اللهم صل على محمد وال محمد --- aboutaqua@yahoo.it --- اللهم صل على محمد وال محمد

العــــــجب

قال الله تعالی:{ ولا تصعّـر خدک للناس ولا تمش في الأرض مرحا إنّ الله لا یحب کل مختال فخور واقصد في مشیک واغضض من صوتک إنّ أنکر الأصوات لصوت الحمیر} لقمــان١٩
قال رسول الله(ص):« ثلاث مهلكات: شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ».
وقال أيظا(ص):« لو لا أنّ الذنب خير للمؤمن من العجب، ما خلى الله بين عبده المؤمن وبين ذنب أبدا ».
قال الإمام الصادق(ع):« العَجب كل العجب ممن يعجب بعمله وهو لا يدري بما يختم له ، فمن أعجب بنفسه وفعله، فقد ضل عن نهج الرشاد وادّعى ما ليس له ، والمدعي من غير حق كاذب وإن أخفى دعواه وطال دهره . وإنّ أول ما يفعل بالمعجب، نزع ما أعجب به، ليعلم أنه عاجز حقير، ويشهد على نفسه ليكون الحجة عليه أوكد ، كما فعل بإبليس . والعجب نبات حبها الكفر، وأرضها النفاق ، وماؤها البغي، وأغصانها الجهل، وورقها الضلالة، وثمرها اللعنة والخلود في النار، فمن اختار العجب فقد بذر الكفر وزرع النفاق، ولا بد أن يثمر ».
العُجب: هو إستعظام الإنسان نفسه، لأجل ما يرى لها من صفة كمال، واستعظام الطاعة وحب التحدث بها في المحافل والتبجح بذكرها، إذ يرى العامل نفسه خارجة بسبب طاعته عن حد التقصير.
وقيل:" هو إعظام النعمة والركون إليها ، مع نسيان إضافتها إلى المنعم "!
وأنواع العجب كثيرة: كالعجب بالعلم، والعبادة، والطاعة، والنسب، والشجاعة، والسخاوة، والجمال، والمال، والقوة، والجاه، وكثرة الأعوان والأنصار..الخ
قال الشاعر:
لئن فخرت بآباء ذوي شرف..........لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا
قال الإمام الباقر(ع):« عجبا للمختال الفخور، وإنما خلق من نطفة ثم يعود جيفة ، وهو فيما بين ذلك لا يدري ما يصنع به ».
روي أن أيوب(ع) لما جهده البلاء، قال:« لأقعدن مقعد الخصم، فأوحى الله إليه: تكلم، فجثى على الرماد فقال: يا رب إنك تعلم أنه ما عرض لي أمران قط، كلاهما لك رضى إلا إخترت أشدهما على بدني . فنودي من غمامة بيضاء بستة آلاف ألف لغة: فلمن المن؟! فوضع الرماد على رأسه، وخر ساجدا ينادي: لك المن سيدي ومولاي، فكشف الله ضره ». بعد التذكير رجع عن نسيانه، وأضاف ذلك إلى الله سبحانه، ولذلك قال الله تعالى:{ ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا } !
قال النبي(ص):« قال الله جل جلاله: إنّ من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي، فيقوم من رقاده ولذيذ وساده ، فيتهجد في الليالي ويتعب نفسه في عبادتي، فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين نظرا مني له وإبقاء عليه، فينام حتى يصبح ويقوم وهو ماقت لنفسه زار عليها، ولو أخلي بينه وبين ما يريد من عبادتي، لدخله من ذلك العجب، فيصيره العجب إلى الفتنة بأعماله ورضاه عن نفسه حتى يظن أنه قد فاق العابدين، وجاز في عبادته حد التقصير، فيتباعد مني عند ذلك وهو يظن أنه يتقرب إلي ».
قال الإمام الصادق(ع):« یقول الشیطان: إذا ظفرت بابن آدم في ثلاث، فلا یهمني عمله بعد ذلک، لأنه لن یقبل منه: إذا استکثر عمله، ونسي ذنبه ، وتسرّب إلیه العجب ».
قال الإمام الباقر(ع):« دخل رجلان المسجد ، أحدهما عابد والآخر فاسق ، فخرجا من المسجد والفاسق صدّيق والعابد فاسق ، وذلك أنه يدخل العابد المسجد مدلا بعبادته يدل بها ، فتكون فكرته في ذلك ، وتكون فكرة الفاسق في الندم على فسقه ، ويستغفر الله مما صنع من الذنوب ».
العجب من المهلكات العظيمة، إذ هو الناقل للعمل من كفة الحسنات إلى كفة السيئات، ومن رفيع الدرجات إلى أسفل الدركات. وهو حجاب غليظ بين العقل وعيوب النفس، يدعو إلى نسيان الذنوب وإهمالها، فلا يجتهد في تداركها وتلافيها، بل يظن أنها تغفر له، وأما العبادات فيستعظمها ويتبجح بها ويمن على الله بفعلها !
ومن العجب أن يعجب المرىء بنفسه ، ولا يعجب بمن إليه الأمر كله سبحانه، وبجوده وكرمه ، وفضله في إيثاره إياه على الفساق من عباده ، إذ مكنهم من أسباب الشهوات واللذات وزواها عنه ، وصرف عنهم بواعث الخير وهيأها له ، حتى يتيسر له الخير من غير وسيلة سابقة منه .
قال رسول الله(ص):« قال الله عز وجل: يا داود، بشر المذنبين وأنذر الصديقين، قال: كيف أبشر المذنبين وأنذر الصديقين ؟ قال: بشر المذنبين أني أقبل التوبة وأعفو عن الذنب، وأنذر الصديقين ألا يعجبوا بأعمالهم، فإنه ليس عبد أنصبه للحساب، إلا هلك ».
قال الإمام الصادق(ع):« أتى عالم عابدا فقال له: كيف صلاتك ؟ فقال: مثلي يسأل عن صلاته وأنا أعبد الله منذ كذا وكذا ؟ قال: فكيف بكاؤك ؟ قال: أبكي حتى تجري دموعي ، فقال له العالم: فإنّ ضحكك وأنت خائف، أفضل من بكائك وأنت مدل ، إنّ المدل لا يصعد من عمله شيء ».
قال عيسى(عليه السلام):« كم من سراج قد أطفأته الريح ، وكم من عابدا أفسده العجب ».
تفاخرت قريش يوما عند سلمان(رض)، فقال:« لكني خلقت من نطفة قذرة ، ثم أعود جيفة منتنة ، ثم إلى الميزان ، فإن ثقل فأنا كريم ، وإن خف فأنا لئيم ».
يا أبو تقوى: إياك أن تغتر بأعمالک.. أنسبها دائما إلی ما فوقها من أعمال من هم فوقک ومن هم أحسن منک، هل تری لها قیمة ؟
إنك إذا ترقیت عن المقام الذي أنت فیه إنشاء الله، فستری ذلک العمل ذنبا وتقصیرا یحتاج إلی الإعتذار وتستحیي من نسبته إلیک !
والعُجب له مراتب، منها الواضح ومنها الدقیق الخفيّ، وهو حتما أسوأ من المعصیة، لذلک الحق جلـّت عظمته ـ أحیانا ـ یبتلي عبده المؤمن بالمعصیة لکي یصبح آمنا من العجب !
قال سبحانه وتعالى:{ ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا } التوبة ٢٥
قال النبي(ص):« ما منكم من أحد ينجيه عمله ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته ».
قال الإمام علي(ع) لإبنه الحسن(ع):« يا بني، إحفظ عني أربعا وأربعا لا يضرك ما عملت معهن: أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق، وأوحش الوحشة العجب، وأكرم الحسب حسن الخلق ».
قيل للصادق(ع): الرجل يعمل العمل وهو خائف مشفق ، ثم يعمل شيئا من البر فيدخله شبه العجب به ، فقال:« هو في حاله الأولى وهو خائف، أحسن حالا منه في حال عجبه ».
جاء في بعض الآثار، أنّ عابدا من بني إسرائيل كان مقيما في كهف، وبجنبه عين ماء وأشجار مثمرة كان مكتفيا بها، فمكث ما شاء الله صائما نهاره قائما ليله ، فدخله العجب، فلما أفطر ليلته بشيء من الثمار وذهب إلى العين ليشرب على عادته، رأها قد غارت ولا ماء، فاضطرب واشتد به العطش، فانحدر من الجبل ليطلب الماء، فلقيه ملك في هيئة رجل معه قربة من ماء، فقال له العابد: أسقني سقاك الله ، قال: هات الثمن، قال: ما عندي شيء وأنا فلان العابد، فقال: هات عبادتك، فقال العابد: أنى يسوغ هذا وأنا أعبد الله منذ كذا سنة، كيف أبذلها على شربة من ماء ؟ فقال الرجل: لابد من ذلك، فساومه بالعشر والتسع ولا زال يزيد شيئا فشيئا والرجل لا يرضى إلى أن رضي العابد بالجميع، فلما بذلها له جميعا ناوله الماء، فلما شرب وارتوى، عرك الملك أذنه وقال له: مهلا أيها المعجب بأعمال قدرها شربة من ماء، وأنت تشرب كل يوم كم شربة، فأي شيء تستعظم من عملك ؟ فعلم العابد أنّ ذلك كان تنبيها من الله له ».
قال أمير المؤمنين(ع):
أنا ابن نفسي وكنيتي أدبي...........من عجم كنت أو من العــرب
إنّ الفتى من يقول ها أنـذا..........ليس الفتى من يقول كان أبــي
قال الله تعالى:{ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا } الكهف ١٠٤
اللهم إنا نعوذ بك من شرّ أنفسنا ومن شر العجب.

ليست هناك تعليقات: