اللهم صل على محمد وال محمد --- aboutaqua@yahoo.it --- اللهم صل على محمد وال محمد

الـمـقـدمـــــــــــــة

يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه: أبوتقوى عبد المجيد المشري عفى الله عنه وعن والديه: هذه أبواب شتى جمعت فيها أبحاثا مختلفة كانت تختلج بخاطري الفاتر وتتردد على ذهني الكليل، وكنت أتمنى جمعها في كتيب أعود إليه عند الحاجة ، وربما يستفيد منها أيظا بعض إخواني المؤمنين في مطالعاتهم .
قال الله تعالى:{ أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } الأنعام ١٢٢
وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم):« قلب المؤمن عرش الرحمان ».قال أمير المؤمنين(ع):« إنّ الله عزوجل ركب في الملائكة عقلا بلا شهوة ، وركب في البهائم شهوة بلا عقل، وركب في بني آدم كلتيهما . فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة ، ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم ».
قال الإمام الصادق(ع):« إنّ روح المؤمن لأشد إتصالا بروح الله، من إتصال شعاع الشمس بها ».على الإنسان أن ينتبه إلى أن له غاية وهدفا في الحياة يجب الإنطلاق والسعي إليه, وأنه في حالة سفر شاء أم أبى, ولا بد له من المسير..
إنّ للإنسان نشأتین: نشأة ملکیة ظاهریة دنیویة وهي البدن، ونشأة باطنیة غیبیة ملکوتیة وهي النفس.وللنفس ثلاث نشآت: نشأة الملک(الدنیا)، نشأة الملکوت(البرزخ)، ونشأة الجبروت(الآخرة).
إنّ قلب الإنسان، كمرآة لها وجهان: وجه ملتفت نحوعالم الغیب، ووجه ملتفت نحو عالم الشهادة ، فإذا توجه القلب نحو عالم الأنوا ر وتعمیر الآخرة ، فسیحصل له وئام مع الملکوت الأعلی، وتترقی روحه بالتدریج من نقص النورانیة، إلی کمال الروحانیة والنورانیة، وتتخلص من جمیع الکدورات والظلمات وتفاض علیها علوم رحمانیة وإلقاءات إلاهیة، ویکون نصیبها مشاهدة جمال الجمیل ویقع أجرها علی الله !
فالسالک إذا اشتغل بتهذیب باطنه وصقل سره وتطهیر روحه وتنزیه قلبه، تتجلی تدریجیا في مرآة قلبه أنوار غیبیة إلاهیة وتحصل له جذبات باطنیة فینجذب إلی عالم الغیب .
إنّ الإیمان نور إلاهي یجعل القلب موضع تجلیات الحق جل جلاله !
قال الصادق(ع):« القلوب ثلاثة: قلب منکوس لا یعي شیئا من الخیر وهو قلب الکافر، وقلب فیه نکتة سوداء فالخیر والشر فیه یعتلجان، فأیهما کانت منه غلب علیه، وقلب مفتوح فیه مصابیح تزهر ولا یطفأ نوره إلی یوم القیامة، وهو قلب المؤمن ».
قال الحق سبحانه:{ يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم } الأنفال ٢٩إنّ الغایة القصوی من القرآن والأحادیث هو إخراج هذه النفوس من عالم الطبیعة وتوجیه هذه الأرواح إلی عالم الغیب، وهذا لن یحصل إلا بتصفیة العقل وتزکیة النفس وتهذیب الباطن.
ومن أسرار العبادات الشاقة، تسخیر ملک الجسم للملکوت، حیث یصبح ذا عزم فیتغلب علی الطبیعة والملک ویصبح الجسم وقواه الباطنیة والظاهریة مثل ملائکة الله الذین لا یعصون الله ولا یعانوا عنتا ولا مشقة !
والعبادات الجسدیة الشرعیة، حین تتم بالآدات الظاهریة والباطنیة، تورث تهذیب الباطن، بل تزرع في الروح بذرالتوحید ، کما أنّ تهذیب الباطن یزید من قوة التعبد .
فتتقوی روح القدس بمرور الزمن وینشرح الصدر، ویُـقوّي نور العبادات البدنیة نور الملکات النفسیة وبالعکس: أي نور الملکات النفسیة، نور العبادات البدنیة، ویصیر نورا علی نور، والطاعة تجر الی الطاعة...!!
و« إذا أراد الله بعبده خیرا ، فتح عین قلبه » !

حب النفس والدنیا

قال الله تعالی:{ إعلموا أنما الحیاة الدنیا لعب ولهو وزینة وتفاخر بینکم وتکاثر في الأموال والأولاد کمثل غیث أعجب الکفار نباته ثم یهیج فتراه مصفرا ثم یکون حطاما وفي الآخرة عذاب شدید ومغفرة من الله ورضوان وما الحیاة الدینا إلا متاع الغرور} الحدید ٢٠
قال رسول الله(ص):« إنه ما سكن حب الدنيا قلب عبد، إلا إلتاط فيها بثلاث: شغل لا ينفد عناؤه ، وفقر لا يدرك غناه ، وأمل لا ينال منتهاه . ألا إنّ الدنيا والآخرة طالبتان ومطلوبتان: فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل رزقه ، وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يأخذ الموت بعنقه ، ألا وإنّ السعيد من إختار باقية يدوم نعيمها على فانية لا ينفد عذابها ، وقدّم لما يقدم عليه مما هو في يديه، قبل أن يخلفه لمن يسعد بإنفاقه ، وقد شقي هو بجمعه ».
قال الإمام الصادق(ع):« من أصبح وأمسی والدنیا أکبر همه، جعل الله الفقر بین عینیه وشتت أمره ، ولم ینل من الدنیا إلا ما قسم له ، ومن أصبح وأمسی والآخرة أکبر همه، جعل الله الغنی في قلبه ، وجمع له أمره ».
قال أمیر المؤمنین(ع):« إنما أخاف علیکم إثنتین: إتباع الهوی وطول الأمل، أمّا إتباع الهوی فإنه یصدّ عن الحق ، وأمّا طول الأمل فإنه ینسي الآخرة ».
الهوی هو: حب الشيء واشتهاءه.
قال الإمام الباقر(ع):« مثل الحریص علی الدنیا ، مثل دودة القز کلما ازدادت من القز علی نفسها لفا ، کان أبعد لها من الخروج حتی تموت غما ».
إنّ الخطوة الأولی نحو الله سبحانه وتعالی، تتمثل في الإنتصارعلی (حب النفس) و(حب الدنیا) وهو المقیاس الحقیقي في السفر إلی الله.
فإذا أخرج الإنسان من قلبه ( حب النفس والدنیا ) بالریاضات النفسیة ، فبالمقدار الذي یفرغ القلب من حب النفس وحب الدنیا، یمتلأ حبا لله عز إسمه !
جاء في حدیث قدسي:« وعزتي وجلالي وعظمتي وکبریائي ونوري وعلوي وارتفاع مکاني ، لایؤثر عبد هواه علی هواي ، إلا شتتّ علیه أمره ولبّست علیه دنیاه وشغلت قلبه بها ولم أوته منها إلا ما قدّرت له. وعزتي وجلالي وعظمتي ونوري وعلوي وارتفاع مکاني ، لا یؤثر عبد هواي علی هواه ، إلا استحفظته ملائکتي وکلفت السماوات والأرضین رزقه , وکنت له من وراء تجارة کل تاجر وأتته الدنیا وهي راغمة ».
قال النبي(ص):« من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شئ، وألزم الله قلبه أربع خصال: هما لا ينقطع عنه أبدا، وشغلا لا يتفرغ منه أبدا، وفقرا لا ينال غناه أبدا، وأملا لا يبلغ منتهاه أبدا ».
قال رجل لأبي ذر(رض):« یا أبا ذر، ما لنا نکره الموت؟ قال: لأنکم عمرتم الدنیا وأخربتم الآخرة فتکرهون أن تنقلوا من عمران إلی خراب. فقال له: فکیف تری قدومنا علی الله؟ قال: أما المحسن منکم فکالغائب یقدم علی أهله، وأما المسيء منکم فکالآبق یُرَدّ علی مولاه. قال: فکیف تری حالنا عند الله؟ قال: أعرضوا أعمالکم علی الکتاب، إنّ الله یقول:" إنّ الأبرار لفي نعیم وإنّ الفجار لفي جحیم". فقال الرجل: فأین رحمة الله؟ قال: رحمة الله قریب من المحسنین ».
قال الصادق(ع):« مثل الدنیا کمثل ماء البحر، کلما شرب منه العطشان، إزداد عطشا حتی یقتله ».
قال لقمان لإبنه:« يا بني! إنّ الدنيا بحر عميق، وقد غرق فيها ناس كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله عز وجل، وحشوها الإيمان، وشراعها التوكل على الله ، لعلك ناج وما أراك ناجيا ».
وقال أحد الحكماء :« لا تخرج نفس إبن آدم من الدنيا إلا بحسرات ثلاث: أنه لم يشبع مما جمع ، ولم يدرك ما أمل ، ولم يحسن الزاد لما قدم عليه ».
قال أبي عبد الله(ع):« ما ذئبان ضاریان في غنم قد فارقها رُعاؤها، أحدهما في أولها والآخر في آخرها فأفسدا فیها، من حب المال والشرف في دین المسلم ».
إن حب الدنیا والنفس وحب المال والجاه والولد، واتباع الشهوات وارتکاب السیئات، والإنصیاع وراء عدو الله وهوی النفس والتوجه نحو شجرة الطبیعة الخبیثة، هو ستار وحجاب من أظخم وأغلظ الحجب التي تحجب الإنسان عن الوصول إلی الله سبحانه!
جاء في حدیث قدسي:« يا داود، إنك تزعم أنك تحبني، فإن كنت تحبني، فأخرج حب الدنيا من قلبك ، فإنّ حبي وحبها لا يجتمعان في قلب واحد ».
ولذلك، فقد زوى الله تعالى الدنيا على نبينا(ص)، فكان يطوي أياما، وكان يشد الحجر على بطنه من الجوع ..!
قال الإمام الصادق(ع):«.. ولا حجاب أظلم وأوحش بين العبد وبين الله تعالى، من النفس والهوى، وليس لقتلهما وقطعهما سلاح وآلة، مثل الإفتقار إلى الله، والخشوع والجوع والظمأ بالنهار والسهر بالليل».
کتب رجل إلی أبي ذر(رض):« یا أبا ذر، أطرفني بشيء من العلم. فکتب إلیه: إنّ العلم کثیر، ولکن إن قدرت أن لا تسيء إلی من تحبه فآفعل. فقال الرجل: وهل رأیت أحدا یسيء إلی من یحبه ؟ فقال له: نعم، نفسک أحب الأنفس إلیک، فإذا أنت عصیت الله ، فقد أسأت إلیها ».
قال سبحانه وتعالی:{ وما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون ، أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقیه کمن متعناه متاع الحیاة الدنیا ثم هو یوم القیامة من المحضرین} القصص ٦١
قال الإمام علي(ع):« إنّ الدنیا والآخرة عدوان متفاوتان وسبیلان مختلفان ، فمن أحب الدنیا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها. وهما بمنزلة المشرق والمغرب وماش بینهما، کلما قرب من واحد بعـُـد من الآخر، وهما بعـدُ ضرّتان ».
قال النبي(ص):« لكل أمة عجل ، وعجل هذه الأمة الدينار والدرهم». وقال أیظا(ص):« الدنیا مزرعة الاخرة » !
قال أمير المؤمنين(ع):« إنما الدنیا جیفة والمتوافدون علیها أشباه الکلاب ».
شبه بعض الحكماء حال الإنسان واغتراره بالدنيا، وغفلته عن الموت وما بعده من الأهوال، وآنهماكه في اللذات العاجلة الفانية الممتزجة بالكدورات: بشخص مدلى في بئر، مشدود وسطه بحبل، وفي أسفل ذلك البئر ثعبان عظيم متوجه إليه، منتظر سقوطه، فاتح فاه لإلتقامه، وفي أعلى ذلك البئر جرذان أبيض وأسود، لا يزالان يقرضان ذلك الحبل شيئا فشيئا، ولا يفتران عن قرضه آنا من الآنات، وذلك الشخص، مع أنه يرى ذلك الثعبان ويشاهد إنقراض الحبل آنا فآنا، قد أقبل على قليل عسل قد لطخ به جدار ذلك البئر وامتزج بترابه واجتمعت عليه زنابير كثيرة ، وهو مشغول بلطعه منهمك فيه ، ملتذ بما أصاب منه مخاصم لتلك الزنابير عليه، قد صرف باله بأجمعه إلى ذلك، غير ملتفت إلى ما فوقه وإلى ما تحته! فالبئر هو الدنيا، والحبل هو العمر، والثعبان الفاتح فاه هو الموت، والجرذان الليل والنهار القارضان للعمر، والعسل المختلطة بالتراب هو لذات الدنيا الممتزجة بالكدورات والآلام، والزنابير هم أبناء الدنيا المتزاحمون عليها.. فاعتبر يا مسكين !!
قال رسول الله(ص):« لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ، ما سقى كافرا منها شربة ماء ».
وقال أيظا(ص):« الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر».
ومر(ص) على مزبلة ، فوقف عليها وقال:« هلموا إلى الدنيا »، وأخذ خرقا قد بليت على تلك المزبلة وعظاما قد نخرت، فقال:« هذه الدنيا » !
قيل للإمام علي: صف لنا الدنيا، فقال(ع):« وما أصف لك من دار من صح فيها سقم ، ومن أمن فيها ندم ، ومن افتقر فيها حزن، ومن استغنى فيها افتتن، في حلالها الحساب، وفي حرامها العقاب ».
قال الإمام السجاد(ع):« إنّ الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإنّ الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ».
من مفاسد حب الدنیا، أنه یقوي جانب الطبیعة في الإنسان بحیث یجعلها تعصي الروح وتتمرد علیها، بینما من أسرار العبادات والطاعات ، أنه یقوي الجانب الروحي والتوجه إلی عالم الملکوت.. عالم الطهر والصفاء !
روي أنّ عيسى(عليه السلام) كوشف بالدنيا ، فرآها في صورة عجوز شمطاء هتماء عليها من كل زينة ، فقال لها:« كم تزوجتي؟ قالت: لا أحصيهم ، قال: فكلهم مات عنك أو كلهم طلقك ؟ قالت: بل كلهم قتلت ، فقال عيسى(ع): بؤسا لأزواجك الباقين ، كيف لا يعتبرون بالماضين ؟! كيف تهلكينهم واحدا واحدا ، ولا يكونون منك على حذر» ؟!
قال الله تعالی:{ أیحسبون أنما نمدهم به من مال وبنین نسارع لهم في الخیرات بل لا یشعرون } المؤمنون ٥٦
وقال عز من قائل:{ فلما نسوا ما ذکـّـروا به فتحنا علیهم أبواب کل شيء حتی إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } الأنعام ٤٤
صدق الله العليّ العظيم وصلى الله على رسوله وآله الطيبين الطاهرين.

الخوف والرجاء

قال الله تعالی:{ قل یا عبادي الذین أسرفوا علی أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله یغفر الذنوب جمیعا إنه هو الغفورالرحیم } الزمر٥٣
قال رسول الله(ص):« من خاف الله أخاف الله منه كل شئ ، ومن لم يخف الله ، أخافه الله من كل شئ ».
قال الإمام الصادق(ع):« خف الله کأنک تراه ، وإن کنت لا تراه فإنه یراک ، وإن کـنت تری أنه لا یراک فقـد کفرت ، وإن کنت تعلم أنه یراک ثم بارزته بالمعصیة ، فقد جعلته أهون الناظـرین إلیک ».
إنّ الخوف والرجاء محمودان، لكونهما باعثين على العمل ودوائین يداوى بهما أمراض القلوب، ففضل كل منها إنما هو بحسب ما يترتب عليه من فائدة العمل ومعالجة المرض.
وهذا يختلف باختلاف الأشخاص: فمن كان تأثير الخوف في بعثه على العمل أكثر من تأثير الرجاء فيه، فالخوف له أصلح من الرجاء، ومن كان بالعكس فبالعكس .
قال أمیر المؤمنین(ع):« أما والله لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول الله(ص)، وإنهم ليصبحون ويمسون شعثا غبرا خمصا، بين أعينهم كركب المعزی، يبيتون لربهم سجدا وقياما يراوحون بين أقدامهم وجباههم، يناجون ربهم في فكاك رقابهم من النار، والله لقد رأيتهم مع هذا وهم خائفون مشفقون.. وكأن زفير النار في آذانهم، إذا ذكر الله عندهم مادوا كما تميد الشجر كأنما القوم باتوا غافلين ».
قال النبي(ص):« قال الله تعالى: وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي خوفين، ولا أجمع له أمنين، فإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ».
روي عن أبي ذر(رحمه الله)، أنه بكى من خشية الله حتى إشتكى بصره، فقيل له: لو دعوت الله يشفي بصرك ؟! فقال:« إني عن ذلك مشغول، وما هو أكبر همي. قالوا: وما شغلك عنه ؟! قال: العظيمتان، الجنة والنار».
قال الصادق(ع): المؤمن بین مخافتین: ذنب قد مضی لا یدري ما صنع الله فیه ، وعمر قد بقي لا یدري ما یکتسب فیه من المهالک، فهو لا یصبح إلا خائفا ولا یصلحه إلا الخوف ».
الخوف درجات:
خوف العامة: الخوف من العقاب والعذاب والحرمان من الثواب। وهذا الخوف وهذه العبادة لیست جیدة ، إذ هي عبادة العبید والأجراء .

خوف الخاصة: الخوف من العتاب. لتعلقهم وطلبهم للذات المعنویة وقرب المنزلة والمقام.. وهذا الخوف وهذه العبادة لیست خالصة لله أیظا.
{ ألا لله الدین الخالص }.
خوف أخصّ الخواص: الخوف من الإحتجاب. هم لا یتوجهون إلی العطیة ، فالتـّوق إلی الحضور ولذته قطعهم عن الدارین، وبقایا النفسانیة والأنانیة موجودة ویتوقون أن یحصل لهم المشاهدة والحضور.. فلا یمکن أن ننسب إلیهم محبة الله والخلوص الحقیقي .
خوف الأولیاء: وهم طاهرون مطهرون من صبغة الإنیة والأنانیة ، ومصبوغون بصبغة الله.
{ ومن أحسن من الله صبغة }.
قال الله تعالی:{ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون} الحشــر٢١
قال رسول الله(ص):« سبعة يظلهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله:.. ورجل ذكر الله عز وجل خاليا ، ففاضت عيناه من خشية الله عز وجل ».
قال الإمام الصادق(ع):« ما من شئ إلا وله كيل أو وزن إلا الدموع، فإنّ القطرة تطفئ بحارا من نار، وإذا إغرورقت العين بمائها، لا يرهق وجهه قتر ولا ذلة ، فإذا فاضت، حرمه الله على النار، ولو أن باكيا بكى في أمة ، لرحموا ».
قال النبي( ص):« كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاثة أعين ، عين بكت من خشية الله ، وعين غضت عن محارم الله ، وعين باتت ساهرة في سبيل الله ».
وقال أیظا(ص) في وصیته لعلي(ع):« يا علي، أربع خصال من الشقاء: جمود العين ، وقساوة القلب ، وبعد الأمل ، وحب البقاء ».
إلاهي، حق لمن عرفک أن لا ینقطع رجاءه منک !!
عش ـ یا أبوتقوی ـ بین الخوف والرجاء کأنک بین الجنة والنار، وانظر إلی نفسک بأنـّک في منتهی التقصیر، والحق تعالی في منتهی الجلال والعظمة !
جاء في حديث قدسي:« يا عيسى، هب لي من عينيك الدموع ومن قلبك الخشوع، واكحل عينيك بميل الحزن إذا ضحك البطالون، وقم على قبور الأموات فنادهم بالصوت الرفيع لعلك تأخذ موعظتك منهم، وقل إني لاحق بهم في اللاحقين ».
قال الإمام الصادق(ع):« إنّ الرجل ليكون بينه وبين الجنة أكثر مما بين الثرى إلى العرش لكثرة ذنوبه ، فما هو إلا أن يبكي من خشية الله عز وجل ندما عليها ، حتى يصير بينه وبينها أقرب من جفنه إلى مقلته ».
قال رسول الله(ص):« إذا أحب الله تعالى عبدا ، نصب في قلبه نائحة من الحزن ، فإنّ الله تعالى يحب كل قلب حزين، وإنه لا يدخل النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن إلى الضرع، وإنه لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مؤمن أبدا، وإذا أبغض عبدا جعل في قلبه مزمارا من الضحك، وإنّ الضحك يميت القلب، والله لا يحب الفرحين ».
ومر الإمام الحسن(ع) بشاب يضحك فقال:« هل مررت على الصراط ؟ قال: لا، قال: وهل تدري إلى الجنة تصير أم إلى النار؟ قال: لا، قال: فما هذا الضحك » ؟ قیل: فما روي هذا الضاحك بعد ضاحكا.
إنّ مما یبعث علی تقویة الخوف من الحق تعالی ، هو التفکر في العذاب والعقاب وشدة أهوال الموت، وظلمة القبر ووحدته وعذابه، والصراط والمیزان والوقوف للحساب..
فيصور العبد في نفسه، جهنم ودركها ومقامها وأهوالها وأنواع العذاب فيها، وقبح صورة الزبانية، وأنه كلما نضجت جلودهم بدلوا جلودا غيرها، وأنهم كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها، وإذا رأوها من مكان بعيد سمعوا لها تغيضا وزفيرا..
وإذا أراد أن ينظر إلى الرجاء، فلينظر إلى الجنة ونعيمها، وما أعد الله تعالى فيها من الملك الدائم والنعيم والحور واللذات.. الخ
جاء في حديث قدسي:«.. ألا فلا یتکل العاملون علی أعمالهم وإن حسنت، ولا ییأس المذنبون من مغفرتي لذنوبهم وإن کثرت، ولکن برحمتي فلیثـقوا ولفضلي فلیرجوا، وإلی حسن نظري فلیطمئنوا، وذلک أني أدبـّر عبادي بما یصلحهم، وأنا بهم لطیف خبیر».
ومن دعاء الإمام السجاد(ع):« أدعوک راهبا راغبا راجیا خائفا، إذا رأیت مولاي ذنوبي فزعت، وإذا رأیت کرمک طمعت، فإن عفوت فخیر راحم، وإن عذبت فغیر ظالم ».
علیک یا أبوتقوی، بالحزن الدائم: إمّا من خوف العذاب إن کنت من الصالحین، وإمّا من شدة الشوق إن کنت من المحبین !
إلاهي بکت للخوف منک عصابة..........وما کل من یبکي لدیک له ذنب
ولکنهم للقرب منک تراهـُـــــــــمُ..........مدامعهم تجري فیا حبذا القـرب
سئل الصادق(ع) عما کان في وصیة لقمان، فقال:« کان فیها الأعاجیب، وکان أعجب ما کان فیها أن قال لإبنه: خف الله عز وجل خیفة لو جئته ببرّ الثقلین لعذبک، وارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثقلین لرحمک. ثم قال(ع): کان أبي یقول: أنه لیس من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نوران: نور خیفة ونور رجاء، لو وزن هذا لم یزد علی هذا، ولو وزن هذا لم یزد علی هذا ».
ورأی یحیی(ع) یوما النبي عیسی(ع) یضحک فعاتبه قائلا:« أتأمن مکر الله؟ قال عیسی(ع): أأنت آیس من رحمة الله وفضله ؟ فأوحی الله إلیهما: من کان یحسن الظن بي أکثر، فهو محبوب عندي أکثر».
قال سبحانه وتعالی:{ ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون } الحجــر٥٦
إنّ مبدأ القنوط من الرحمة ، هو سوء الظن بالذات المقدسة.
ومبدأ حصول الرجاء ، هو حسن الظن بالله تعالی.
علی المؤمن أن یعوّد نفسه علی حسن ظنه بربه في کل أموره، والله عند حسن ظن عبده به.
قال الصادق(ع):« أرج الله رجاء لا يجرؤك على معصيته ، وخف الله خوفا لا يؤيسك من رحمته ».
قال رسول الله(ص):« ما يقطر في الأرض قطرة ، أحب إلى الله من قطرة دمع في سواد الليل من خشيته ، لا يراه أحد إلا الله عز وجل ».
قال الله تعالی:{ ولا تیأسوا من روح الله إنه لا ییأس من روح الله إلا القوم الکافرون } یوسف ٨٧
صدق الله العلي العظيم والحمد لله رب العالمین.