اللهم صل على محمد وال محمد --- aboutaqua@yahoo.it --- اللهم صل على محمد وال محمد

الأصل الأول للدين: التوحيد

النظر والمعرفة والتقليد:
مقدمة لا بد منها: قال الله تعالى:{ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}.
لقد منحنا الباري سبحانه وتعالى قوة التفكير ووهب لنا العقل، وأمرنا أن نتفكر في خلقه وننظر بالتأمل في آثار صنعه ، ونتدبر في حكمته واتقان تدبيره في آياته في الآفاق وفي أنفسنا. وقد ذم المقلدين للآباء والأجداد.
قال تعالى:{ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}.
نحن الشيعة الإمامية نتميز عن غيرنا من أهل الأديان والملل والنحل الأخرى بوجوب النظر والبحث والإجتهاد للوصول إلى معرفة العقيدة الإسلامية الصحيحة , ولا نجيز التقليد في ذلك إطلاقا . فالمكلف عندنا بمجرد أن يصل إلى سن البلوغ , نقول له عليك أن تبحث وتتأمل وتنظر وتحقق في أصول عقيدتك المسماة بأصول الدين: التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد, وذلك لكي تصل إلى معرفة الدين الحق عن قناعة !
وعندما يفتح أي رسالة عملية لمرجع من المراجع , فإنه يجد في أول صفحة منها وفي أول مسألة من المسائل: لا يجوز التقليد في أصول الدين بل يجب التوصل إليها عن طريق الدليل والبرهان! ومن قلد آباءه أو نحوهم في اعتقاد هذه الأصول الخمسة فقد ارتكب شططا وزاغ عن الصراط المستقيم ولا يكون معذورا أبدا.
وأما فروع الدين وهي أحكام الشريعة المتعلقة بالأعمال: الصلاة , والصوم , والحج , والزكاة, والخمس, والجهاد, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, والتولية , والبراءة . فلا يجب فيها النظر والإجتهاد، بل يجب فيها أحد أمور ثلاثة: إما أن يجتهد وينظر في أدلة الأحكام إذا كان أهلا لذلك، وإما أن يحتاط في أعماله إذا كان يسعه الإحتياط ، وإما أن يقلد المجتهد الجامع للشرائط بأن يكون من يقلده عاقلا عادلا صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه .
فمن لم يكن مجتهدا ولا محتاطا , ثم لم يقلد المجتهد الجامع للشرائط فجميع عباداته باطلة لا تقبل منه، وإن صلى وصام وتعبد طول عمره .
والأدلة الشرعية في فروع الدين هي: الكتاب الكريم والسنة والإجماع والعقل .
قال الله تعالى:" وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ".
وخلاصة البحث:
أولا : وجوب النظر والمعرفة في أصول العقائد ولا يجوز تقليد الغير فيها .
ثانيا : نستقي الأدلة في دراسة العقائد من العقل أولا, ثم يكون الكتاب والسنة كمؤيدين له.
قال الإمام الباقر(ع):" لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له:" أقبل", فأقبل, ثم قال له:" أدبر", فأدبر, ثم قال:" وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك ولا أكملتك إلا فيمن احب ، أما إني إياك آمر، وإياك أنهى وإياك اعاقب ، وإياك اثيب ".
أوصى أمير المؤمنين(ع) إلى الإمام الحسن(ع) فقال:" يا بني، لا فقر أشد من الجهل ، ولا عدم أعدم من العقل ، ولا وحدة أوحش من العجب ، ولا حسب كحسن الخلق ، ولا ورع كالكف عن محارم الله ، ولا عبادة كالتفكر في صنعة الله عزوجل . يا بني، العقل خليل المرء ، والحلم وزيره ، والرفق والده ، والصبر من خير جنوده . يا بني ، إنه لابد للعاقل من أن ينظر في شأنه ، فليحفظ لسانه ، وليعرف أهل زما نه..".
العلم: هو ما يدرك به الكليات ويكون مجملا ويحصل عن طريق البرهان, وهو الصورة الموجودة في الذهن ويكون كسبي.
المعرفة: هي معرفة الشيء محددا ومفصلا عن سواه , وما يدرك بها الجزئيات عن طريق مشاهدة القلوب . وهي العلم الباعث على العمل.
إنطلاقا من الوجدان, نصل إلى معرفة أن العلم أيا كان نوعه, فإنه يعود بالنفع على الإنسان.
هناك علوم بشرية ناقصة ومتغيرة بتغير الزمان وتكون فقط لرفاهة الإنسان , وهناك علوم إلاهية تقنن حياة هذا الإنسان حتى بعد موته.
لهذه العلوم الإلاهية أصول وفروع , ومعرفة الأصول(العقيدة) هي أفضل من معرفة الفروع .
وفي هذه الدراسة الموجزة لأصول الدين الخمسة, سنبحث إنشاء الله في ما يقوله أهل المعقول:( الكلاميين والفلاسفة والحكماء والعرفاء والصوفيين).
أساليب معرفة العقيدة الإسلامية:
الأول: علم الكلام:
مبدأه ومنتهاه من العقيدة , وهو على خلاف الفلسفة , يعترف بالحدود(يصل إلى حد ويقف), وغايته إثبات العقيدة بالبراهين والأدلة المنطقية والشرعية.
الدليل العقلي القطعي + النص الكتابي(الذي ليس له وجه آخر) + الحديث المتواتر(اللفظي والمعنوي).
الثاني: علم الفلسفة:
ليست له جذور إسلامية, بل هو مسلك اخترعه فلاسفة اليونان ليصنعوا لأنفسهم نظاما دينيا. مبدأها لفظ واحد(ما؟ لماذا؟) , وأساسه تعليل العلل ومحاولة الكشف عن الظواهر وغير الظواهر مثل المتخيلات في الذهن, وهي منهج تشكيكي في كل شيء ! ولا تعترف بالحدود, واليونانيين قد أخذوا أصلها من نبي الله إدريس(ع).
الدليل العقلي + تأملات الفيلسوف(الذي يملك ملكة الفلسفة لا المتفلسف الدارس لها).
الثالث: علم العرفان: العرفان النظري والعملي.
الكتاب والسنة+الكشف(المشاهدة والمعاينة واللوامع والواردات القلبية)+ كلام الشيخ.
الرابع: علم التصوف: موضوعه العشق.
الكتاب والسنة(على المذاق الصوفي إعتمادا على الإشارة لا العبارة)+الكشف+كلام الشيخ.
الخامس: أسلوب الأخذ بما جاء في هذه العلوم( 4 ) إذا وافق كلام المعصومين(ع):
وهذا الأسلوب هو الذي سنعتمده في دراسة عقيدتنا إنشاء الله تعالى.
قال الإمام الصادق(ع):" إن الله لا يقبل عملا إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل, فمن عرف دلته المعرفة على العمل ومن لم يعمل لم يعرف, ألا إنما الإيمان بعضه من بعض".
الأصل الأول للدين: التوحيد
المبحث الأول: مبحث إثبات وجود الله تعالى:
إن اشرف البحوث هو البحث في التوحيد الإلهي ، لأنه يبحث عن اشرف موجود في الوجود بل خالق الوجود سبحانه وتعالى ، وكل ما يقام من الأدلة على وجوده هو فقط للتفكر والتدبر والإطمئنان ، وإلا فإن كل شيء يدل على وجوده تعالى وتوحيده وأن له سبحانه كل كمال وكل جمال وجلال ، وترى المُنكر لو يرجع لقرار ذاته وفطرته , تراه إما أن يكون هارب من المسؤولية الدينية ومغتر بزينة الحياة الدنيا, أو من الذين جحدوا بها واستيقنتها أنفسم .
ما هي الأدلة العقلية التي نصل من خلالها إلى إثبات وجود الباري؟
نبين ثلاثة مسالك وكلها تخاطب العقل:
أولا: مسلك الكلاميين:
دليل الحادث والمحدث: قالوا بأن العالم متغير, وكل متغير حادث(لم يكن ثم كان يعني مسبوق بالعدم له بداية), وكل حادث لا بد له من محدث, وهذا المحدث لا بد وأن يكون قديما( يعني ثابتا ليس له بداية), فذلك القديم هو الله ! وذلك لإستحالة التسلسل(إلى ما ألا نهاية) والدور(الدورمثل: من أوجد أ ؟ أوجده ب , ومن أوجد ب ؟ أوجده أ ) كل واحد متوقف على الآخر.
ثانيا: مسلك الحكماء:(الإلاهيين)
دليل الحركة والسكون: قالوا بأن العالم متحرك , وكل متحرك لا بد له من محرك , وهذا المحرك لا بد أن يكون ثابتا ساكنا لا حركة فيه , وهو العلة(المسبب) لهذه الحركة. ذلك هو الباري واجب الوجود عز إسمه ! وذلك لإستحالة التسلسل والدور.
دليل المركب والبسيط: قالوا بأن العالم مركب , وكل مركب ناقص( كالإنسان والشجر), ولا بد له من مركب ركبه , وهذا المركب لا بد وأن يكون بسيطا(غير مركب) وقديما , وذلك هو الباري جل جلاله ! لإستحالة التسلسل والدور.
ثالثا: مسلك الفلاسفة:( الإلاهيين)
معنى العلة: يعني السبب والوسيلة التي يتسبب به للوصول إلى غيره .
فحين نقول إلاه , يعني هو العلة الكاملة القادرة والفاعلة الحقيقية , وهو علة العلل المطلق ومسبب الأسباب بدون سبب! فالعلة الكاملة لا بد أن تكون مختارة وموجدة , مختارة في إرادتها, وقادرة على إيجاد أي شيء تريد! ولا تكون خاضعة لأي شيء ولها القيومية على كل شيء.
أما هذه العلل التي نراها في الحياة فهي علل ناقصة محتاجة لغيرها وخاضعة لقوانين وليست موجدة ولا مختارة بذاتها. مثلا النار: هي علة وسبب لغليان الماء , ولكن ليس لها الإرادة ولا القدرة على فعل غير ذلك !
دليل العلة والمعلول: (أو دليل الإمكان).لإثبات وجود الباري , يقولون بأن الموجودات ثلاثة:
واجب الوجود: (واجب الوجود لذاته), وجوده نابع من ذاته وبذاته( بنفسه) لا من شيء آخر. قديم في وجوده غير حادث(لا بداية له) , خالق غير مخلوق , مستقلا في نفسه وغير محتاج إلى غيره. ذلك هوالله سبحانه وتعالى! وذلك لإستحالة التسلسل والدور.
ممكن الوجود: (واجب الوجود لغيره لا لنفسه). أي ممكن وجوده بغيره لا بنفسه , بحيث لا يمكنه أن يوجد نفسه بنفسه بل بحاجة إلى من يوجده . وهو حادث(له بداية), ووجوده وعدمه سواء , بحيث يحتاج في ترجيح الوجود على العدم إلى مؤثر خارجي, لعلة(لمسبب), وهذه العلة هي التي أخرجته من العدم إلى الوجود. تلك العلة وذلك المؤثر الخارجي هو الباري تبارك وتعالى !
ممتنع الوجود: ( ممتنع الوجود لذاته). هو الذي لا يقبل إتصافه بالوجود ولا يمكن وجوده في الخارج أبدا , وإنما هو موجود في عالم الذهن والتصور فقط , كشريك للباري, واجتماع النقيضين أو إرتفاعهما معا, وتصور وجود المعلول بدون علة , وصدور القبيح من الحكيم..الخ. فهو موجود في الذهن فقط لا في الوجود الخارجي!
للموجودات وجودان:
وجود ذهني: وهي الصورة التي في ذهننا عن هذا الوجود الخارجي.
ووجود خارجي: خارج الذهن( اللفظ > الذهن > الخارج ) .
والوجود الخارجي , إما أن يكون واجب الوجود, أو ممكن الوجود.
رابعا: بعض النصوص في هذا المضمار:
قال الله تعالى:{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} فصلت ٥٣
وقال جل من قائل:{ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ } الطور٣٥
قال الإمام الرضا(ع) عندما سألوه عن دليل وجود الله وحدوث العالم:" أنت لم تكن ثم كنت, وقد علمت أنك لم تكون نفسك , ولا كونك من هو مثلك ".
في محاجة بين زنديق وعالم إمامي: تأخر الإمامي عن موعد الحضور ولما وصل قال: رأيت شيئا عجيبا شجرة إنقلعت لوحدها ثم تحولت إلى أخشاب, ثم الأخشاب إلى زورق, والزورق يحمل الناس من ضفة النهر إلى الضفة الأخرى لوحده.. فقال الزنديق أنا لا أناضر مجنونا, قال الإمامي: إن قلت عن هذا الشيء البسيط الذي ذكرته جنون, فأنت أعظم جنونا لأنك تقول بأن هذه السماوات والأرض وكل ما فيها خلقت لوحدها دون خالق !
المبحث الثاني: مبحث معرفة الله:
كل هذه الأدلة التي ذكرناها إلى أي شيء توصلنا ؟ هل توصلنا إلى كنه ذات الله ؟
لا ! إن غاية ما ندركه هي فقط مسألة محيطية الباري بكل شيء .
قال تعالى:{ أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد}؟!
فالممكن محدود(ومعرف) والباري مطلق لا حدود له(وغير معرف) , فلا يمكن للمحدود الإحاطة بالمطلق !
والقدح لا يسع البحر كما نعلم !!
سبحانه هو غيب الغيوب, وحضرة العمى, وحضرة عنقاء المغرب, والحضرة الأحدية والواحدية!
لا برهان على الله ! حده عدم الحد, وتعريفه عدم التعريف!
قال النبي(ص):" لا تتفكروا في الله , وتفكروا في خلق الله...".
قال الإمام الحسين(ع) في دعاء عرفة:" الهي كيف أعزم(على أي فعل) وأنت القاهر، وكيف لا أعزم وأنت الآمر. إلهي ترددي في الآثار(الموجودات) يوجب بعد المزار(القرب الإلاهي)، فاجمعني عليك بخدمة توصلني إليك. كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك . متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ، ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل اليك . عميت عين لا تراك عليها رقيبا ، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا . إلهي أمرت بالرجوع إلى الآثار، فارجعني إليك بكسوة الأنوار وهداية الإستبصار حتى أرجع إليك منها كما دخلت إليك منها مصون السر عن النظر إليها ، ومرفوع الهمة عن الإعتماد عليها ، إنك على كل شئ قدير".
فعلى الإنسان أن يؤمن بالله تعالى ويوحده عن طريق البرهان والدليل , ولو كان دليله بسيط وفطري . ويرى نفسه في هذا الكون العظيم أنه أعقل مخلوقات عالم الشهادة وأفضل موجودات الأرض، بل وأنه خلاصة عالم الإمكان وعصارته ، وقد سخر ووضع تحت خدمته كل ما في عالم الوجود.
وإن كان منصفا عاقلا فعليه أن يعبد خالقه ويشكر المنعم عليه الذي خلقه في أحسن تقويم وسخر له كل شيء .
نبذة من آيات الله:
هذا الشرطي الصغير الموجود في الحنجرة والذي يسد مجرى الرئتين ليسمح بمرور لقمة الطعام الى المعدة ويشتغل ٧٠ سنة لو يخطيء لحظة ماذا كان يحصل؟!
الضفدع ما عنده رقبة جعل الله عينيه بارزتان خارجا, ولسانه نصف طوله لأكل الذباب والحشرات !
الذرة تتشكل من الالكترون والبروتون, والإلكترون ينقسم والبروتون ينقسم.. فالذرة تنقسم إلى ما لا نهاية!
المطر: مياه البحر تتبخر من حرارة الشمس, يصعد إلى الهواء , يتكثف في الغلاف الجوي للأرض, يتكون السحاب بسبب تكثفه, فينزل المطر!! وهي الدورة الطبيعية
الأكسيجين الموجود في كوكب الأرض هو بنسبة %٢١ من مجموع الهواء . يقول علماء الفيزياء: لو زادت هذه النسبة ولو بمقدار ضئيلا جدا فهذا سيسبب الكثير من الحرائق , وإذا قلت فإنها تنعدم الحياة !
طبقة الأوزون هذا الغلاف الجوي, تحجب كل إشعاعات الشمس الضارة الحارقة التي يمكن أن تصهر الإنسان ولا تترك يمر إلينا إلا الإشعاعات المفيدة , وهذا لا يوجد في الكواكب الأخرى .
الإنسان يستهلك الأكسيجين ويطرد ثاني أوكسيد الكربون , والنبات يأخذ ثاني أوكسيد الكربون يحلله فيخرج منه الأكسيجين ويأخذ هو الكربون يخزنه ويصير منه الثمار ! نحن نعتمد على النبات وهو علينا !
المبحث الثالث: مبحث وحدانية الله تعالى:
أولا : الأدلة العقلية على وحدانيته تعالى:
الدليل الأول: دليل الكلاميين:
قالوا إذا قلنا بأن للكون أكثر من إلاه.. نفترض مثلا وجود إلاهين في الكون, أحد هذين الإلاهين أراد أن يوجد جسما متحركا( يعني ينتقل من مكان إلى مكان آخر), الإلاه الثاني هل يمكن له أن تكون له الإرادة في أن يكون ذلك الجسم ساكنا, في نفس الوقت الذي يريد فيه الإلاه الأول أن يكون ذلك الجسم متحركا أم لا ؟
فإن قلنا يمكن له: فالنتيجة هي أن يكون الجسم(مع إرادة الإلاهين) ساكنا ومتحركا في نفس الوقت وهذا غير ممكن لتنافي إجتماع الضدين.
وإن قلنا لا يمكن له: فالنتيجة هي أن إرادة الإلاه الأول قهرت إرادة الإلاه الثاني, وبالتالي فالإلاه الثاني ليس بإلاه !
قال تعالى:{ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } الأنبياء ٢٢
الدليل الثاني: دليل الفلاسفة:
قالوا إذا قلنا بأن لهذا الوجود واجبي وجود أو أكثر, وكل إلاه واجب وجود لذاته , فلا بد وأن يكون كل واحد منهما متميزا ومحدودا عن الآخر( يعني هذا واحد وهذا واحد آخر هذا موجود وهذا موجود آخر هذا شيء وهذا شيء آخر) ومؤلف من شيئين: من واجبية الوجود ومن هذا الشيء الذي يميزه عن الثاني. فإذا قلنا بذلك , فسيكون كل إلاه مركب وإذا كان مركبا كان ممكنا , والمركب يفتقر إلى أجزائه والإفتقار يعني النقص والإحتياج , والإلاه لا يفتقر إلى شيء ! وبذلك يبطل التعدد !
الدليل الثالث: دليل الفطرة:
الإنسان كل إنسان, بغض النظر عن دينه ومعتقده حتى الملحد, لايخلو في فترة من فترات حياته أن يكون قلبه باحثا عن حقيقة مقدسة لها قوة ولها سلطة نافذة على كل شيء, لها القدرة المطلقة على كل شيء, ولا يشعر في ذاته بوجود قدرتين بل يشعر بوجود قدرة واحدة ! وهذا هو الدليل الفطري المودع في باطن الإنسان الدال على وحدانية الله تعالى!
ثانيا: بعض النصوص في هذا المضمار:
قال سبحانه وتعالى:{ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } المؤمنون٩٢
قال أمير المؤمنين(ع) في وصيته للإمام الحسن(ع):".. واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لاتتك رسله ، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ، ولعرفت أفعاله وصفاته ، ولكنه إله واحد كما وصف نفسه . لا يضاده في ملكه أحد ، ولا يزول أبدا . ولم يزل أول قبل الأشياء بلا أولية ، وآخر بعد الأشياء بلا نهاية ".
جاء أعرابي يوم الجمل إلى أمير المؤمنين(ع) فقال: يا أمير المؤمنين أتقول إن الله واحد ؟ فحمل الناس عليه وقالوا: يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسيم القلب ؟ فقال أمير المؤمنين(ع):" دعوه فإن الذى يريد الأعرابي هو الذى نريده من القوم، ثم قال: يا أعرابي إن القول في أن الله واحد على أربعة أقسام: فوجهان منها لا يجوزان على الله عزوجل ووجهان يثبتان فيه. فأما اللذان لا يجوزان عليه: فقول القائل " واحد " يقصد به باب الأعداد فهذا ما لا يجوز، لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، أما ترى أنه كفر من قال ثالث ثلاثة . وقول القائل " هو واحد من الناس " يريد به النوع من الجنس فهذا ما لا يجوز عليه لأنه تشبيه ، وجل ربنا عن ذلك وتعالى . وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل" هو واحد ليس له في الأشياء شبه " ، كذلك ربنا . وقول القائل " أنه عزوجل أحدي المعنى"، يعني به أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم, كذلك ربنا عزوجل".
قال أمير المؤمنين(ع):" دليله آياته , ووجوده إثباته , ومعرفته توحيده , وتوحيده تمييزه من خلقه, وحكم التمييز بينونة(بين وبين) صفة لا بينونة عزلة, إنه رب خالق غير مربوب مخلوق, كل ما تصور فهو خلافه ".
قال رجل للإمام الصادق(ع): يا ابن رسول الله دلني على الله ما هو فقد أكثر علي المجادلون وحيروني؟ فقال له: يا عبد الله هل ركبت سفينة قط ؟ قال: نعم قال: فهل كسر بك حيث لاسفينة تنجيك ولاسباحة تغنيك ؟ قال: نعم قال: فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك ؟ فقال: نعم ، قال الصادق(ع): فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لامنجي ، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث ".
المبحث الرابع: مراتـب التوحيـد:
وهي التي ما لم يعتقد بها العبد فلا يسمى مسلما موحدا , وهي:
أولا: التوحيد الذاتي:
هو توحيد مرتبط بالذات المقدسة للباري سبحانه وتعالى, أي أن الإنسان يجب أن يعتقد بأن الذات الإلاهية ذات ليست مركبة وإنما هي ذات بسيطة( لأن المركب ناقص يحتاج إلى أجزائه), وأنه سبحانه لا شريك له ولا مثل له ولا ند ولا ضد له, لا أول لأوليته ولا آخر لآخريته, القديم الذي كان ولا كان معه شيء.
ثانيا: التوحيد الصفاتي:
يجب على العبد أن يعتقد بأن صفات الباري سبحانه وتعالى هي عين ذاته , أي صفاته هي ذاته وليست زائدة أو منفصلة عنه !
تمام توحيده نفي الصفات عنه , فعلمه قدرته وقدرته علمه.. في عين أنه عالم هو في عينه أيظا قادر! حي عزيز سميع بصير..
فصفات الإنسان مثلا ليست عين ذاته, بل زائدة عنه كالعلم والغنى والجمال..!
ثالثا: التوحيد الأفعالي:
يجب الإعتقاد بأن كل الأفاعيل التي نراها في هذا الكون هي لله تعالى, يعني كل الأفعال في هذا الوجود مردها إلى الله, هو الفاعل الأصيل الواحد الأحد ولا فاعل غيره, وإذا كانت العلل تفعل في هذا الكون فهي تفعل بفعل الباري, لأنه هو الذي أعطاها القوة على الفاعلية !
مثل فعل اليد أو فعل السكر أوفعل الماء.. فهو علة لإرواء الإنسان والماء هو الذي سد ضمأ الإنسان بفاعلية الإرواء التي أودعها الله سبحانه وتعالى فيه.
رابعا: التوحيد العبادي, والتوحيد في الطاعة:
هو أن تكون كل عباداتنا لله سبحانه وتعالى, وأنه وحده هو الذي له علينا حق الطاعة لا أحد غيره.
خامسا: التوحيد في الحاكمية, والتوحيد في المالكية:
هو أن يعتقد العبد أن الحاكم في هذا الوجود هو الله وحده لا شريك معه , وأن لا مالك لهذا الكون إلا الله سبحانه وتعالى.
سادسا: التوحيد في الأمر والنهي:
الإعتقاد بأن الأمر الذي يجب على العبد الإلتزام به هو أمر الله , وأن النهي الذي يجب الإنتهاء عنه هو نهي الله لا غير.
سابعا: التوحيد في في التوكل والإستعانة:
على العبد أن لا يتوكل ولا يستعين إلا بالله, " وإياك نستعين", " من استعان بغير الله ذل".
ثامنا: التوحيد في المحبة والمودة:
الإعتقاد بأن المحبة والمودة الحقيقية هي للباري , وأما أن يحب الإنسان غير الله كحبه لأهله وأرحامه وأولياءه.. فلأنه في طريق حب الله . وكذلك البغض .
قال(ص):" أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ".
المبحث الخامس: مراتب الوجــــود:
يجب الإيمان بالغيب وبإن للوجود مراتب متعددة , وأنه بالإضافة لعالمنا هذا توجد عوالم أخرى, وكل عالم متأخر هو مظهر للعالم المتقدم .
فعالم الناسوت مظهر عالم الملكوت ، وهو مظهر عالم الجبروت ، وهو مظهر عالم اللاهوت، وهو مظهر عالم الهاهوت .
الأول: عالم الناسوت:
وهو ما يدرك بالحواس , ويسمى أيظا بعالم الدنيا والملك والشهادة والمادة والذي هو عالمنا هذا المقيد بوعاء الزمان, وليس كالعوالم الأرقى منه فوعائها الوعاء الدهري والسرمدي (العالم المستقر الذي لا يحدث فيه تغير) ، وفيه تعد السماوات والأرض وجميع المنظومات الشمسية والمجرات المكتشف منها والتي لم تكتشف بعد.
وهو أسفل العوالم في سلسة مراتب الوجود, ولذا سمي عالم الدنيا ومع سعته التي تعد بملايين السنين الضوئية أصغرها، كما سمي عالم الشهادة لأنه مشهود بالنسبة لنا .
الثاني: عالم الملكوت:
وهو ما لا يدرك بالحواس , ويسمى أيظا بعالم الغيب والأنفس والأرواح ، أعلى من عالمنا في مراتب الوجود , وهو عالم مجرد عن المادة أي ليس عالم مادي وإن كان له هيأة المادة وشكلها . وينقسم إلى قسمين:
الجانب العلوي: وهو الذي فيه البرزخ و الجنة والأرواح المتوفاة والملائكة.
الجانب السفلي: ويوجد فيه النار و أرواح الكفار والمنافقين والشياطين .
الثالث: عالم الجبروت:
وهو أعلى من عالم الملكوت , ويسمى أيضاً بعالم النور, وعالم عرش الرحمن , وعالم النفوس الكلية , وعالم العقول المجردة عن المادة وهيئتها , وعالم القضاء الإلهي ويسكنه الملائكة المقربون.
الرابع: عالم اللاهوت: وهو عالم الواحدية الجمعية , والمقصود به عالم أول ظهور للأسماء الحسنى.
الخامس: عالم الهاهوت: وهو عالم الأحدية الذاتية , وهو ظهور عالم الاسم الأعظم .
واللون الأخضر هو من عالم الملكوت ـ البرزخي ـ وخضرته كناية عن توسطه بين بياض نور عالم الجبروت , وسواد ظلمة عالم الشهادة !
هذا التقسيم للعوالم مع سعتها هو لا على نحو الإنعزال بينها ، والعالم العلوي محيط بالعالم السفلي وهو قاهر له وعلته وبتوسطه ينال فيض الله تعالى من الأسماء الحسنى ، كما أن الله تعالى محيط بالجميع وقاهر لجميع العوالم وموجوداتها ، وليس عالم أقرب لله تعالى من عالم ولا أن عالم أبعد عنه من عالم آخر، بل الكل تحت حيطة الله تعالى وعلمه وقدرته بالتساوي وإن كان جعل علل متوسطة في طريقة الخلق ، فالكل يستمد الحيل والقوة والقدرة والإستطاعة منه, سواء بالواسطة أو بدونها حسب وجوده في سلسلة مراتب الوجود .
المبحث السادس: مبحث صفات الله تعالى:
مقـدمــــــة:
إعلم أنه من حُرم معرفة الأسماء الإلهية , فقد حُرم من أشرف معرفة وغاب عنه أعلى علم وأفضل كلام في الوجود ، كيف لا ولا شيء أجمل من أسماء الله تعالى في عالم الحقيقة والمعنى , ولا أحلى منها في حالات التذوق والعرفان للألفاظ والنطق , ولا أطرى وألطف للنفس من معرفتها وتعلمها ولا اطمئنان للروح بدون ذكرها !
الإنسان, بما أنه ممكن الوجود(واجب الوجود لغيره), هو عاجز وقاصر ومستحيل عليه أن يحيط بكنه ذات الباري أوصفاته , لأن صفاته تعالى هي عين ذاته وليست زائدة عن ذاته حتى نكتنهها ! ومن تمام توحيده نفي الصفات عنه ! (كنه الشيء أي أحاط به حق الإحاطة) .
فالكلام في الصفات الإلاهية هي فقط مجرد مفاهيم ذهنية إعتبرها العقل إعتبارا وليست معرفة حقيقية واقعية وذلك لأجل أن تكون لدى الإنسان معرفة ظلية عن الله سبحانه وتعالى, وحتى يكون عنده شيء من نور معرفة بآثار الباري جلت قدرته .
جعل اللسان على ما في الفؤاد دليلا !
وعندما نقول الصفات الإلاهية , يجب أن يتبادر إلى أذهاننا أسمى وأعلى مراتب الصفات والتي هي في غاية الجمال والكمال ! والكمال له رتبتان:
كمال حقيقي , لا يمكن أن يحصر, لأنه إذا أحصر صار ناقصا. وهو كمال الخالق.
كمال مجازي , ممكن أن يحصر, مثل وصف الإنسان , يبلغ رتبة معينة وينتهي .
أولا: الصفات الإلاهية تقسم إلى قسمين:
صفات ذاتية: وهي الصفات التي ممكن أن ننتزعها من مفهوم واجب الوجود جلت قدرته , وهي الصفات التي هي عين الذات وثابتة في الذات.
مثل: الحي ، القادر، العالم ، الواحد ، الأحد ، الفرد ، الصمد ، القديم ، الثابت ، السرمد ، الأبد ، الباقي ، الجليل ، المجيد ، المبين ، العلي ، العظيم ، الكبير، المتعال ، السبحان ، القدوس ، السلام ، السيد ، النور، السميع , البصير, الصادق , وما شابهها.
صفات فعلية: وهي الصفات المنتزعة من الرابطة بين العلة والمعلول بين الخالق والمخلوق, وتكون بعد صدور الأفعال, وهي صفات تتجلى وتظهر في الوجود حسب نوع الإضافة وليس لها وجود خارجي إلا بعد صدورها.
مثل: الخالق ، الرازق ، المنعم ، الصانع ، البارئ ، الذارئ ، الفاطر ، المصور ، الفالق ، الباسط ، القابض، الهادي ، المميت ، المحيي ، الحاشر ، الناشر ، الخافظ ، الرافع ، الضار ، النافع ، الستار، التواب ، منشئ السحاب ، الرؤوف ، العطوف ، الصاحب ، الرفيق ، البديع ، الأكرم , الحفيظ ، الحسيب ، الحفي ، الرقيب ، الشهيد ، العفو ، الغفور، الغفار ، الغياث ، الفتاح ، القريب , قاضي الحاجات ، المولى ، المنان ، المبيّن ، المقيت ، كاشف الضر ، الوهاب ، الناصر، الودود ، الوفي ، الوكيل ، الوارث ، البر ، الباعث ، الجواد ، خير الناصرين , الديان ، الشكور، اللطيف , الشافي ، المعافي , العدل , وغيرها من الصفات الإضافية .
فمتى يقال لله رازق أو خالق ؟ طبعا حين يرزق ويخلق يقال له رازق وخالق, ولا يقال له هادي قبل أن يوجد خلق ويهديه , ولا يقال له قابل التوب قبل أن يوجد من يتوب عليه ، لقد إنتزعنا هذه الصفات من العلاقة بين الخالق والمخلوق.
أحيانا تكون بعض أسماء الصفات الذاتية أسماء صفات فعلية , مثل العلم حين يقع على المعلوم نقول علم فعلي . وأحيانا تكون بعض أسماء الصفات الفعلية أسماء صفات ذاتية , مثل قولنا قادر على الخلق قادر على الرزق.
ثانيا: الصفات حسب مصطلح الحكماء:
صفات ثبوتية: منسوبة إلى الله , كالحياة والقدرة والعلم والإدراك والسمع والبصر والصدق..
وهي صفات ذاتية ثبوتية , ومرد جميع الصفات الثبوتية إلى صفتي العلم والقدرة , فحين نقول الله سميع بصير فالله عالم بالمسموعات والمبصرات , وحين نقول الله خالق فالمعنى أن الله قادر على الخلق.
صفات سلبية: وهي كل صفة تسلب عن المولى يقال لها صفة سلبية , من قبيل: الله عالم , نكون قد سلبنا عنه صفة الجهل. الله قادر, نكون قد سلبنا عنه صفة العجز. الله حي , نكون قد سلبنا عنه صفة الموت.. وهكذا دواليك .
ثالثا: الصفات حسب مصطلح العرفاء:
صفات جمالية: هي صفات الرحمة والإنعام , مثل الرحمان الرحيم الرؤوف العطوف الودود الحنان الرب.. ( رحمتي سبقت غضبي) فالجمال في هذه الأسماء سبق الجلال !
صفات جلالية: هي صفات القهر والغلبة , مثل الجبار الكبير المتعال القوي القادر القاهر..
كل الأسماء هي معان واحدة ولكن لكل قوم مشرب ومذاق !
يروى أن موسى(ع) أنه كان يمثل الصفات الجلالية , وعيسى(ع) كان يمثل الصفات الجمالية , ونبينا(ص) يمثل كلتيهما معا , الصفات الجمالية والجلالية.
رابعا: بعض النصوص في هذا المضمار:
قال الله تعالى:{ قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} الإسراء ١١٠وقال:{ اللَّهُ لا إِلَهَ إلا هُوَ لَهُ الأسْمَاء الْحُسْنَى } طه ٨ .وقال:{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} الإخلاص.وقال:{ هُوَ الأَوَّلُ وَاللآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } الحديد3.وقال:{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الحشر٢٢-٢٤ .
عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول:" لم يزل الله عز وجل ربنا والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور(كلها صفات ذاتية)، فلما أحدث الاشياء وكان المعلوم(أي وجد) وقع العلم منه على المعلوم(أي وقع على ما كان معلوما) والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور(الآن صارت صفات فعلية)، قال: قلت: فلم يزل الله متحركا ؟ قال: فقال: تعالى الله عن ذلك ! إن الحركة صفة محدثة بالفعل، قال: قلت: فلم يزل الله متكلما ؟ قال: فقال: إن الكلام صفة محدثة(فعلية) ليست بأزلية كان الله عز وجل ولا متكلم ".
عن هشام بن الحكم، قال في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد الله(ع) أنه قال له: أتقول: إنه سميع بصير؟ فقال أبو عبد الله(ع):" هو سميع بصير، سميع بغير جارحة ، وبصير بغير آلة ، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه ، وليس قولي: إنه يسمع بنفسه أنه شئ والنفس شئ آخر، ولكني أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولا ، وإفهاما لك إذ كنت سائلا ، فأقول: يسمع بكله ، لا أن كله له بعض، ولكني أردت إفهامك والتعبير عن نفسي، وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى".
عن صفوان بن يحيى قال:" قلت لابي الحسن(ع) ، أخبرني عن الارادة من الله ومن الخلق؟ قال: فقال: الارادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل, وأما من الله تعالى فإرادته إحداثه لا غير ذلك لانه لا يروي (رويت في الأمر نظرت وفكرت) ولا يهم ولا يتفكر، وهذه الصفات منفية عنه وهي صفات الخلق، فإرادة الله الفعل ، لا غير ذلك يقول له كن فيكون, بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكر ولا كيف لذلك ، كما أنه لا كيف له ".
قال الإمام السجاد(ع):" إلهي لولا الواجب من قبول أمرك ، لنزهتك عن ذكري إياك على أن ذكري لك بقدري لا بقدرك ، وما عسى أن يبلغ مقداري حتى أجعل محلا لتقديسك ، ومن أعظم النعم علينا جريان ذكرك على ألسنتنا، وإذنك لنا بدعائك وتنزيهك وتسبيحك ".
خامسا: حديث لله تسعة وتسعين اسماً من أحصها دخل الجنة:
قال رسول الله صلى الله عليه واله:" إن لله عز وجل تسعة وتسعين إسما - مائة إلا واحدة - من أحصاها دخل الجنة وهي: الله . الواحد . الأحد . الصمد . الفرد . الأول . الآخر . السميع . البصير . القدير . القاهر . العلي . الأعلى . الباقي . البديع . البارئ . الأكرم . الظاهر . الباطن . الحي . الحكيم . العليم . الحليم . الحفيظ . الحق . الحسيب . الحميد . الحفي . الرب . الرحمن . الرحيم . الذارئ . الرزاق . الرقيب . الرؤوف . السلام . المؤمن . المهيمن . العزيز . الجبار . المتكبر . السيد . السبوح . الشهيد . الصادق . الصانع . الطاهر . العدل . العفو . الغفور . الغني . الغياث . الفاطر . الفرد . الفتاح . الفالق . القديم . الملك . القدوس . القوي . القريب . القيوم . القابض . الباسط . قاضي الحاجات . المجيد . المولى . المنان . المحيط . المبين . المقيت. المصور . الكريم . الكبير . الكافي . كاشف الضر . الوتر . النور . الوهاب . الناصر . الواسع . الودود . الهادي . الوفي . الوكيل . الوارث . البر . الباعث . التواب . الجليل . الجواد . الخبير . الخالق . خير الناصرين . الديان . الشكور . العظيم . اللطيف . الشافي ".
أعلم أن المراد من هذا الحديث هو ليس فقط لقلقة لسان دون الإعتقاد والعمل بها ، ولا من دون الإتصاف بها بقدر الوسع والطاقة والعمل بمرادها ومعناها ، وإلا لو كانت تكفي لقلقة السان لكفى المنافقين تلفظ الشهادتين دون إيمان بها !
وعلى هذا لا يمكن أن يقال الإحصاء هو أن نحفظها ونحسبها بالعدد تسعة وتسعين من غير عمل ندخل الجنة , فهذا وأمثاله تحريف للمعنى عن حقيقته . بل لابد أن يتبع العلم والمعرفة العمل والذكر والفكر والإيمان القلبي والإتصاف الفعلي حسب قدرة العبد وإلا فلا معنى للإحصاء ! فتدبر.

ليست هناك تعليقات: