؤمنين، كيف يحاسب نفسه ؟ قال: إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه وقال: يا نفسي، إنّ هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبدا ، والله يسألك عنه: بما أفنيته ؟ فما الذي عملت فيه ؟ أذكرت الله أم حمدته ؟ أقضيت حوائج مؤمن فيه ؟ أنفست عنه كربة ؟ أحفظته بظهر الغيب في أهله وولده ؟ أحفظته بعد الموت في مخلفيه ؟ أكففت عن غيبة أخ مؤمن ؟ أأعنت مسلما ؟ ما الذي صنعت فيه ؟ فيذكر ما كان منه، فإن ذكر أنه جرى منه خير حمد الله وكبره على توفيقه، وإن ذكر معصية أو تقصيرا، إستغفر الله وعزم على ترك معاودته ».
كيفية محاسبة النفس: لقد كان الأولون من الصلحاء ، أشد محاسبة لنفوسهم، من سلطان غاشم ومن شريك شحيح . فإذا بغيت الخلاص لنفسك، فما عليك إلا أن تحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها.. فكما أنّ الإنسان يفتش في حساب الدنيا عن الحبة والقيراط والنقير والقطمير، كذلك ينبغي أن يفتش عن أفعال النفس ويضيق عليها الخناق، وليتق غائلتها وتحايلها فإنها خداعة ماكرة ملبسة، وليدقق في جميع أفعاله وأحواله: في نظره وسمعه ، ونومه وقيامه، وأكله وشربه ، وكلامه وسكوته ، وخواطره وأفكاره.. ويتوجه إلى كل واحد من أعضائه ويتفكر في المعاصي المتعلقة به ، مثل أن ينظر في لسانه ، ويتفكر في أنه هل صدر منه شئ من الغيبة ، أو الكذب ، أو الفحش ، أو فضول الكلام ، أو النميمة ، أو الثناء على النفس.. ثم ينظر في بطنه ، هل عصى الله بأكل حرام أو شبهة ، أو كثرة مانعة عن صفاء الروح.. وهكذا يفعل مع كل عضو. ثم يتفكر في الطاعات المتعلقة بكل واحد منها وفيما خلق هذا العضو لأجله من الفرائض والنوافل، فإن وجد- بعد التفكر- عدم صدور شئ من المعاصي عن شئ منها، وإتيانها بالطاعات المفروضة عليها بأسرها وبالنوافل المرغبة إليها بقدر اليسر والإستطاعة ، فليحمد الله على ذلك ، وإن عثر على صدور شئ من المعاصي أو ترك شئ من الفرائض ، فليتفكر أولا في الأسباب الباعثة على ذلك ، من الإشتغال بفضول الدنيا أو مصاحبة أقران السوء أو غير ذلك ، فليبادر إلى قطع السبب ، ثم التدارك بالتوبة والندم ، لئلا يكون غده مثل يومه .
وهذا القدر من التفكر في كل يوم وليلة ، لازم لكل ذي دين معتقد بالنشأة الآخرة ، وقد كان ذلك عادة وديدنا لسلفنا المتقين في صبيحة كل يوم أو عشية كل ليلة ، بل كانت لهم جريدة يكتبون فيها رؤوس المهلكات والمنجيات ويعرضون في كل يوم وليلة صفاتهم عليها ، ومهما إطمأنوا بقطع رذيلة أو الإتصاف بفضيلة يخطون عليها في الجريدة ، ويدعون الفكر فيها ، ثم يقبلون على البواقي ، وهكذا يفعلون حتى يخطوا على الجميع . ومن كان أقل مرتبة منهم من الصلحاء ربما يثبتون في جريدتهم بعض المعاصي الظاهرة ، من أكل الحرام ، والشبهة ، وفضول الكلام ، والكذب ، والغيبة والمراء، والنميمة ، والمداهنة وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وغير ذلك ، ويفعلون بمثل ما مر .
قال الله سبحانه:{ يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم } الحديد ٢٨
قال الإمام الصادق(ع):« طوبى لعبد جاهد في الله نفسه وهواه ! ومن هزم جند هواه ظفر برضاء الله ، ومن جاوز عقله نفسه الأمارة بالسوء، بالجهد والإستكانة والخضوع على بساط خدمة الله تعالى، فقد فاز فوزا عظيما ، ولا حجاب أظلم وأوحش بين العبد وبين الله تعالى من النفس والهوى ، وليس لقتلهما وقطعهما سلاح وآلة مثل الإفتقار إلى الله والخشوع والجوع والظمأ بالنهار والسهر بالليل ، فإن مات صاحبه مات شهيدا ، وإن عاش واستقام أداه عاقبته إلى الرضوان الأكبر، قال الله عز وجل: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإنّ الله لمع المحسنين ».
كيفية المعاقبة: إذا ما حاسبت نفسك فوجدتها مقصرة في حقوق الله، متوانية بحكم الكسل والبطالة في شئ من الفضائل، فلا ينبغي أن تهملها، إذ لو أهملتها لسهل عليها مقارفة المعاصي بحيث يعسر بعد ذلك فطامها ! فعليك بمعاقبتها على تقصيرها وإجبارها علی تحمل الریاضات الشاقة ، من وظائف العبادات کالصوم والقیام لساعات أطول، والتصدق بما تحبه.. فإذا أكل الإنسان مثلا لقمة مشتبهة ، ينبغي أن يعاقب البطن بالجوع ، وإذا نظر إلى غير محرم يعاقب العين بمنع النظر، وإذا اغتاب مسلما يعاقب اللسان بالصمت والذكر مدة طويلة ، وكذلك يعاقب كل عضو من أعضائه إذا صدرت منه معصية بمنعه من شهواته ، وإذا استخف بصلاة ألزم نفسه بصلاة كثيرة بشرائطها وآدابها ، وإذا استهان بفقير أعطاه صفو ماله ، وهكذا الحال في سائر المعاصي والتقصيرات .
لقد كان رسول الله(ص) يصلي حتى تتورم قدماه ، ويقول:« أفلا أكون عبدا شكورا ». وقد صح عنه(ص):« أنّ لله ملائكة في السماء السابعة سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة ، ترعد فرائصهم من مخافة الله، لا تقطر من دموعهم قطرة إلا صارت ملكا، فإذا كان يوم القيامة، رفعوا رؤوسهم وقالوا: ما عبدناك حق عبادتك..»!
وقيل لربيع بن خثيم : ما لك لا تنام بالليل ؟ قال :« لأني أخاف البيات ». وكان أويس القرني يقول في بعض الليالي:« هذه ليلة الركوع ». فيحيي الليل كله في ركعة ! ويقول في بعضها:« هذه ليلة السجود ». فيحيي الليل كله في سجدة ! وروي أنّ بعضهم نظر إلى إمرأة ، فجعل على نفسه ألا يشرب الماء البارد طول حياته ، فكان يشرب الماء الحار لينغص على نفسه العيش !!
قال بعض أصحاب أمير المؤمنين(ع): صلينا خلفه الفجر، فلما سلم انتقل إلى يمينه وعليه كآبة ، فمكث حتى طلعت الشمس، ثم قلب يديه وقال:« والله لقد رأيت أصحاب محمد(ص) وما أرى اليوم شيئا يشبههم ، وكانوا يصبحون شعثا غبرا صفرا ، بين أعينهم أمثال ركب المعزى ، قد باتوا لله سجدا وقياما، يتلون كتاب الله عز وجل، ويراوحون بين أقدامهم وجباههم، وكانوا إذا ذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح ، وهملت عيونهم حتى تبل ثيابهم ، وكأن القوم باتوا غافلين » ثم نهض، فما رئي ضاحكا حتى ضربه اللعين.
قال الإمام الصادق(ع):« کان في وصیة النبي(ص) لعلي(ع) أن قال: یا علي أوصیک في نفسک بخصال فاحفضها عني، ثم قال: اللهم أعنه . أما الأولی فالصدق ولا یخرجن من فیک کذبة أبدا. والثانیة الورع ولا تجتریء علی خیانة أبدا . والثالثة الخوف من الله عز ذکره کأنک تراه . والرابعة کثرة البکاء من خشیة الله تعالی، یُبنی لک بکل دمعة ألف بیت في الجنة . والخامسة بذلک مالک ودمک دون دینک . والسادسة الأخذ بسنتي في صلاتي وصومي وصدقتي: أمّا الصلاة فالخمسون رکعة، وأمّا الصیام فثلاثة أیام في الشهر: الخمیس في أوله والإربعاء في أوسطه والخمیس في آخره. وأمّا الصدقة فجهدک حتی تقول قد أسرفت ولم تسرف. وعلیک بصلاة اللیل وعلیک بصلاة اللیل وعلیک بصلاة اللیل، وعلیک بصلاة الزوال وعلیک بصلاة الزوال وعلیک بصلاة الزوال. وعلیک بتلاوة القرآن علی کل حال، وعلیک برفع یدیک في صلاتک وتقلیبهما، وعلیک بالسواک عند کل وضوء. وعلیک بمحاسن الأخلاق فارتکبها ومساویء الأخلاق فآجتنبها ، فإن لم تفعل فلا تلومنّ إلا نفسک ».
قال الإمام علي(ع):« ما عبدتک طمعا في جنتک ولا خوفا من نارک ، بل وجدتک أهلا لذلک فعبدتک » !
إنّ الصلاة التي تقام للحصول علی الشهوات الدنیویة والأخرویة، لیست تلك الصلاة التي هي معراج المؤمن، بل هي صلاة تقربنا من الحور العین، ولکن في المقابل تبعدنا عن ساحة القرب الإلاهي.
قال الصادق(ع):« العبادة ثلاث: قوم عبدوا الله عز وجل خوفا، فتلک عبادة العبید، وقوم عبدوا الله تبارک وتعالی طلبا للثواب، فتلک عبادة الأجراء، وقوم عبدوا الله عز وجل حبّا له، فتلک عبادة الأحرار وهي أفضل العبادات ».
يقول الإمام الرضا(ع):« الصلاة قربان کل تقي ».
قال الله تعالی:{ إنّ الصلاة کانت علی المؤمنین کتابا موقوتا } النساء ١٠٣
علیک بالمحافظة علی الصلاة في أول وقتها، فلا تقدم التوافه من الأمور علی اللقاء مع رب العالمین !
فما دام العبد لا یهتم بمواعید الحق، فکیف یتوقع مسارعة الحق في تلبیة ندائه.. کما یدین العبد، یُــــدان..؟!
لقد کان النبي(ص) إذا دخل وقت الصلاة ، کان کمن لا یعرف أهلا ولا حمیما ، شغلا بالله عن کل شيء !
تروي عائشة عن النبي(ص):« أنه کان یحدثنا ونحدثه ، فإذا حضرت الصلاة ، فکأنه لم یعرفنا ولم نعرفه ، شغلا بالله عن کل شيء ».
قال الإمام الصادق(ع):« من صلی الصلوات المفروضات في أول وقتها وأقام حدودها ، رفعها الملک إلی السماء بیضاء نقیة تقول: حفضک الله کما حفضتني، استودعتني ملک کریم . ومن صلاها بعد وقتها من غیر علة ولم یقم حدودها ، رفعها الملک سوداء مظلمة وهي تهتف به: ضیعتني ضیعک الله کما ضیعتني ، ولا رعاک الله کما لم ترعني ».
قال النبي(ص):« ما من صلاة یحضر وقتها ، إلا نادی ملک بین یدي الناس: أیها الناس، قوموا إلی نیرانکم التي أوقدتموها علی ظهورکم، فأطفئوها بصلاتکم ».
قال سبحانه وتعالی:{ قد أفلح المؤمنون الذین هم في صلاتهم خاشعون } المؤمنون ٢
قال الإمام الباقر(ع):« إنما لک من صلاتک ما أقبلت علیه منها ، فإن أوهمها کلها أو غفل عن آدابها ، لفت فضرب بها وجه صاحبها».
إنّ شقائنا في أننا نترک کل أفکارنا المتشتتة إلی وقت العبادة ، وعند تکبیرة الإحرام وکأننا فتحنا باب المتجر، وعندما ننتبه للعبادة نجد أنفسنا في نهایة الصلاة !
قال الصادق(ع):« لا تتهاون بصلاتک فإنّ النبي(ص) قال عند موته: لیس مني من استخف بصلاته ، لیس مني من شرب مسکرا، لا یرد علي الحوض لا والله ».
علی السالک, في الصلاة, إمساک طائر الخیال وإلجامه كلما أراد أن یتحول من غصن إلی غصن.. فبعد فترة من الترویض شيئا فشيئا سیرضخ إنشاء الله ویهدأ .
إنها إحدی وسائل الشیطان لجلب الشقاء للمصلي.. فانتبه !
يقول الإمام الصادق(ع):« یا عبد الله، إذا صلیت فصل صلاة مودّع یخاف أن لا یعود إلیها أبدا ، ثم اصرف ببصرک إلی موضع سجودک، فلو تعلم من علی یمینک وشمالک لأحسنت صلاتک، وآعلم أنک بین یدي من یراک ولا تراه ».
إنّ لکل رکعة من الصلاة روحها ورائحتها الخاصة بها.. ولکل جزء من أجزائها طعمه المتمیز.. ففي الرکعة الأولی نجد نشاط البدء في مواجهة الحق بعد طول إنتظار.. وفي الثانیة قنوت وحدیث مسترسل مع الربّ المتعال.. والثالثة هي بدایة النصف الأخیر من التنزل التدریجي بعد العروج وما یصاحبها من الإشفاق من قرب الرحیل.. والرابعة یشرف فیها علی الخروج من هذا اللقاء المبارک، بما یصحبه من ألم الوداع والفراق..!
قال رسول الله(ص):« ما من مؤمن إلا ولقلبه في صدره أذنان: أذن ینفث فیها الملک ، وأذن ینفث فیها الوسواس الخناس ، فیؤید الله المؤمن بالملک وهو قوله سبحانه: وأیدهم بروح منه ».
إذا خالفت الشیطان في الوسوسة فترة من الزمن ولم تلق بالا لوساوسه ، فسینقطع طمعه عنک، وتعود السکینة إلی نفسک إنشاء الله.
قال الإمام الصادق(ع):« لا یرکع عبد لله رکوعا علی الحقیقة، إلا زینه الله تعالی بنور بهائه ، وأظله في ظلال کبریائه ، وکساه کسوة أصفیائه . وفي الرکوع أدب وفي السجود قرب، ومن لا یحسن الأدب لا یصلح للقرب ».
إنّ حضور القلب لا یحصل إلا بتفریغه وتکریس الوقت له، فعلیک أن تـفهم القلب أهمیة العبادة وبالوقت الخاص بالعبادة فقط .
العبادة بلا حضور قلب، لا تورث القلب إلا قساوة !
قال الإمام زين العابدين(ع) لأهله، بعد أن سقط ولدها في البئر، والإمام(ع) مقبل علی صلاته:« لو ملت بوجهي عنه ، لمال بوجهه عني، فمن ترین أرحم بعبده منه » ؟!
قال الحق عزت آلاءه:{ ألم یأن للذین آمنوا أن تخشع قلوبهم لذکر الله وما نزل من الحق } الحدید ١٦
يا أبو تقوى: إجعل مناجاتک بمثابة التحدث مع صدیق عزیز علیک أو مع شخص محترم، فإنک تقبل علیه بکل وجدانک ولا ینشغل فکرک في أمور أخری.. فما بالک بولي النعمة جلت عظمته ؟!
إنّ مولی الموالي، الإمام علي(ع)، انتزعوا السهم من قدمه الشریفة وهو في الصلاة !!
إنّ عدم إدراک الألم حین التوجه إلی شيء لیس صعبا ، لأنّ النفس عندما تلتفت بصورة تامة إلی شيء، تغفل عن ملک البدن وتتحول الهموم كلها إلی همّ واحد !
قال الله تعالی:{ فلما رأینه أکبرنه وقطعن أیدیهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملک کریم } یوسف ٣١
وقد روي، أنّ أهل مصر مكثوا أربعة أشهر لم يكن لهم غذاء إلا النظر إلى وجه يوسف الصديق(ع)، كانوا إذا جاعوا نظروا إلى وجهه ، فشغلهم جماله عن الإحساس بالجوع !
فالمستغرق في صلاته لا یحتاج إلی استحضار صورة حسیة یستحضرها في الصلاة.. وذلک لإنشغاله بصور أرقی متمثلة بکسوة الجلال التي تغشي المصلي في صلاته .
« لو یعلم المؤمن ما یغشاه من جلال الله ، ما سره أن یرفع رأسه من سجوده »!
قال النبي(ص):« إنّ العبد إذا قام في الصلاة ، رفع الله الحجاب بينه وبين عبده ، وواجهه بوجهه وقامت الملائكة من لدن منكبيه إلى الهواء ، يصلون بصلاته ويؤمنون على دعائه ، وإنّ المصلي لينشر عليه البر من أعنان السماء إلى مفرق رأسه ، ويناديه مناد: لو علم المصلي من يناجي ما التفت . وإنّ أبواب السماء تفتح للمصلين ، وإنّ الله يباهي ملائكته بصدق المصلي ».
إنّ رفع الحجاب وفتح أبواب السماء ، كناية عن إفاضة العلوم الباطنية على المصلي !
قد تقول بأنك لا تقدر علی الترکیز في صلاتك، والحال أنك تملک أعلی صور الترکیز الذهني في مجال عملك أو أيّ مجال آخر.. والسرّ في ذلک هو رغبتك الأکیدة في مثل ذلک الترکیز، طمعا لما وراءه من المنافع والمکاسب.. فلو تتحقق فیك الرغبة في الترکیز عند الصلاة والدعاء طلبا لعظیم المنافع ، لأمکنك مثل هذا الترکیز أیظا، بل أشد من ذلک..
قال الإمام الصادق(ع):« یرفع للرجل من الصلاة ربعها أو ثمنها أو نصفها أو أکثر بقدر ما سها، ولکن الله تعالی یتم ذلک بالنوافل ».
يا أبو تقوى: إذا قمت بين يديه تعالى، فأشعر قلبک بأنک حاضر عند ساحة کرمه وفي محفل الأنس ومحضر القدس، حتی تتکامل إنشاء الله ويتنور قلبك ویصبح محلا للتجلیات.. وتكون تلك الأنوار مفاتيح للعلوم الباطنية !
إنک إذا سلمت القلب إلی صاحبه وأعرضت عن غیره ولم تدفع البیت إلی الغاصب اللعين، تجلی فیه صاحبه.. وتجلي الغني المطلق یدفع إلی الغنی المطلق بالعزة والغنی، وینهض صاحب البیت بإدارة أموره بنفسه ولا یترک الإنسان لوحده ، وإنما یتدخل ویتصرف في جمیع شؤون عبده .
بل یصبح هو سمعه وبصره ویده ورجله !!
عن أبي عبد الله(ع):« لما أسري بالنبي(ص) قال: یا رب ماحال المؤمن عندک ؟ قال: یا محمد، من أهان لی ولیا فقد بارزني بالمحاربة، وأنا أسرع شیئا إلی نصرة أولیائي. وما ترددت في شيء أنا فاعله کترددي في وفاة المؤمن یکره الموت وأکره مسائته. وإنّ من عبادي المؤمنین من لا یصلحه إلا الغنی ولو صرفته إلی غیر ذلک لهلک. وما یتقرب إليّ عبد من عبادي بشيء أحبّ مما افترضت علیه، وإنه یتقرب إليّ بالنافلة حتی أحبه، فإذا أحببته، کنت إذن سمعه الذي یسمع به وبصره الذي یبصر به ولسانه الذي ینطق به ویده التي یبطش بها، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطیته ».
إنّ هذا السمع, إذا بذله الإنسان في طاعة النفس والشیطان وما یلهي عن الرحمان، بطل سمعه الروحاني، وأما إذا بذله في طاعة ربه أبدله الله سمعا خیرا منه، سمعا کاملا روحانیا فهو یسمع کلام الملائکة ویصغي إلی خطاب الرب تعالی في الآخرة والأولی، ویفهم کلام الله والأنبیاء والأوصیاء(ع)..!
وکذلک البصر إذا صرفه العبد في مشتهیات نفسه، ذهب الله بنوره وأعمی عین قلبه، وإذا بذله في طاعة ربه، نوّر الله عین قلبه وأعطی بصره نورا أعلی وأقوی ینظر به إلی الملکوت الأعلی، ویتوسم في وجوه الخلق ما لا یعرف غیره ، ویری الملائکة الروحانیین..
جاء عن الإمام زين العابدين(ع):« ألا إن للعبد أربع أعين: عينان يبصر بهما أمر دينه ودنياه ، وعينان يبصر بهما أمر آخرته ، فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح له العينين في قلبه ، فأبصر بهما الغيب في أمر آخرته ».
{ إنّ في ذلک لآیات للمتوسمین }.
« إتقوا فراسة المؤمن فإنه ینظر بنور الله ».
قال الله تعالی:{ قل للمؤمنین یغضوا من أبصارهم }.
وقال:{ وقل للمؤمنات یغضضن من أبصارهن } النــور٣١
وجاء في الحديث:« لا تکوننّ حدید النظر إلی ما لیس لک، فإنه لن یزني فرجک ما حفضت عینک. فإن قدرت أن لا تنظر إلی ثوب المرأة فافعل » !
کذلک قوة البطش البدنیة، إذا صرفها السالک في طاعة الله وقربه ونهکها بالریاضات الحقة، أعطاه الله قوة روحانیة لا تضعف بالأمراض، بها یقدر علی التصرف في عالم الملک والملکوت..
قال أمير المؤمنين(ع):« ما قلعت باب خیبر بقوة جسمانیة بل بقوة ربانیة ».
کذا النطق، إذا صدق فیه وکان موافقا لعمله ومصادفا لرضا ربه، فتح الله به ینابیع الحکمة من قلبه علی لسانه..
« لا یسعني أرضي ولا سمائي, بل یسعني قلب عبدي المؤمن ».
وبعد طي جمیع المراحل، یشرع العبد في السلوک إلی الله بالمدد الباطني الغیبي ویکون القلب طالبا للحق فاحصا عنه، ویغسل الید والوجه من قذارات الإلتفات إلی الغیر ویترنم:« وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنیفا مسلما وما أنا من المشرکین ».
یا أبو تقوی: إسعی لأن تغادر هذا البیت المظلم للنفس ببرکة ترویض النفس وأنوار الهدایة، وإذا ما تحقق لک ذلک ـ إنشاء الله ـ فستنفتح أبواب قلبک علی العلوم والمکاشفات وتلقی المعارف في قلبک، وتشاهد جمال الجمیل..
وهذا الفتح یدعی بـ :(الفتح القریب) لأنه أول الفتوحات وأقربها.
ثم ( الفتح المبین), و( الفتح المطلق) !
قال سبحانه وتعالی:{ ومن یخرج من بیته مهاجرا إلی الله ورسوله ثم یدرکه الموت فقد وقع أجره علی الله } النساء ١٠٠
من یخرج من بیت نفسه ویهاجر إلی الحق في الرحلة المعنویة، ثم یدرکه الفناء التام ، کان أجره علی الله تعالی..
إنّ مثل هذا المسافر لا یستحق أجرا ولا مکافأة ، إلا مشاهدة الذات المقدسة والوصول إلی الفناء في حضرته.
سئل رسول الله(ص) عن شرح قوله تعالی:" فمن یرد الله أن یهدیه یشرح صدره للإسلام"، قال:« التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلی دار الخلود، والإستعداد للموت قبل نزوله ».
إنّ الأنبیاء والأئمة(ع)، كانوا یدمنون البکاء علی مرّ السنین علی إشتغالهم بالمباحات: من قبیل الأکل والشرب والنکاح.. کانوا یبکون خوفا من أن یکون إشتغالهم بالمباح، مانعا لهم من الوصول إلی الدرجات العالیة في جوار ربّ العالمین ومسقطا لهم من رتبة المقربین !
" إنّ المُنعّم المترف لا یصل إلی الحبیب، فالعشق من شیم الرجال الذین یتحملون البلاء " !
إعلم بأنک قد بدأت سفرک نحو هدف وغایة، فعلیک بقوة الإرادة والعزم علی الوصول إلی الهدف، ألا وهو رضی المحبوب سبحانه!
فسارع في المجاهدة واجتثاث المفاسد التي فیک، قبل استفحال الأمر والتمکن فیک أکثر.
تمعن: إنّ الشجرة المغروسة حدیثا، تنقلع بضغط قلیل وبلا تعب، فما کان جذره أصغر وأغضّ، کان ألمه وعذابه أقل. ولکن إذا مرّ علی هذه الشجرة سنوات، ضربت بجذورها في أعماق التربة ونشبت مخالبها الأصلیة والفرعیة في باطنها واستحکمت، فقلعها عندئذ یحتاج إلی فأس لیقطع جذورها ویکسرها..
ولو کان للشجر إحساس بالألم، فکم سیکون عناءه ؟!
أتروض عرسك بعد ما هرمت..........ومن العناء رياضة الهرم!
کذلک إذا تقاعست وأبطأت في مساعیک لاقتلاع جذور المفاسد من قلبک وروحک، إزداد تعبک وعنائک في اجتثاثها فیما بعد!
إنّ أفضل علاج لدفع المفاسد الأخلاقیة، هو أن تأخذ کل واحدة تراها في نفسک علی حِدَة ، وتنهض بعزم علی مخالفة النفس وتعمل عکس ما ترجوه منك .
إنّ هذه الجوارح والجوانح التي وهبها لک الله سبحانه وتعالی، هي أمانة في عنقک، فإذا ما استعملتها ـ لا سمح الله ـ علی خلاف رضا الحق فقد خنت الأمانة !
تصور: لو أنّ طفلا صغیرا أخبرک مثلا بأنه وقع حریق في بیتک ـ لا سمح الله ـ أو أنّ إبنک غرق في الماء.. ماذا کنت تفعل؟ هل کنت تواصل في عملک ومرحک بکل إطمئنان وراحة بال، أم أنک تهرول مسرعا للتثبت في الأمر؟!
فما الذي حصل لک إذن یا مسکین؟ رغم کل هذه الآیات والآخبار والبراهین والمواعظ.. إلا أنها لم تؤثر فیک تأثیر خبرعن طفل صغیر؟!
لو أنها أثرت فیک، لسلبت الراحة منک، ولمَا أعمی دخان الشهوة والغضب عین قلبک، وأصمّ سمعک عن سماع صوت الحق !!
قال الله تعالی:{ ولقد ذرأنا لجهنم کثیرا من الجن والإنس لهم قلوب لا یفقهون بها ولهم أعین لا یبصرون بها ولهم آذان لا یسمعون بها أولائک کالأنعام بل هم أضل أولائک هم الغافلون} الأعراف١٧٩
علیک أن تدرک دائما وأبدا وفي جمیع الحالات، ضعتک وحقارتک، هذا أولا، وثانیا عظمة رب الأرباب وملک الملوک سبحانه وتعالی، حینها ستفهم بأنّ التجرؤ والعـصیان في محضر مثل هذا السلطان العظیم الشأن، هو أمر في منتهی الشناعة والقبح والشقاوة !
أنسیت من أنت؟ ومن أین أتیت؟ أنت خلقت من نطفة لو مستها یدک لآستقذرتها ولتطهرت منها یا مسکین !!
ما هذا التواني؟ أنسیت الموت الذي لا بد من الورود علیک علی حین غفلة، فیهدم أرکان لذتک ویخرب بنیان غرائزک ؟!
قال النبي(ص):« من تذکره في الیوم واللیلة عشرین مرة ، یحشر مع شهداء احد ».
فإذا کنت مسافر حقا، فهیّأ الزاد والعتاد فإنّ السفر طویل، وتفکر في حال من کان معک بالأمس أین هو الآن ؟ لقد انتقل من أنس العشرة إلی وحشة الهجرة ، ومن فسحة الدار إلی ضیق القبر، ومن الترف والتنعّم وحسن الصورة ، إلی قبح المنظر وسوء المآل.
وإن شِـئت فاسأل قبره :
بالله یا قبر، هل زالت محاسنه وهل تغیّر ذاک المنظـُـرُ النـّظرُ؟
فسیقول لک: لقد تبددت عظامه عن بعضها مفصلا مفصلا، وأفنت الدیدان لحمه وشحمه !
لا تنسى بأنّ بین الموت والقیامة ألف ألم وحزن.. أیسرها نزع الروح ومرارة الإحتضار، وصولا إلی شمس تلهب فوق الرؤوس وأرض أحمی من فرن الحداد !
قال الإمام علي(ع):« الناس نیام ، فاذا ماتوا انتبهوا ».
وقال النبي(ص):« یحشر بعض الناس علی صور تحسن عندها القردة والخنازیر».
« إننا شفعائکم یوم القیامة ولکن تزودوا لبرزخکم ».
تمعّـن: لو أنّ نارعالم الدنیا بأسرها اجتمعت بعضها فوق بعض، فلن تقدر علی إحراق فؤاد الإنسان، لأنّ الفؤاد من مراتب الملکوت ولا تصل النار الملکیة إلیه !
أما نار جهنم ـ أجارنا الله منها ـ فهي محیطة بالباطن أکثر من إحاطتها بالظاهر، إذ کما تحرق الجسم بظاهره وباطنه، کذلک تحرق الروح والفؤاد !
قال سبحانه وتعالی:{ إنّ الذین کفروا بآیاتنا سوف نصلیهم نارا کلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غیرها لیذوقوا العذاب } النساء٥٦
قال أمير المؤمنين(ع):« حرام علی کل نفس أن تخرج من الدنیا، حتی تعلم أنها من أهل الجنة هي أم من أهل النار».
في البرزخ، الذي هو عالم وسط بین هذا العالم وعالم القیامة، تنفتح علی الإنسان کوة من الجنة أو من النار..
ساعة المعاینة عند الموت، تنکشف لک بعض مقاماتک وأحوالک، فإن کنت ـ یا أبوتقوی ـ من أهل هذه النشأة وتخدّرت من سکر الطبیعة.. فواحسرتک! وامصیبتک !
وإن کنت من أهل الآخرة ، فوابشراک! واسعداک!
كان الصلحاء يتخذون من أسلوب التذكر بالموت وما بعده وسيلة لترويض أنفسهم وتعميق التقوى في قلوبهم، عملاً بقول الإمام علي(ع):« أكثروا ذكر الموت فإنه هادم اللذات ».
وكان فيهم من حفر لنفسه قبراً في منزله، وكفنه دائما على سجادة صلاتهً.. وعندما يقوم لصلاة الليل، يلبس الكفن ثم ينزل داخل القبر ويحدّث نفسه قائلاً: يا فلان، إعتبر نفسك الآن ميتاً، وهذه حفرتك التي يدفنونك فيها شئت أم أبيت.. قل لي: من يفيدك هنا غير عملك الصالح؟!.. فلِمَ لا تستزيد منه، ولماذا تغفل عن مصيرك هذا، ولِمَ لا تمهّد لرقدتك هذه.." يردّد هكذا ويكرّر ويبكي، ثم يتلو الآية الشريفة:{حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب إرجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يُبعثون} المؤمنون ٩٩
ثم يوبّخ نفسه قائلاً: اسكت، إنك لا تستحق العودة إلى الحياة فقد ضيعت الفرص التي منحها الله إياك، ولكنه يعود ويلتمس ويتعهد أن يعمل صالحاً فيقول لنفسه: " قم واخرج، لقد سمحنا لك هذه المرة بالعودة..! وإياك أن تعود إلى حفرتك وأنت خالي اليدين من الباقيات الصالحات".
وهكذا يقوم خارجاً من القبر مؤتزراً كفنه، وهو يشكر الله على منحه فرصة الحياة، ونعمة العودة لاكتساب الحسنات.!
لذلك، یحسن بک بین فترة وأخری، أن تفترض نفسک قد نزل بک الموت علی حین غفلة، ثم أذن لک بالخروج من القبروآستئناف الحیاة من جدید، ولکن(بکفالة مضمونة)، وذلک حتی تعوض عن تقصیرک.. فتری مدی إستعدادک لمواجهة ذاک المصیر المهول.. قال الله تعالى:{ ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فآرجعنا نعمل صالحا إنا موقنون } السجدة ١٢
والمطلوب من العبد في مثل هذه المراجعة، هو تصفیة حقوق الخلق والإنابة إلی الخالق جل جلاله، ولیذکر بأنّ التصفیة عند الإحتضار وفي البرزخ هي أمر وأدهی.. وقد عبرعنه الإمام الهادي(ع) بالحمام !
فالأولی بالعبد أن یدخل الحمام بنفسه قبل الموت، لئلا یجبر علی دخولها بعد الموت بما في ذلک من ذل وقسر وطول مکث !
فکم ستکون تعاستک ـ یا أبو تقوی ـ یوم یرفع حجاب الطبیعة عن بصرک، وتعاین أنّ کل ما مشیت وسعیت له کان في طریق شقاوتک!
قال رسول الله(ص):« القبرإمّا روضة من ریاض الجنة ، أو حفرة من حفر النیران ».
وقال الصادق(ع):« یسلـّط علی الکافر في قبره تسعة وتسعون تنینا، لو أنّ تنینا منها نفخ في الأرض، لم تنبت زرعا ».
إنّ أهل المعرفة یقولون بأنّ المؤذیات التي تتسلط علی الإنسان في القبر، هي ظهور ملکوت الأخلاق الذمیمة التي للإنسان في دار الدنیا.
وجهنم ما هي إلا رحمة في صورة الغضب لبعض الذین لهم إستعداد للوصول إلی السعادة، ولولا التخلیصات والتطهیرات التي تحصل بالإبتلاءات في دار الدنیا.. ثم التطهیرات في عالم البرزخ.. لما رأی الناس وجه السعادة أبدا !
قال أمير المؤمنين(ع):« ما من عبد أسرّ خیرا فذهب الأیام أبدا حتی یظهر الله له خیرا، وما من عبد أسرّ شرّا فذهب الأیام أبدا حتی یظهر الله له شرا ».
ما أقبح العبد الذلیل المستغرق في النعم الإلاهیة آنا فآنا، والماثل في محضر الحق سبحانه{ وهو معکم أینما کنتم }، ومع هذا یهتک حجاب الحیاء ویمتطي صهوة الجرأة علی الله تبارک وتعالی، ویرتکب المناهي في حضرة ملک الملوک وسلطان السلاطین !
إنّ سلیمان(ع) ما تمکن من تسخیر الإنس والجن إلا بعد ما هزم في وجوده الشریف، العسکر المشؤوم المتکون من نفسه (الأمارة) ومن إبلیس، وسلـّـط جند العقل علی حصن القلب الحصین..
إذا بغیت لنفسک الخلاص، فعلیک بالایمان الصادق.. لأنک ما لم تکتب الکلمة المبارکة ( لا الاه الا الله ) بقلم العقل علی لوح القلب الصافي ، فلست بمؤمن !
ومثل الإیمان، کإنسان حمل مصباح وسلک طریقا مظلما ، کلما تقدم خطوة ، أضاء أمامه للخطوة اللاحقة .
إعلم یا أبوتقوی، أنّ أعمالک کل یوم وکل صباح وکل مساء تعرض علی النبي(ص) وعلی الأئمة(ع) وخاصة صاحب العصر(عج).
فآستحیي یا مسکین أن یجدوا صلوات الله وسلامه علیهم ولو سیئة واحدة من سیئاتک فیتأذوا منها !
عن أبي عبدالله(ع) في وصيته لإبن جندب(رض):« يا ابن جندب، حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه ، فيكون محاسب نفسه ، فإن رأى حسنة إستزاد منها، وإن رأى سيئة إستغفر منها ، لئلا يخزى يوم القيامة ».
علی الإنسان أن يسعى لإصلاح نفسه حتی وإن تقدمت به السن، فلا ییأس من إستئصال جذور هذه الشجرة الخبیثة التي مدت بعروقها إلی أعماقه.
طبعا سیتعب أکثرـ کما قلنا ـ كما لو کان شابا أو طفلا، ولکن بشدة الریاضات النفسانیة وکثرتها ومشقة الریاضات الروحیة وبتوفیق من الله وعونه ، سیصل إلی تحقیق غایته ونیل منیته.
الناس إستطاعوا ترویض السباع والصقور، وأنت يا مسكين عاجز حتی عن ترویض نفسک التي بین جنبیک ؟!
لإصلاح نفسك، علیک بما يلي:
الأعمال القلبیة: وهوتخلیص القلب من الحجب الطبیعیة ، وأهمها حب الدنیا وحب النفس والإعجاب بها.
الأعمال القالبیة: وهو الإشتغال بالعبادات والأذکار والأوراد وتلاوة القرآن مع حضور القلب.
إنّ عمر الآخرة لا نهایة له، والإنسان خلق للحیاة الأبدیة، وقد جعل الله هذه الدنیا مزرعة للآخرة ، فتصور لو أنّ هذا العمر القصیر، استغرقناه فقط في العبادة بحیث لم نعص الله فیه طرفة عین، ولم نصرف مقدار نفس من الأنفاس إلا في طاعة الله سبحانه، فإنه حتما قلیل جدا ولا یقارن مع الحیاة الأبدیة هناک !
كان من دعاء السجاد(ع):« اللهم إجعل همسات قلوبنا وحرکات أعضائنا ولمحات أعیننا ولهجات ألسنتنا، في موجبات ثوابک».
« إلاهي.. وأستغفرک من کل لذة بغیر ذکرک, ومن كل راحة بغير أنسك, ومن كل سرور بغير قربك, ومن كل شغل بغير طاعتك». !
علی طالب الوصول إلی الحق أمور:
( التخلیة): وهي واجبة ومن باب المقدمة ، وهي تطهیر القلب وتنظیفه من الأنجاس(الأخلاق الرذیلة)، بل تطهیره من کل شيء سوی الحق جل جلاله ، فلا یکون له شغل إلا بالقلب والمعشوق المستولي علی القلب. وهذه هي « التخلیة ».
( التجلیة والتحلیة): بعد أن تزین القلب وتصقله بالطاعات والعبادات والصفات الحسنة والأخلاق الکریمة ، یصبح لقلبک القابلیة لظهور وحضور حضرة الحق جل وعلا فیه. وهذه هي «التجلیة والتحلیة ».
{ إنما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت ویطهرکم تطهیرا}.
إنّ الإحساس بالتجلیات الإلاهیة، نعم العون علی المسیر. فإنّ العبد کلما کـُــشف له الغطاء، إزداد شوقا لما أجلی وأحلی إذ لا تکرار في التجلي.. فلکل إطلالة من عالم الغیب ، بهاء وجذب خاص للعبد تختلف عن سابقتها..
ومن هنا فإنّ الأولیاء المتنعمین بلذة التجلیات، لا یکاد ینتابهم ضیق في الحیاة بکل مرارتها، لأنّ لذة الوصل ینسیهم ألم کل فراق!
علیک بترک ما سوی الله وتخلیة القلب من کل ما یصدک عن ذکره جل شأنه ، إلا بمقدار الضرورة وأداء الواجب!
فضلاعن إجتناب المحرمات والمکروهات، علیک أیظاـ إن قدرت ـ ترک المباحات، لأنّ الله لا یحب لعبده أن ینشغل عنه بسواه !
إحتط من نفسک، وانظر إلیها نظرک إلی الخائن، فلا تأمنها لا سیما إذا وجدتها تلح علی مطلب إلحاحا شدیدا ، فاعلم أنّ لها غرظا في تـلک النقطة فلا تغفل.
قال الصادق(ع):« شیعتنا ، أصحاب الإحدی وخمسین رکعة ».
فعلیک بالمحافظة علی الخمسین رکعة (الفرائض والنوافل)، فهي من السنن المؤکدة، مع رکعتي «الغفیلة» بعد المغرب ورکعتین من جلوس بعد صلاة العشاء وهما رکعتي«العتمة» بدیلا الوتر.
قال النبي(ص):« لولا أن أشق علی أمتي، لأمرتهم بالسواک عند وضوء کل صلاة ».
وقال أبي عبد الله(ع):« صلاة رکعتان بالسواک، أفضل من سبعین رکعة بغیر سواک ».
السواک والعطر من المستحبات المؤکدة في الصلاة، فلا تغفل.
إذا نویت قیام اللیل، فآجعل أول اللیل وقت نومک ما أمکنک، فلا تسهـر بلا فائدة فیفوتک آخر اللیل، ولیکن ذلک علی ما ذکر في آداب النوم ومنها: النوم علی طهارة ، تسبیحات الزهراء(ع)، قراءة التوحید ثلاثا، قراءة سورة التکاثر، الإستغفار، النوم علی الجنب الأیمن مستقبلا جهة القبلة، وقراءة آخر آیة من سورة الکهف لأجل الإستیقاظ لصلاة اللیل..
{ الله یتوفی الأنفس حین موتها والتي لم تمت في منامها } .
ولا تنسى بأنّ « النوم أخو الموت ».
فعندما تتهیأ للنوم ـ الموت الأصغرـ تهیأ لتسلیم الروح لحضرة الحبیب جلت عظمته، وقل: إنّ هذه الروح أودعها الحبیب عند أبو تقوی، وسأری طلعته یوما فأسلمها له.. واشـتغل بالتوجه إلی حضرة الحق وتسلیم نفسک إلیه حتی یختطفک النوم .
فإذا استغرقت في النوم کنت في قبضة قدرته تعالی اسمه، فإن هو لم یعد الروح إلی البدن، فهو الموت الحقیقي کما قال في الآیة الشریفة: { فیمسک التي قضی علیها الموت ویرسل الأخری إلی أجل مسمّی}.
فإذا أنت قمت من نومک، أسجد سجدة الشکر وآذکر نعمة العودة للحیاة وآحمده علی إعطائک فرصة أخری، ولا تنسی أنّ الآلاف تمنوا أن یستجیب الله لهم في ذلک{ رب ارجعون لعلـّي أعمل صالحا فیما ترکت}.. فلم یسمعوا جوابا سوی قوله:
{ کلا إنها کلمة هوقائلها } !
خصص وقـتا لقراءة نصیب من القرآن کأوائل سورة الحدید وأواخر سورة الحشر.. وذلک في أواخر اللیل أو بین الطلوعین مع الطهور وحضور القلب.
أحیي قلبک بالذکر المبارک( یا حي یا قیوم ) و( لا الاه إلا الله) وبالدعاء الیونسي:(لا إلاه إلا أنت سبحانک إني کنت من الظالمین). فإنه مفید للترقیات الروحیة ، ویُرجی أن یأخذ الله سبحانه بیدک وتری لقلبک تغیرا وصفاء وطهرا لا عهد لک بهما.
علیک بالسجدة الطویلة، فإنّ هناک من کان یسجد هذه السجدة ویردد هذه الأذکار الشریفة ألف مرة !
وهناک من کان یسجد هذه السجدة بعد صلاة الصبح، ولا یرفع رأسه من السجود إلا عند زوال الشمس .
وكان العابد الجليل بن فضال، یخرج إلى الصحراء ویبقی ساجدا بالساعات ، فتأتي الطیر فتقع علیه والوحوش ترعی حوله ، ولا تنفر منه بل تستانس به..!
" لو علم المدبرون کیف اشتیاقي لهم ، لماتوا شوقا " !!
علیک بصیام ثلاثة أیام من کل شهر کما في الحدیث، أول الخمیس (وهو یوم عرض الأعمال)، الإربعاء الأول من العشرة الثانیة (هو یوم نحس)، ثم الخمیس الأخیر(یوم عرض الأعمال أیظا).
واضب تمام المواضبة علی تلاوة دعاء الغیبة، ودعاء الفرج ، وزیارة عاشوراء، والزیارة الجامعة الکبیرة، والمناجات الخمسة عشرة.. وعلی دوام الإلتفات إلی الإمام المهدي(عج) والتوسل به، لأنه هو واسطة الفیض في هذا العصر، ولا تغفل أن تهدي إلیه من حين إلى حين صلاة ركعتين مثلا، أو ختمة للقرآن الکریم..
إسمع إلیه وهو یدعو لشیعته:
« اللهم إنّ شیعتنا منا خلقوا من فاضل طینتنا، وعجنوا بنور ولایتنا، فولنا أمورهم، واغفر لهم ما فعلوه من ذنوبهم إتکالا علی محبتنا، وإن خفـّت موازینهم، فثقلها بفاضل حسناتنا ».
واضب على إخراج صدقة الیوم حتى وإن کانت شیئا یسیرا.. وعلى أن تکون دائما علی وضوء: فإنّ الطهارة الظاهریة توجب الطهارة الباطنیة.. وجدد الوضوء مع کل حدث.
قال المصطفى(ص):« یقول الله تعالی: من أحدث ولم یتوضأ فقد جفاني، ومن أحدث وتوضأ ولم یصل رکعتین، فقد جفاني، ومن أحدث وتوضأ وصلی رکعتین ودعاني ولم أجبه فیما دعاني من أمر دینه ودنیاه فقد جفوته، ولست برب جاف ».
واضب علی أن یکون لک في کل یوم ساعة للخلوة مع الله جل جلاله، بالمناجاة والتـفکر والتبتل والخضوع والخشوع إلیه، وأشعر قلبک الحزن في جمیع حالاتک، وحافظ علی صلاة رکعتین بعد کل وضوء ، ولا تغفل طوال النهار عن الإستغفار والتهلیل والتسبیح والصلاة علی النبي وآله الأطهار.
واضب على قراءة سورة القدر مائة مرة في کل من لیلة الجمعة وعصرها.
إذا عصيت الله في موضع، فلا تبرحه حتى تعمل فيه طاعة لما يشهد عليك يشهد لك، وكذلك ثوبك إذا عصيت الله فيه، وكذلك ما يفارقك منك من قص الشارب وحلق عانة وقص أظفار.. لا يفارقك شئ من ذلك إلا وأنت على طهارة وذكر لله، فإنه مسؤول عنك كيف تركك..!
راقب لسانک واجعل فمک موضع العطر وماء الورد لا موضع القمامة، وراقب سمعک وبصرک ولا تلطخ تلک الجوارح بقاذورات المعاصي، وحذار من هتک وخرق ستر الغیر والفحش في القول وعدم الحیاء.. واطلب العفة والحیاء والخجل.
إنّ کلمات اللغو الغیر مفیدة والقبیحة ، هي مضرة بحال الروح جدا وتسقط عن النفس الصفاء والصلاح والسلامة والوقار والطمأنینة والسکون.
إنّ نظرة واحدة من الإنسان إلی غیر محرمه أو عثرة صغیرة للسانه، یذهب بحلاوة العبادة وذکر الله من ذائقة الروح، ویضعف الإیمان ویمیت القلب ویوجب سوء ظن الناس به ویسقطه من أعینهم، ویحجبه عن سرائر التوحید وحقائقه مدة طویلة، وتمنعه من حصول جذبات المحبوب وخلوات المطلوب!
إنّ صغیر الذنوب بمثابة طعم لصید أکبر.. فالسمکة الکبیرة تصطاد بدودة صغیرة ، والعبد قد یدخل السجن الکبیر من الباب الصغیر..
" إنّ من حام حول الحمی، أوشک أن یقع فیه ".
وما یـُبنی في سنوات بالصیام والقیام.. ممکن أن یسقط في لحظة بکلمة أو نظرة .
حاول الفرار من أکل الحرام أوالذي فیه شبهة، لأنه سیتحول إلی جزء من کیان بدنک، فالخبیث لا یصدر منه الطیب. وهذه هي إحدی أسباب فتور الأعضاء عن العبادة.
علیک بالوضوء قبل الطعام ولا تأکل عما زاد عن حاجتک .
قال رسول الله(ص):« من قلّ أکله ، قلّ حسابه » !
وقال علي(ع):« إیاکم وفضول المطعم، فإنه یسم القلب بالفضلة، ویبطيء بالجوارح عن الطاعة، ویصم الهمم عن سماع الموعظة ».
ینبغي أن تکون معیشتک کلها من الحلال الطیب، بدءا من اللباس والفراش.. حتی آنیة الوضوء والسواک والمشط..
لا تحم حول الحرام والمشتبه وحتی المباح: قولا وفعلا وحالا وخیالا واعتقادا.. کي تحصل لک الطهارة الصوریة والمعنویة إنشاء الله تعالى .
" لن یقبل عمل رجل علیه جلباب من حرام ".
" ترک لقمة حرام، أحبّ إلی الله من ألفي رکعة تطوعا ".
قال الصادق(ع):« إنما شیعة جعفر من عفّ بطنه وفرجه واشتد جهاده وعمل لخالقه ورجی ثوابه وخاف عقابه. فإذا رأیت أولائک، فأولائک شیعة جعفر ».
قال الإمام الباقر(ع):« ما من عبادة أفضل من عفة بطن أو فرج ».
لا تغفل عن حبیبک في آن من الآنات، فلا بد أن یکون قلبک دائما معه، ألا تری الحکام الظاهریین تکون قلوبهم في العاصمة أینما حلوا ؟!
طبعا مذهب العاشق یختلف عن باقي المذاهب !
طلبک للمحبة مع الغفلة وارتکاب المعصیة، سببا للنفرة !
فالزم الأدب في مقدس حضرته وراع حرمة شریف حضوره، بحیث لا یغیب عن نظرک کما أنت لا تغیب عن نظره، واعبده کأنک تراه فإن لم تکن تراه فإنه یراک، واذکر دائما عظمته وحقارتک، ورفعته ودنائتک، وغناه وفقرک.. وتبصبص تحت قدمیه بصبصة الکلب النحیف، ولا تأذي بآثامک ونتن أعمالک عماله الکرام الکاتبین .
ألا تستحیي یا مسکین؟!
واعلم في تمام الأوقات لیلا ونهارا نوما ویقظة، وفي کل الأحوال وفي جمیع الحرکات والسکنات، أنّ حضرة الحق سبحانه وتعالی حاضر وناظرإلیک { ویعلم خائنة الأعین وما تخفي الصدور} !
فلا تغفل عن حضوره جلّ سلطانه آنا من الآناء ولو طرفة عین.
وبهذه الطریقة ستنزجر نفسک ـ إنشاء الله ـ عن السعي فیما یخالف رضاه سبحانه ، إمّا حیاء أو خوفا !
قال النبي(ص):« يا أبا ذر، إستحي من الله، فإني- والذي نفسي بيده- لأظل حين أذهب إلى الغائط، متقنعا بثوبي إستحياء من الملائكة الذين معي » !
علی المؤمن أن لا یغفل عن خالقه حتی في قمة فوران شهوته، والمتمثلة في أعلی صورها بلحظة مجامعة المرأة !
إذا کنت في نعمة فارعها..........فإنّ المعاصي تزیل النعم !
لو تعمق في نفس الإنسان، الإحساس بالمعیة الإلاهیة، لما إنتابه شعور بالوحدة والوحشة أبدا. بل ینعکس الأمر إلی أن یعیش الوحشة مع ما سوی الحق، خوفا من صدهم إیاه عن الأنس بالحق.. فعلی الإنسان أن یحقق في نفسه الشعور بالمعیة الإلاهیة في ساعات الدنیا، حتی لا یعیش الشعور بالوحدة القاتلة في ساعات ما بعد الحیاة الدنیا، والتي تعظم فیها الوحشة إلی یوم القیامة.
یجب أن نجهد أنفسنا أیظا علی هیمنة الإیمان علی ظاهرنا ، حتی یتجذر الإیمان في القلب ولا یزول أمام أيّ عائق إلی حین تسلیم هذه الأمانة (القلب الطاهر الملکوتي) إلی الذات المقدسة من دون أن تمتد إلیه ید الشیطان اللعین .
قال الإمام الصادق(ع):« القلب السلیم، الذي یلقی ربه ولیس فیه أحد سواه ».
وقال أیظا(ع):« القلب حرم الله تعالی، فلا تدخل حرم الله غیر الله».
وبخصوص:{ فاخلع نعلیک إنک بالواد المقدس طوی } قيل بأنه منعه من محبة الأهل والأولاد !!
فإذا کان لک هوی الدخول في وادي العشق والمحبة، فلا یمکن ذلک مع محبة الغیر .
" عندک قلب واحد، فلیکن لدیک حبیب واحد ".
{ وما جعل الله لرجل من قلبین في جوفه }.
{ ألیس الله بکاف عبده } !
تلک هي السعادة الحقیقیة ـ ولکن أبو تقوی المسکین ـ یهتم بالأمور الدنیویة الزائلة، ویری کل یوم كيف أنّ أهل الدنیا یترکونها ویذهبون متحسرین، وهو یواجه کل ذل ومشقة ومحنة لجمعها وتحصیلها.. ولکنه کسول لتحصیل الإیمان، الذي هو حقا السعادة الأبدیة الخالدة !
لا تیأس إن أبعدک الحبیب، فلو طردک الیوم فعساه یدعوک غدا، ولو أوصد في وجهک کل الأبواب والمعابر، فسیفتح لک بابا لا یعلم به أحدا غیره !
ولو صفق الأبواب في وجهک، فلا تغادره واصطبر فسیجعلک بعد صبرک.. تتصدر المجلس !
وحین یحز القصاب بخنجره رأس الکبش، فإنه یسقي ضحیته ویجرها إلیه !
وحین ینقطع نفس الکبش، فإنّ القصاب سینفخ فیه من نفسه هو.
فانظر أین سیوصلک نفس الرحمان؟!
لا تقل لن یؤذن لنا بدخول هذا الباب، فالتعامل مع الکرماء لیس عسیرا، إنه تعالی یبحث عن ذریعة لیعطي.. ودأبه ودیدنه أن یعطي بلا مقابل.
"عطائه لا یشترط القابلیة في العبد". یکفي مجرد التوجه !
« لو کسرت التوبة مائة مرة ، فعد من جدید ».
إعلم أنّ في الفراق، رجاء(الوصل)، وخاصة إذا اشتد ألم الفراق وطال زمان الهجران. وفي الوصل خوف (الفراق). وهناک من کان یحبذ حالة (الفراق) علی حالة (الوصل)، لأنّ عند الإضطراب في بحر(الفراق) یشتد التضرع والأنین.. وعند (الوصل) حیث الإحساس بالوصول إلی شاطیء الأمان، یسکن القلب ویقل الطلب!
فالله یجري قاعدتي« القبض والبسط »علی قلب عبده بمقتضی حکمته الغالبة.. وعلیه فلا تقل بأنّ الإقبال خیر من الإدبار، لأن بالثاني یدفع حالة العجب المهلکة. وأنین المذنبین قد یکون أحب إلیه من تسبیح المسبحین !!
تمسک بالخلوات وأصرّ إصرارا وبصبص حتی یحن ویتعطف علیک.
وإن أمر بطردک، فقل بمنطق عذب: لن أرحل عن دیارکم إلی سواها، فإن طردتموني من باب عدت من باب آخر!
وإن عبس في وجهک، فتوسل إلیه متبسّما، وإن أعرض عنک، فآهرع خلفه متبصبصا. فإن یئست منه فالتجئ إلی أمناء دولته!
وإن قال: من جرّئک علی مثل هذا الکلام؟ فقل: حلمک جرّأني.
وإن قال: من أین تعلمت هذا البیان؟ فقل: إنّ البلبل إنما تعلم الکلام من الورد، وإلا فإنّ کل الکلام والشـعر لم یکن معبئا في منقاره!
الحاصل: لا تترک التسول کي لا تفتقر أبدا، فإنّ الکثیر من الغنائم، لا تنال إلا بالتذلل والمسکنة والتسول..
لا تنسی أنّ کل من طرق بابا وألحّ في الطرق، فتح له في الخاتمة.
" من دق بابا ولجّ ، وَلجَ ".
أمّا لو کففت عن الطرق والطلب وترکت الإستمرار في الإشتغال
ـ لا سمح الله ـ فإنّ الشیطان سیتسلط علیک بعد الرجوع والنکوص، فلا ینفعک حینذاک دواء ولن یبریء جراحک بلسم !!
وفي الآخرة:{ من وراءه جهنم ويسقى من ماء صديد، يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذات غليظ } أجارنا الله .
إعلم ـ یرحمک الله ـ أنّ هذه المسائل وسواها من مسائل الآخرة ، لیست بالتعلم، بل هي شراب.. فالتضرع والإبتهال ینبعثان من ألم القلب وحرقته.. فجد ألما فإنه یوفر لک التضرع والإبتهال.
" أقل بحثک عن الماء واظمأ، ینبع لک الماء من المرتفعات والودیان ".
قال الإمام علي(ع):« فهم والنار کمن راها ، فهم فیها معذبون ».
إجعل بناء أمرک وتوطین نفسک، علی عدم التسامح والتساهل في جزئي ولا کلي.. فاعمل الخیر حتی وإن کان جزئیا حقیرا، واجتنب الشر حتی وإن کان جزئیا حقیرا .
قال عز من قائل:{ فمن یعمل مثقال ذرة خیرا یره ، ومن یعمل مثقال ذرة شرا یره }. لأنّ هذه الجزئیات عند المواضبة علیها وترک التسامح والتساهل فیها، تفید الترقي والوصول إلی المقامات الرفیعة العالیة، وقد جعلها الله سبحانه وتعالى مفاتیح لتلك الخزائن..
ومن یقبض مفاتیح تلك الخزائن بیده ، إستغنی وفاز فوزا عظیما !
« لا تستحقروا طاعة، فربما کان رضاء الله تعالی فیها، ولا تستحقروا معصیة، فربما کان سخط الله فیها ».
علیک أن تستوحش من جمیع الخلق حتی من أوثق إخوانک، وذلک أنسا بالله تعالی..لأنّ المؤمن إذا أنس بألطاف الله وذاق طعم حلاوة ذکر الله ، یلزمه الوحشة من مفارقة هذه الحالة، فلا یرضی من مفارقتها.
« المؤمن حزنه في قلبه ، وبشره في وجهه ».
إعلم أنّ الجالس مع قوم ـ لا سیما قوم سوء ـ إنما یبذل لهم ما هو أهم من المال، وهو ساعات لا تثمن من عمره. فکما یبخل الإنسان بماله، فالأجدر به أن یبخل ببذل ساعات من عمره للآخرین من دون عوض.. وتعظم المصیبة إن کان ذلک في سخط الله سبحانه !
یجب أن تجبر تخلفک عن رکب السائرین إلی الحق، بالخلوات من حین إلی حین، وهجران الأغیار حتی النفس.. وأفضل مواضع الخلوة هذه هو السجود، الذي یمثل الذروة في ترک الأغیار والذي منه انشقت مسیرة السعادة والشقاء.
یجب علیک التکرار والتکرار المستمر للأوراد والأذکار.. وذلک لأنّ تأثیرها في الروح بطيء وقلیل جدا، حیث أنها مخالفة لشهوات ولذات النفس.
قال الله تعالی:{ أومن کان میتا فأحییناه وجعلنا له نورا یمشي به في الناس کمن مثله في الظلمات لیس بخارج منها } الأنعام ١٢٢
والحمد لله رب العالمین، وصلی الله علی محمد وآل بیته الطاهرین الطیبین.

ليست هناك تعليقات: