اللهم صل على محمد وال محمد --- aboutaqua@yahoo.it --- اللهم صل على محمد وال محمد

الـدعـــــــاء

قال الله تعالی:{ وقال ربكم أدعوني أستجب لكم إنّ الذین یستکبرون عن عبادتي سیدخلون جهنم داخرین } غافـر٦٠
إنّ الدعاء عبادة: إذ يمارسه الإنسان في جميع حالاته ، لأنه يترجم عمق الصلة بين العبد وبارئه ، ويعكس حالة الإفتقار المتأصلة في ذات الإنسان إلى الله سبحانه ، والإحساس العميق بالحاجة إليه والرغبة فيما عنده . فالدعاء مفتاح الحاجات ووسيلة الرغبات، وهو الشفاء من الداء ، والسلاح في مواجهة الأعداء ، ومن أقوى الأسباب التي يستدفع بها البلاء ويرد القضاء .
قال رسول الله(ص):« إفزعوا إلى الله في حوائجكم ، والجؤوا إليه في ملماتكم ، وتضرعوا إليه وادعوه ، فإنّ الدعاء مخ العبادة ، وما من مؤمن يدعو الله بدعاء إلا إستجاب له ، فإما أن يكون يعجل له في الدنيا ، أو يؤجل له في الآخرة ، وإما أن يكفر به عن ذنوبه بقدر ما دعا ، ما لم يدع بمأثم ».
الدعاء في الشدة والرخاء: لا يجب أن ينحصر الدعاء فقط في وقت الشدة والإضطرار، بل يجب أن يكون في جميع الأحوال . قال تعالى:{ وإذا مس الإنسان الضرّ دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مرّ كأن لم يدعنا إلى ضر مسه } يونس ١٢
قال أمير المؤمنين(ع):« ما من أحد إبتلي وإن عظمت بلواه ، أحق بالدعاء ، من المعافى الذي لا يأمن البلاء ».
آداب الدعاء وشروطه: لقد حدد الإسلام آدابا وقرر شروطا للدعاء، لا بد للداعي أن يراعيها كي يتحقق مطلوبه من الدعاء، والتي إذا أهملها، فلا تتحقق له الإستجابة المرجوة من الدعاء ولا تحصل له نورانية القلب وتهذيب النفس وسمو الروح المطلوبة في الدعاء:
الطهارة: يجب أن يكون الداعي على وضوء.
الصدقة ومس شيء من الطيب.
الصلاة: يستحب أن يصلي الداعي ركعتين قبل الشروع بالدعاء
البسملة: أن يبدأ الداعي دعاءه بـ:« بسم الله الرحمن الرحيم ».
الثناء على الله تعالى: أن يحمد الله ويثني عليه ويشكر ألطافه ونعمه ويمدحه ويمجده على حسن آلائه قبل الشروع في الدعاء.
الدعاء بأسماء الله الحسنى: خصوصا في حال السجود { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها }، وقال بعض أهل العلم: ينبغي للداعي أن يذكر من أسماء الله الحسنى، ما يناسب مطلوبه .
الصلاة على النبي وآله: قال(ص):« لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلى عليّ وعلى أهل بيتي ».
التوسل بالنبي(ص) وبأهل البيت(ع)، وبالملائكة والأنبياء..الخ
الإقرار بالذنوب: على الداعي أن يعترف بذنوبه ، مقرا مذعنا تائبا عما إقترفه من خطايا وما إرتكبه من ذنوب .
حسن الظن بالله تعالى: قال(ص):« أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ». وقال الصادق(ع):« إذا دعوت فأقبل بقلبك ، وظن حاجتك بالباب ».
الإقبال على الله: وهو أن يقبل عليه سبحانه بقلبه وروحه وشراشير فؤاده . قال تعالى:« واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ».
ترقيق القلب: قال الصادق(ع):« إذا اقشعر جلدك ، ودمعت عينك ، ووجل قلبك ، فدونك دونك ، فقد قصد قصدك ».
البكاء والتباكي: خير الدعاء ما هيجه الوجد والأحزان، وانتهى بالعبد إلى البكاء من خشية الله سبحانه ، ذلك لأنّ الدمعة هي سفير القلب ولسان المذنب !
التضرع ومد اليدين: قال(ص):« إنّ الله يستحي من العبد أن يرفع إليه يديه فيردهما خائبتين ».
الإلحاح بالدعاء وعدم القنوط: قال الباقر(ع):« والله لا يلح عبد مؤمن على الله عز وجل في حاجته، إلا قضاها له ».
التختم بالعقيق والفيروزج: إذ يستحب في الدعاء لبس خاتم من عقيق أو من فيروزج .
الآداب المتأخرة عن الدعاء:
أن يقول الداعي: ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله .
أن يختم بالصلاة على محمد وآل محمد(ع) .
مسح الوجه والرأس باليدين .
في حال إستجابة دعائه، أن يحمد الله ويصلي صلاة الشكر.
ترصد الأزمنة الخاصة: لا بد للداعي أن يراعي إختيار الأوقات التي هي مظنة الإجابة ، فالأوقات ليست كلها سواء !
وهذه جملة من الأوقات التي ترجى فيها إجابة الدعاء:
جوف الليل  عند زوال الشمس  بعد الصلوات المكتوبة.
الوتر والسحر وما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
قبل طلوع الشمس و قبل الغروب .
ليلة الجمعة ويومها  ليالي القدر(١٩ ـ ٢١ ـ ٢٣) من رمضان
ليلة الفطر  ليلة الإضحى  أول ليلة من رجب .
ليلة النصف من شعبان  ليلة العاشر من ذي القعدة .
ليلة مولد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ويومه .
ليلة مبعثه الشريف(ص) ويومه  ليلة عرفة ويوم عرفة .
في هذه الأوقات التي قال عنها أمير المؤمنين(ع):« تفتح أبواب السماء في ستة مواقيت: عند الغيث ، وعند الزحف ، وعند الأذان ، وعند قراءة القرآن ، وعند الزوال ، وعند طلوع الشمس ».
موانع إجابة الدعاء: الدعاء يوجب صفاء الباطن وخشوع القلب ورقة النظر وتنور النفس وتجليها، وقد جعله الله تعالى مفتاحا للكشف، وسببا لتواتر مزايا اللطف، وبه تحلق النفس في سماء الحق حرة طليقة !
وهو سلاح المؤمن وجنته الواقية، وسهام الليل التي يسددها كيفما يشاء.. ولكن حتى يكون دعائه كذلك، يجب على الداعي إزالة الحجب والموانع التي تحول دون صعود الدعاء، ومن أهمها:
إقتراف المعاصي، والظلم وأكل الحرام ، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم.. وغيرها من الذنوب التي تحبس الدعاء .
قال علي(ع):« خير الدعاء ما صدر عن صدر نقي وقلب تقي ».
أسباب تأخر الإجابة:
ربما لو إستجيب لك، لكانت الإستجابة تنطوي على مفسدة لك أو لغيرك لا يعلمها إلا هو جلت قدرته، قال تعالى:{ وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون }.
قد تؤخر الإجابة عن العبد المؤمن لزيادة صلاحه وعظم منزلته عند الله عز وجل . جاء في حديث قدسي:« وعزتي وجلالي وعظمتي وبهائي إني لأحمي وليي أن أعطيه في دار الدنيا شيئا يشغله عن ذكري حتى يدعوني فأسمع صوته ، وإني لأعطي الكافر منيته حتى لا يدعوني فأسمع صوته بغضا له ».
قال الإمام الصادق( ع):« كان بين قول الله عز وجل:" قد أجيبت دعوتكما" وبين أخذ فرعون، أربعين عاما ».
دعوات مستجابة :
الدعاء للأخ المؤمن بظهر الغيب، ولأربعين من المؤمنين .
دعاء الوالد الصالح لولده إذا بره، ودعاؤه عليه إذا عقه .
دعاء الولد الصالح لوالده  دعاء الإمام العادل لرعيته .
دعاء المسافـر  دعاء الصائم حتى يفطر.
دعاء الفقير فإنّ دعوة السائل الفقير لا ترد .
دعاء المظلوم على من ظلمه، ودعاؤه لمن إنتصر له .
دعاء المريض لعائده  دعاء المجاهد في سبيل الله .
دعاء الحاج أو المعتمر حتى يرجع .
دعاء الأطفال ما لم يقارفوا الذنوب .
دعوات لا تستجاب :
دعوة من يطلب تغيير حالة ناتجة عن إرتكابه إثما أو تقصيرا في واجب. ومثل هذا الداعي لا يمكن أن يترتب أثر على دعائه، حتى يتوب مما إرتكب أو يزيل أسباب حصول تلك الحالة وعللها. مثل مظلوم يدعو لإزالة مظلمته، وهو متحمل لمظالم العباد وتبعات المخلوقين، قال الحق سبحانه في حديث قدسي: « وعزتي وجلالي لا أجيب دعوة مظلوم دعاني في مظلمة ظلمها، ولأحد عنده مثل تلك المظلمة ».
طلب العبد ما لا يحل أوما فوق قدره . قال الصادق(ع):« من سأل فوق قدره ، إستحق الحرمان ».
الدعاء بلا عمل: قال(ص) في وصيته لأبي ذر:« يا أبا ذر، مثل الذي يدعو بغير عمل، كمثل الذي يرمي بغير وتر».
آثار الدعاء: إنّ الدعاء هو السر الذي يربطنا بخالقنا، وهو من أنجع الوسائل وأعمقها في تهذيب النفوس، ومفتاح الرحمة ونجاح الحاجات، وهو شفاء من كل داء، وبه يرد القضاء ويدفع البلاء ، ولا يدرك ما عند الله تعالى إلا بالدعاء والإبتهال. ولولاه ما اكترث الله بنا، حيث يقول:{ قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم }.
ومن آثار الدعاء:
قضاء الحوائج: قال تعالى:{ وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين، فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين } الأنبياء ٩٠
الدعاء شفاء من كل داء: خصوصا الأمراض النفسية، فقد أكدت البحوث الطبية، أنّ الطب الروحي من أهم الأسباب في تخفيف مثل هذه الأمراض وإزالتها. قال تعالى:{ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين }.
الدعاء إدخار وذخيرة: إذا واظب عليه العبد في حال الرخاء، يكون له ذخيرة لإستخراج الحوائج في البلاء. قال الصادق(ع): « إنّ الدعاء في الرخاء ، يستخرج الحوائج في البلاء ».
الدعاء يهذب النفس: فهو من أهم العوامل التي تسهم في بناء الإنسان المؤمن، والتي تكسب الداعي النقاء والصفاء، وخشوع القلب ورقته، وتصنع منه ذاتا محبة للخير.. فيصل بتلك النفس إلى درجات المتقين .
الدعاء سلاح المؤمن: قال تعالى:{ ونوحا إذ نادى من قبل فآستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين }. وقال(ص):« ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدر أرزاقكم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال(ص): تدعون ربكم بالليل والنهار، فإن سلاح المؤمن، الدعاء ».
الدعاء يرد القضاء ويدفع البلاء: قال تعالى:{ أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء }. وقال الصادق(ع):« إنّ الدعاء يرد القضاء وقد نزل من السماء وقد أبرم إبراما».
قال أمير المؤمنين(ع) في وصيته لولده الإمام الحسن(ع):«.. واعلم أنّ الذي بيده خزائن السموات والأرض قد أذن لك في الدعاء وتكفل لك بالإجابة، وأمرك أن تسأله ليعطيك وتسترحمه ليرحمك ، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك ، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه، ولم يمنعك إن أسأت من التوبة ، ولم يعاجلك بالنقمة ، ولم يعيرك بالإنابة ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى، ولم يشدد عليك في قبول الإنابة، ولم يناقشك بالجريمة ، ولم يؤيسك من الرحمة. بل جعل نزوعك عن الذنب حسنة ، وحسب سيئتك واحدة ، وحسب حسنتك عشرا ، وفتح لك باب المتاب . فإذا ناديته سمع نداءك ، وإذا ناجيته علم نجواك. فأفضيت إليه بحاجتك ، وأبثثته ذات نفسك ، وشكوت إليه همومك ، واستكشفته كروبك ، واستعنته على أمورك ، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطاء غيره من زيادة الأعمار وصحة الأبدان وسعة الأرزاق. ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك من مسألته ، فمتى شئت إستفتحت بالدعاء أبواب نعمته واستمطرت شآبيب رحمته. فلا يقنطنك إبطاء إجابته فإنّ العطية على قدر النية. وربما أخرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل وأجزل لعطاء الآمل. وربما سألت الشيء فلا تؤتاه وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا، أو صرف عنك لما هو خير لك . فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته . فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله، فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له».
قال الله تعالی:{ وإذا سألک عبادي عني فإني قریب أجیب دعوة الـداع إذا دعان فلیستجیبوا لي ولیؤمنوا بي لعلهـم یرشـدون } البقــرة ١٨٦
وصلى الله على رسوله وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

ليست هناك تعليقات: