اللهم صل على محمد وال محمد --- aboutaqua@yahoo.it --- اللهم صل على محمد وال محمد

الغیبــة والنميمة

قال الله تعالى:{ ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إنّ الله تواب رحيم } الحجرات ١٢
قال رسول الله(ص):« یا معشر من أسلم بلسانه ولم یخلص الإیمان إلی قلبه ، لا تذموا المسلمین ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنّ من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته ، یفضحه ولو في بیته ».
وقال أيظا(صلى الله عليه وآله):« كذب من زعم أنه ولد من حلال وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة ، إجتنبوا الغيبـة فإنها إدام كلاب النـار».
قال الإمام الباقر(ع):« من أغتيب عنده أخوه المؤمن ، فنصره وأعانه ، نصره الله في الدنيا والآخرة ، ومن لم ينصره ولم يدفع عنه ، وهو يقدر على نصرته وعونه ، إلا خفضه الله في الدنيا والآخرة ».
قال الإمام الصادق(ع):« من روى على مؤمن رواية ، يريد بها شينه وهدم مروته ليسقط من أعين الناس ، أخرجه الله تعالى من ولايته إلى ولاية الشيطان، ولا يقبله الشيطان ».
الغیبة هو: أن تتکلم في شخص غائب بما یغمّه لو سمعه ، سواء كان ذلك بنقص في بدنه أو في أخلاقه أو في أقواله أو في أفعاله.. فإن کان صدقا سمّي غیبة ، وإن کان کذبا سمّي بهتانا .
والغيبة لا تنحصر باللسان فقط ، بل كل ما يفهم منه نقصان الغير: سواء كان بالقول أو الفعل ، أو التصريح أو التعريض ، أو بالغمز والرمز، أو بالحركة والمحاكاة كمشية الأعرج..الخ
قال الله سبحانه:{ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد إحتملوا بهتانا وإثما مبينا } الأحزاب ٥٨
قال النبي(ص):« يا أبا ذر، إياك والغيبة فإنّ الغيبة أشد من الزنا، قلت: يا رسول الله، ولم ذلك بأبي أنت وأمي؟ قال: لأنّ الرجل يزني ويتوب إلى الله ، فيتوب الله عز وجل عليه ، والغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها . يا أبا ذر، سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، أكل لحمه من معاصي الله ، وحرمة ماله كحرمة دمه . قلت: يا رسول الله، وما الغيبة ؟ قال: ذكرك أخاك بما يتأذى به ، قلت: يا رسول الله، فمن كان فيه ذاك الذي يذكر به ؟ قال: إعلم أنك إذا ذكرته بما هو فيه ، فقد إغتبته ، وإن ذكرته بما ليس فيه ، فقد بهته . يا أبا ذر، من ذب عن أخيه المؤمن الغيبة ، كان حقا على الله - جل ثناؤه - أن يعتقه من النار ».
قال الصادق(ع):« من بهت مؤمنا أو مؤمنة بما ليس فيه ، بعثه الله عز وجل في طينة خبال حتى يخرج مما قال ، قيل: وما طينة خبال؟ قال: صديد يخرج من فروج المومسات ».
روي أنّهم ذكروا رجلا عند النبي(ص) ، فقالوا : ما أعجزه ! فقال(ص):« إغتبتم أخاكم. قالوا: يا رسول الله ، قلنا ما فيه، قال: إن قلتم ما ليس فيه ، فقد بهتموه ».
قال الإمام الكاظم(ع):« من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس ، لم يغتبه ، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس، إغتابه، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته ».
روي أنّ رجلا قيل له: إنّ فلانا قد إغتابك ، فبعث إليه طبقا من رطب، وقال: بلغني أنك قد أهديت إلي من حسناتك ، فأردت أن أكافيك عليها، فاعذرني، فإني لا أقدر أن أكافيك على التمام » !
إنّ الغيبة لمن أعظم المهلكات وأقبح المعاصي، وإنها تحبط حسنات المرئ وتزيد في سيئاته ، لما ورد من أنّ الغيبة تنقل حسنات المغتاب يوم القيامة إلى من إغتابه ، وإن لم تكن له حسنة، نقل إليه من سيئاته. وقد شبه الإسلام صاحب الغيبة ، بآكل لحم الميتة ،
وقال بعضهم بأنّ الغيبة تفسد الصوم !
قال الله تعالی:{ ولولا إذ سمعتموه قلتم ما یکون لنا أن نتکلم بهذا سبحانک هذا بهتان عظیم ، یعظکم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن کنتم مؤمنین } النور١٧
قال سيد الرسل(ص):« من مشى في غيبة أخيه وكشف عورته ، كانت أول خطوة خطاها وضعها في جهنم ، وكشف الله عورته على رؤوس الخلائق . ومن إغتاب مسلما ، بطل صومه ونقض وضوءه، فإن مات وهو كذلك، مات وهو مستحل لما حرم الله ».
وقال أيظا(ص):« ما عمر مجلس بالغيبة إلا خرب من الدين ، فنزهوا أسماعكم من إستماع الغيبة ، فإنّ القائل والمستمع لها شريكان في الإثم ».
قال الإمام السجاد(ع):« وأما حق السمع تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع ما لا يحل سماعه ، وتنزيهه أن تجعله طريقا إلى قلبك، إلا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا، أو تكسب به خلقا كريما ، فإنه باب الكلام إلى القلب، يؤدي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شر، ولا قوة إلا بالله ».
روي عن عائشة أنها قالت:« دخلت علینا إمرأة ، فلما ولـت ، اومأتُ بیدي أنها قصیرة ، فقال(ص): إغتبتیها » !
وروي أيظا أنه لما رجم(ص) رجلا في الزنا، قال رجل لآخر:« هذا أقعص کما أقعص الکلب . فمرّ النبي(ص) معهما بجیفة، فقال: إنهشا منها، فقالا: یا رسول الله ننهش جیفة ؟ فقال: ما أصبتما من أخیکما أنتن من هذه ».
تمعن كيف جمع بينهما، مع أنّ أحدهما كان قائلا والآخر مستمعا !
يا أبو تقوى: إذا كان تنظيف الأذنين من القذر واجبا ، فأوجب منه صيانتهما عن سماع القبيح ، فقد قيل في الأمثال:" نزه نفسك عن استماع القبيح ، كما تنزه نفسك عن الكلام به "، وذلك لأن القبائح تصل إلى العقل فتؤثر فيه تأثيرا سيئا !
فإذا سمعت أحدا يغتاب أحدا أمامك ، فلا تشترك معه: فإن كان أكبر منك سنا وقدرا ، فاخفض عينيك والزم الصمت ، وإن كان من أمثالك، فأبد له النصيحة بالإبتعاد عن مذمة الناس ، وإن كان أصغر منك سنا فازجره مع تفهيمه مضار الغيبة المنهي عنها شرعا، فإنّ المستمع للغيبة ، شريك للقائل وأحد المغتابين !
قال الله عز وجل:{ ولا تطع كل حلاف مهين، هماز مشاء بنميم، مناع للخير معتد أثيم، عتل بعد ذلك زنيم } القلم ١٠ ـ ١٣
قال النبي(ص):« يا أبا ذر، لا يدخل الجنه فتان، قلت: يا رسول الله، وما الفتان؟ قال: النمام . يا أبا ذر، صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله عز وجل في الآخرة ».
وخطب(ص) يوما حتى أسمع العواتق في بيوتها ، فقال:« يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه ! لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنّ من تتبع عورة أخيه ، يتتبع الله عورته حتى يفضحه في جوف بيته ».
روي أنه أصاب بني إسرائيل قحط ، فاستسقى موسى مرات فما أجيب، فأوحى الله تعالى إليه:« إني لا أستجيب لك ولمن معك وفيكم نمام قد أصر على النميمة ! فقال موسى: يا رب، من هو حتى نخرجه من بيننا ؟ فقال: يا موسى، أنهاكم عن النميمة وأكون نماما؟! فتابوا بأجمعهم ، فسقوا ».
مرّ عیسی(ع) مع الحواریین علی جیفة کلب، فقال الحواریون:« ما أنتن ریح هذا الکلب ، فقال(ع): ما أشدّ بیاض أسنانه ».
تمعّن: هم شاهدوا عیبه ، وهو لوّح بکماله !
روي أنّ أحد الشيخين قال للآخر: إنّ فلانا لنؤم ! ثم طلبا أدما من رسول الله ليأكلا به الخبز، فقال(ص):« قد إئتدمتما . فقالا : ما نعلمه . فقال: بلى ! إنكما أكلتما من لحم صاحبكما ».
النميمة تطلق في الأكثر على من ينقل قول الغير إلى المقول فيه ، كأن يقول: فلان تكلم فيك بكذا وكذا ، أو فعل فيك كذا وكذا.. وعلى هذا تكون نوعا خاصا من إفشاء السر وهتك الستر.
فعلى العاقل أن يسكت عما يطلع عليه من أحوال غيره ولا ينقل حديثا سمعه ، لئلا يكون مفتاح الفتنة التي نهى الله عنها بقوله: (والفتنة أشد من القتل) ، لأنها أرذل الأفعال القبيحة وأشنعها، وسببا للشرور والخصومات !
اللهم إلا إذا كان في حكايته ، نفعا لمسلم أو دفعا لمعصية ، كما إذا رأى مثلا: شخصا يسرق مال غيره ، فعليه أن يشهد به ، مراعاة لحق المشهود له .
قال الله تعالی:{ ومن یکسب خطیئة أو إثما ثم یرم به بریئا فقد إحتمل بهتانا وإثما مبینا } النساء ١١٢
قال رسول الله(ص):« ألا أنبئكم بشراركم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: المشاؤن بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون للبراء المعايب ».
وقال أيظا(صلى الله عليه وآله):« أيما رجل أشاع على رجل كلمة وهو منها بريء ليشينه بها في الدنيا ، كان حقا على الله أن يدينه بها يوم القيامة في النار ».
روي أنّ رجلا أتى أمير المؤمنين(ع) يسعى إليه برجل، فقال(عليه السلام):« يا هذا ، نحن نسأل عمن قلت، فإن كنت صادقا مقتناك ، وإن كنت كاذبا عاقبناك ، وإن شئت أن نقيلك أقلناك . قال: أقلني يا أمير المؤمنين ».
قصة وعبرة : باع رجل عبدا، فقال للمشتري: ما فيه عيب إلا النميمة ، قال رضيت، فاشتراه . فمكث الغلام أياما، ثم قال لزوجة مولاه: إنّ زوجك لا يحبك وهو يريد أن يتسرى عليك، وأنا أسحره لك في شعره فقالت: كيف أقدر على أخذ شعره ؟ فقال: إذا نام فخذي الموسى وأحلقي من قفاه عند نومه شعرات . ثم قال للزوج: إنّ إمرأتك إتخذت خليلا وتريد أن تقتلك، فتناوم لها حتى تعرف. فتناوم، فجاءته المرأة بالموسى، فظن أنها تقتله ، فقام وقتلها، فجاء أهلها وقتلوا الزوج، فوقع القتال بين القبيلتين، وطال الأمر بينهم !!
ونقل أنّ رجلا زار بعض الحكماء ، وأخبره بخبر عن غيره، فقال: « قد أبطأت عني الزيارة ، وبغضت إلي أخي ، وشغلت قلبي الفارغ، واتهمت نفسك الأمينة » !
كفارة الغيبة: بعد التوبة والندم ، للخروج عن حق الله ، يجب الخروج من حق من إغتابه . وطريق الخروج من حقه: إن كان حيا يمكن الوصول إليه ولم تبلغ إليه الغيبة ، وكان في بلوغها إليه مظنة العداوة والفتنة ، فليكثر له من الدعاء والإستغفار، من دون أن يخبره بها .
وإن بلغت إليه أو لم تبلغه ، ولم يكن في بلوغها ظن الفتنة والعداوة ، فليستحله معتذرا متأسفا مبالغا في الثناء عليه والتودد إليه، وليواظب على ذلك حتى يطيب قلبه ويحله، وذلك لقول النبي(ص):« من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال ، فليتحللها منه من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار ولا درهم، إنما يؤخذ من حسناته ، فإن لم تكن له حسنات، أخذ من سيئات صاحبه فزيدت على سيئاته ».
وأما إن كان ميتا أو غائبا لا يمكن الوصول إليه ، فعليه أن يكثر له من الإستغفار والدعاء ، ليحسب ذلك يوم القيامة من حسناته ويقابل بها سيئة الغيبة .
قال رجل للإمام السجاد(ع): إنّ فلانا ينسبك إلى أنك ضال مبتدع، فقال له الإمام(ع):« ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه ، ولا أديت حقي حيث أبلغتني من أخي ما لست أعلمه..! واعلم أنّ من أكثر عيوب الناس ، شهد عليه الإكثار أنه إنما يطلبها بقدر ما فيه » !
قال الشاعر:
إذا شئت أن تحيا سليما مـــن الأذى..........وذنبك مغفور وعرضك صيـن
لسانك لا تذكر به عورة إمـــــــرئ..........فكلك عورات وللناس ألســـــن
وعينك إن أبدت إليك مساويـــــــــا...........فدعها وقل يا عين للناس أعين
وعاشربمعروف وسامح من إعتدى..........وفارق ولكن بالتي هي أحســن
قال الصادق(ع):« من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه ، فهو من الذين قال الله عز وجل: إنّ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم ».
تمعن یا أبو تقوی: إنّ کشف ستر المؤمن حرام ، فهي معصیة ماحقة للإیمان والعیاذ بالله ، والله سبحانه وتعالى لا یغفر لمغتاب أبدا، حتی یرضی صاحب الغیبة..!
إنّ مجرد الإستماع للغیبة، حرام.. فما بالک بالغیبة نفسها ؟!
فلا تکن کالکلاب الجارحة، تنهش أعراض الناس ولحومهم !
هناک موارد تجوز فیها الغیبة ، کغیبة المتجاهر بالفسق الغير ساتر لها.. ولکن یستحسن ترک ذلک.
يلزم على من تحمل إليه النميمة ألا يصدق النمام ، لأنه فاسق، والفاسق مردود الشهادة، بقوله تعالى:{ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين }.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

ليست هناك تعليقات: