اللهم صل على محمد وال محمد --- aboutaqua@yahoo.it --- اللهم صل على محمد وال محمد

الأناة والتوقف والوقار والسکینة

قال الله تعالی:{ هوالذي أنزل السکینة في قلوب المؤمنین لیزدادوا إیمانا مع إیمانهم ولله جنود السماوات والأرض وکان الله علیما حکیما} الفتح ٤
قال رسول الله(ص):« إذا رأيتم المؤمن صموتا وقورا ، فأدنوا منه فإنه يلقن الحكمة ».
قال أمير المؤمنين(ع):« ومن عـُرف بالحكمة ، لحظته العيون بالهيبة والوقار».
يا أبوتقوى: إنّ قلبا شعّ فیه نور التوحید وأصبح نورانیا بمعرفة الحق جل وعلا، یکون ذا طمأنینة وثبات وتأنّ وقرار، وقلب کهذا لیس فیه إضطراب أو تسرّع أو عدم قرار !
فإذا حصلت الرزانة والوقار في القلب، تحصل الرزانة في الرأي والعقائد أیظا، وتحصل منه الرزانة في الأفعال والأقوال بإذن الله.
قال الشاعر:
لعمرك إنّ الحلم زين لأهلــــــــه...........وما الحلم إلا عادة وتحلـّــــــــــم
إذا لم يكن صمت الفتى من بلادة..........وعي، فإنّ الصمت أهدى وأسلم
قال النبي(ص):« العجلة من الشيطان، والتأني من الله ».
وقال تعالى مخاطبا نبيه(ص):{ ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه } طــه ١١٤
العجلة: هو الإقدام على الأمر بأول خاطر من دون توقف فيه، وهو من نتائج صغر النفس وضعفها، وهو من الأبواب العظيمة للشيطان. وقد أفتى بعض علماء العامة بالمنع من التعجيل، حتى لمن خاف فوات صلاة الجمعة !
والسر في شدة ذمها: أنّ الأعمال ينبغي أن تكون بعد المعرفة والبصيرة، والعجلة تمنع من ذلك، والتجربة شاهدة بأنّ كل أمر يصدر على العجلة يوجب الندامة والخسران، وبأنّ كل خفيف عجول، ساقط عن العيون ولا وقع له عند القلوب.
قال العارف حاتم البلخي الملقب بالأصم:« العجلة من الشيطان إلا في خمس: إطعام الطعام إذا حضر ضيف، وتجهيز الميت إذا مات، وتزويج البكر إذا أدركت، وقضاء الدين إذا وجب، والتوبة من الذنب إذا أذنب ».
قال الإمام الباقر(ع):« أوصیک بتقوی الله ، وإیاک والمزاح فإنه یذهب هیبة الرجل وماء وجهه ».
وقال الرضا(ع):« الإسترسال بالأنس ، يذهب المهابة ».
الأناة والتوقف والوقار والسكينة: ضد العجلة، وهو التثبت والإحتياط في الأمور والنظر فيها والتأني في العمل بها، والتوقف والسكون قبل الدخول في الأمر حتى يستبين له رشدها.
كالذي يأخذ بيده مصباحا ليبحث على ضوءه شيئا غاب عنه، فمثل هذا يتأنى في حركته خوف أن يطفأ مصباحه ، وخشية أن يفوته في بعض خطواته ما يفتش عليه لو أسرع !
والوقار: بمعنی الرزانة والتأنـي وطمأنينة النفس، وسكونها في الأقوال والأفعال والحركة وفي ثـقل الحرکة ، قبل الدخول فيها وبعده . وهو من نتائج قوة النفس وكبرها، ومن أشرف الفضائل النفسانية .
وورد في الأخبار:« إنّ المؤمن متصف به البتة ».
قال أمير المؤمنين(ع):«.. واعلم أنّ الکلام في وثاقک ما لم تتکلم به، فإذا تکلمت به صرت في وثاقه، فآخزن لسانک کما تخزن ذهبک وورقک، فإنّ اللسان کلب عقور فإن أنت خلیته عقر، وربّ کلمة سلبت نعمة ».
قال أحد الحكماء:« في الصمت سبعة آلاف خير، وقد اجتمعت في سبع كلمات في كل كلمة ألف، أولها: الصمت عبادة من غير عناء. والثانية: زينة من غير حلي. والثالثة: هيبة من غير سلطان. والرابعة: حصن من غير حائط. والخامسة: الإستغناء عن الإعتذار إلى أحد. والسادسة: راحة الكرام الكاتبين. والسابعة: ستر لعيوبه ».
قال رسول الله(ص):« إنّ لسان المؤمن وراء قلبه ، فإذا أراد أن يتكلم بشئ تدبره ثم أمضاه بلسانه. وإنّ لسان المنافق أمام قلبه، فإذا هم بشيء أمضاه بلسانه ولم يتدبره بقلبه ».
الصمت: هوإمساک اللسان ـ هذه الحیة الطاغیة ـ عن اللغو والهذر والثرثرة ، وهو من أعظم الفضائل وأکبر الفنون ، فالله ما خلق للإنسان أذنين ولسان واحدا، إلا ليكون ما يسمعه ضعفي ما يقوله!
وللصمت فضائل عظيمة وفوائد جسيمة، ففيه دوام الوقار، والفراغ للعبادة والذكروالفكر، والسلامة من تبعات القول في الدنيا والآخرة

قال لقمان لإبنه:« يا بني، إن كنت زعمت أنّ الكلام من فضة، فإنّ السكوت من ذهب ».
قال الإمام الصادق(ع):« الصمت شعار المحققين بحقائق ما سبق وجف القلم به، وهو مفتاح كل راحة من الدنيا والآخرة، وفيه رضا الرب وتخفيف الحساب والصون من الخطايا والزلل، قد جعله الله سترا على الجاهل وزينا للعالم، ومعه عزل الهوى، ورياضة النفس، وحلاوة العبادة، وزوال قسوة القلب، والعفاف والمروة والظرف . فأغلق باب لسانك عما لك منه بد، لا سيما إذا لم تجد أهلا للكلام والمساعد في المذاكرة لله وفي الله . وكان ربيع بن خثيم يضع قرطاسا بين يديه، فيكتب كل ما يتكلم به ثم يحاسب نفسه عشية، ما له وما عليه، ويقول: آه آه ! نجا الصامتون وبقينا. وكان بعض أصحاب رسول الله(ص) يضع الحصاة في فمه، فإذا أراد أن يتكلم بما علم أنه لله وفي الله ولوجه الله، أخرجها. وإنّ كثيرا من الصحابة - رضوان الله عليهم- كانوا يتنفسون تنفس الغرقى، ويتكلمون شبه المرضى . وإنما سبب هلاك الخلق ونجاتهم، الكلام والصمت . فطوبى لمن رزق معرفة عيب الكلام وصوابه، ومن علم قدر الكلام أحسن صحبة الصمت، ومن أشرف على ما في لطائف الصمت واؤتمن على خزائنه، كان كلامه وصمته كله عبادة، ولا يطلع على عبادته هذه إلا الملك الجبار».
قال الشاعـر:
إن كان منطق ناطق من فضـــة..........فالصمت درّ زانه ياقـــــوت
ما عيب ذو صمت ولا من ناطق..........إلا يعاب، ولا يعاب صموت
ويحكى:« أنّ أربعة من أذكياء الملوك- ملك الهند، وملك الصين، وكسرى، وقيصر- تلاقوا في وقت، فاجتمعوا على ذم الكلام ومدح الصمت، فقال أحدهم: أنا أندم على ما قلت ولا أندم على ما لم أقل. وقال الآخر: إني إذا تكلمت بالكلمة ملكتني ولم أملكها، وإذا لم أتكلم بها، ملكتها ولم تملكني. وقال الثالث: عجبت للمتكلم، إن رجعت عليه كلمته ضرته، وإن لم ترجع لم تنفعه. وقال الرابع: أنا على رد ما لم أقل، أقدر مني على رد ما قلت ».
قال سبحانه وتعالى:{ فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما} الفتح ٢٦
قال رسول الله(ص):« لا تمار أخاك ، ولا تمازحه ».
قال الإمام علي(ع):« لا تمازحن صدیقا فیعادیک، ولا عدوا فیؤذیک ».
المزاح أصله مذموم منهي عنه ، وسببه إما خفة في النفس، أو ميل النفس وشهوتها إليه.
وسبب الذم فيه: أنه يسقط المهابة والوقار، وربما أدى إلى التباغض والوحشة والضغينة، وربما إنجر إلى الهزل والإستهزاء، وأدخل صاحبه في جملة المستهزأ بهم، وربما صار باعثا لظهور العداوة .
قال أمير المؤمنين(ع):« ما مزح إمرؤ مزحة ، إلا مجّ من عقله مجّــة ».
أي رماه، وکأنّ المازح یرمي بعقله ویرمي به في مطارح الضیاع !
أما المذموم من المزاح فهو الإفراط فيه والمداومة عليه، والذي قد يؤدي أحيانا إلى الكذب والغيبة وأمثالهما.. وأما القليل الذي يوجب إنبساط الخاطر وطيبة القلب، فليس مذموما بل العكس. لأنّ الإنسان الذي لا يألف ولا يؤلف، من الطبيعي أنه لا يحتمل !
ثم المذموم من الضحك، هو القهقهة، أما التبسم الذي ينكشف فيه السن ولا يسمع الصوت، ليس مذموما بل محمودا !
قال النبي(ص):« إني لأمزح ولا أقول إلا حقا ».
ومن أمثال المطايبات النفسية المروية عنه(ص)، والتي لا تميل به إلى الهزل أو إلى الباطل، نذكر نبذة :
جاءت إليه(ص) إمرأة، فقالت:« إنّ زوجي يدعوك، فقال(ص): زوجك هو الذي بعينه بياض؟ قالت: والله ما بعينه بياض ! فقال: بلى، إنّ بعينه بياضا. فقالت: لا والله ! فقال: ما من أحد إلا بعينه بياض». وأراد به البياض المحيط بالحدقة .
وجاءته إمرأة أخرى، فقالت:« أحملني يا رسول الله على بعير. فقال: بل نحملك على ابن البعير. فقالت: ما أصنع به، إنه لا يحملني! فقال(ص): هل من بعير إلا وهو ابن بعير» ؟
وقال(ص) ممازحا إمرأة عجوزا:« لا تدخل الجنة عجوز. فبكت العجوز، فقال: إنك لست يومئذ بعجوز» !
قال الإمام علي(ع):« من کثر کلامه کثر خطأه، ومن کثر خطأه قلّ حیاؤه، ومن قلّ حیاؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار».
وقال أيظا(عليه السلام):« بكثرة الصمت، تكون الهيبة ».
وقال بعضهم:« من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح إستخف به، ومن أكثر من شيء عرف به ».
يا أبوتقوى: يجب أن تعمل لنفسك هيبة في قلوب الناس، فتسعى (للتعظيم والتفخيم) لشأنك في الباطن والظاهر، وتعوّد نفسك على ذلك وتروضها به، بحيث تصير ملكة مستقرة .
تعوّد الوقار والطمأنينة في المشي وكن حافظا لهيبتك في الكلام وسائر الحركات والأفعال مع الآخرين حتى مع أقرب الناس إليك.. وتجنب في مجلسك المجون والدعابة بنفسك .
تجنب طلب الحوائج إلى الناس، فإنها مذلة للحياة ومذهبة للحياء، واستخفاف بالوقار!
لا تكثر من العتاب حتى لا يسقط وقع كلامك من القلوب فإنّ التصريح يهتك حجاب الهيبة ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف.
قال علي(عليه السلام):« معاشر المسلمين، إستشعروا الخشية وتجلببوا السكينة ».
وقال أيظا(عليه السلام):« السكينة زينة العباد ».
قال لقمان الحكيم:
العلم زين والسكوت سلامــــة..........فإذا نطقت فلا تكن مكثـــــارا
ما إن ندمت على سكوت مرة..........ولقد ندمت على الكلام مـرارا
إعلم یرحمک الله، أنّ الأعمال والتصرفات الظاهرة، تترك في الروح آثارها.. فبواسطة الأعمال الحسنة تظهر الملکات النفسیة الحسنة، وبواسطة الأعمال السیئة تظهر الملکات النفسیة السیئة.
فالباطن یحصد ما یزرع الظاهر، والظاهر یحصد ما یزرع الباطن!
من هنا أولت الشریعة المطهرة إهتماما کبیرا لحفظ الصورة والظاهر، فوضعت أحکاما في کیفیة الجلوس والقیام والمشي واللباس والأکل والتکلم.. وذلک لأنّ جمیع الأعمال الظاهرة تضع في النفس والروح ودائع تحصّل الروح بواسطتها تغییرات کلیة.
قال النبي(ص):« إنّ الله یحب الحیيّ الحلیم العفیف المتعفف ».
وقال أمير المؤمنين(ع):« إن لم تکن حلیما فتحلـّم، فإنه قلّ من تشبّه بقوم إلا وأوشک أن یکون منهم ».
إنّ الأمرالتکلفي: مثل الوقار، والسکینة، والطمأنینة، وقلة الکلام، والهيبة.. (ولو بالتصنـّع والتكلف)، بمرور الوقت وبالمواضبة الکاملة وبالمراقبة الصحیحة للنفس، ستحلّ إنشاء الله هذه المَلـَکـَة الشریفة بالتدریج في باطن الروح ، ویتحول إلی أمر عادي بالنسبة للنفس !
قال الله تعالى:{ ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها } التوبة ٢٦
صدق الله العظيم والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات: