اللهم صل على محمد وال محمد --- aboutaqua@yahoo.it --- اللهم صل على محمد وال محمد

جهــــاد النـــفس

قال الله تعالی:{ والذین جاهدوا فینا لنهدینهم سبلنا وإنّ الله لمع المحسنین } العنکبوت ٦٩
عن النبي(ص) أنه بعث سریة، فلما رجعوا، قال:« مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي علیهم الجهاد الأکبر، قالوا: وما الجهاد الأکبر یا رسول الله ؟ قال: جهاد النفس. ثم قال(ص): أفضل الجهاد، من جاهد نفسه التي بين جنبيه ».
قال الإمام علي(ع) في وصيته عند وفاته:.. والله الله في الجهاد للأنفس فهي أعدى العدو، فإنه قال الله تبارك وتعالى:{ إنّ النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي}، وإنّ أول المعاصي تصديق النفس والركون إلى الهوى ».
من أنواع الجهاد، مجاهدة المؤمن لنفسه في ردعها عن المحرمات وقيامها بأداء الأوامر الشرعية، فإنّ رغبات النفس ـ کما لا یخفی ـ لا تقف عند حدّ، فإذا ما أتبعها الإنسان ولو خطوة واحدة ، فستضطره لإتباعها خطوات وخطوات.. وإذا رضي منها بهوی واحدا، أجبرته علی الرضا بهوی آخر وهکذا..
من هنا وجب مجاهدة هذه النفس.. ذاک الجهاد الذي یسمیه العرفاء بـ: « الموت الأحمر» !
أكيدا بأنه في إبتداء السلوک سيكون صعبا، ولکن بالإقدام والتصمیم وقوة الإرادة وصرف الوقت والفکر والریاضات والمجاهدات.. یستطیع المجاهد ـ وبعون الله ـ الوصول إلی کل مقصد ومقصود.
قال الإمام الصادق(ع):« أقصر نفسك عما يضرها من قبل أن تفارقك، واسع في فكاكها كما تسعى في طلب معيشتك، فإنّ نفسك رهينة بعملك ».
قال أمیرالمؤمنین(ع):« إذا صعبت علیک نفسک ، فآصعب لها، تذلّ لک ».
فمخالفة النفس فیما تهوی وتکره ، من أهم أسس التزکیة وخاصة عند (إصرار) النفس علی رغبة جامحة في مأکل أو ملبس أو منکح.. والوقوف أمام النفس ضروري لتعوید النفس علی التنازل عن هواها لحکم العقل.
فالإنسان عند مخالفة شهوة من شهوات النفس، یحس (بهالة) من السمو والعزة ، فیجد حلاوة الإیمان في قلبه !
یجب أن تتعلم مخالفة النفس والسیطرة علیها ، حتی تصل درجة (التلذذ) من مخالفة النفس والتحکم فيها !
إصبر علی ذلک أیاما، تعقبها راحة طویلة إنشاء الله .
قال الحق سبحانه:{ یا أیها الإنسان إنک کادح إلی ربک کدحا فملاقیه } الإنشقاق ٦
دخل على رسول الله( ص) رجل اسمه مجاشع، فقال:« يا رسول كيف الطريق إلى معرفة الحق؟ فقال(ص): معرفة النفس. فقال: يا رسول الله، كيف الطريق إلى موافقة الحق؟ قال: مخالفة النفس. فقال: يا رسول الله, فكيف الطريق إلى رضاء الحق؟ قال: سخط النفس. فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى وصل الحق ؟ قال: هجر النفس. فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى طاعة الحق ؟ قال: عصيان النفس. فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى ذكر الحق ؟ قال: نسيان النفس. فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى قرب الحق؟ قال: التباعد عن النفس. فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى أنس الحق؟ قال: الوحشة من النفس. فقال: يا رسول الله، كيف الطريق إلى ذلك؟ فقال: الإستعانة بالحق على النفس».
کما أنّ الإنسان في السفر الخارجي المحسوس، لا یکون مسافرا ما دام هو فی مکانه ولم یغادربلدته، کذلک السفر والهجرة إلی الله تعالی، لا تتحقق إلا بعد مغادرة البیت المظلم للنفس، وما دامت العلقة الدنیویة عالقة بقلبه ، فهو لیس مسافرا .
من قواعد السفر إلی الله تعالی، هي السیطرة علی زمام النفس ،
إذ کیف یمکن سوق دابة صعبة القیاد ولجامها بید غیر صاحبها ؟
یجب أن تکون أنت مربي نفسک ومعالج قلبک وطبیب روحک.
" فإنّ المربیة لن تکون أرحم من الأم " !
قال الإمام الباقر(ع):« إنّ المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها ، فمرة يقيم أودها ويخالف هواها في محبة الله ، ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها ، فينعشه الله فينتعش ويقيل الله عثرته فيتذكر، ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف.. ولا فضيلة كالجهاد ولا جهاد كمجاهدة الهوى ».
إنّ مجاهدة النفس حتی درجة السیطرة علیها بکل قواها المختلفة، تجعلها مؤثرة في بعض الأمور.. إذ النفس طاقة من طاقات هذا الوجود ملیئة بالأسرار المذهلة، فکما أنّ الطاقات الأرضیة تعمل الأعاجیب في عالم الآفاق، فکذلک الطاقات الروحیة تعمل الغرائب في عالم الأنفس !!
لکن إنتبه: لا ترتاض للحصول علی قوی النفس وقدرتها وتسلطها.. بل تحرک بخطی الحق للبحث عن الحق سبحانه، واعلم أنه:
« لا مؤثر في الوجود إلا الله » !
إذا وجدت جنود النفس وإبلیس هم الغالبون والمسیطرون فی باطن ذاتک ومملکة روحک، وجب إخراجهم بالجدّ والریاضة فورا، وأن تفرغ نفسک منهم وتقطع ید اللعین عن التصرف بها .
لا شك أنّ الموقف مع النفس دقيق وحرج، ولكنه المحك لقوة الإرادة وتمييز الرجال من أشباه الرجال. وكما أنّ البطل هو الذي يصرع الخصم عند النزال، كذلك المؤمن الحق هو الذي يتغلب على ميول النفس ونزعاتها، ولا يستجيب لأهوائها وشهواتها، بل تكون أسيرة له يأمرها فتطيع، ولا يكون هو أسيرا لها تأمره فيطيع !
قال أحد المؤلفين:« إنّ الشيطان يقرع على باب قلبك، ولكن ثق أنه لن يقوى من تلقاء نفسه على فتح الباب، لأنه رجل مهذب لا يقترف جريمة هتك حرمة مسكنك، بل يكتفي بطلب الإذن بالدخول، فلا تأذن له، وإياك أن توارب الباب، حتى ولا لترى من الطارق ؟ إنّ من يفتح الباب فقد هلك.. إنّ دقيقة واحدة مع الشيطان كافية لأن توردك مورد التهلكة ».
وهذا صحيح، إذ نطق به القرآن الكريم حكاية عن الشيطان في سورة إبراهيم الآية ٢٢ { وقال الشيطان لما قضي الأمر إنّ الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إنّ الظالمين لهم عذاب أليم }.
فليس لإبليس أو الشهوات أو الإرادة الشريرة أو المغريات الخارجية ، ليس لها إلا الدعوة ، وما عليك إلا الرفض إذا أردت أن تكون إنسانا كريما !
قال الإمام علي(ع) مخاطبا الدنيا:« فوالله لا أذل لك فتستذليني، ولا أسلس لك فتقوديني ».
قال رسول الله(ص):« يا أبا ذر، لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك، فيعلم من أين مطعمه ومشربه ؟ ومن أين ملبسه ؟ أمن حل أو من حرام » ؟
قال الإمام علي(ع):« عباد الله، زنوا أنفسکم من قبل أن توزنوا، وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا، وتنفسوا قبل ضیق الخناق، وانقادوا قبل عنف السیاق..».
شروط مجاهدة النفس:
التفکر: علیک بکثرة التفکر في ذات الله تعالی وفي لطائف المصنوعات ودقائق أسرار الوجود..
العزم والإرادة: وهو أن تعزم على ألا تعود إلی ذنب أبدا. ولا تنسی بأنّ أکثر ما یسبب علی فقد العزم والإرادة، هو: الإستماع إلی الغناء !
المشارطة: شارط نفسک في أول یومک علی أن لا تعصي الله أبدا، وکما تشارط شریکک المالي، شارط نفسک.
المراقبة: وهي حراسة النفس، لئلا تجرّ الأعضاء والجوارح إلی إرتکاب المخالفة.
الموازنة: وهي المقارنة بین منافع ومضار أيّ عمل أو سلوک ترید الإتیان به, لترى على أي واحد منها يصح الإقدام عليه؟
المحاسبة: وذلک عند النوم إذا جنّ علیک اللیل، فآجلس للحساب لتحاسب نفسک، ماذا فعلت في یومک وهل أدیت ما اشترطت..؟
المعاتبة: وذلک أن تعاتبها إذا لم تکتسب خیرا.
المعاقبة: وهو معاقبة النفس إذا ما أخطأت وإجبارها علی تحمل الریاضات الشاقة کالصوم والقیام لساعات أطول.. الخ
قال الإمام زين العابدين(ع):« إبن آدم ، إنك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك ، وما كانت المحاسبة لها من همك ، وما كان الخوف لك شعارا والحزن لك دثارا ، إنك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي الله عزوجل ، فأعد جوابا ».
قال الإمام الکاظم(ع):« لیس منا من لم یحاسب نفسه في کل یوم، فإن عمل حسنا إستزاد الله ، وإن عمل سیئا إستغفر الله منه وتاب إلیه ».
عن الإمام علي(ع) عن النبي(ص) أنه قال:« أكيس الكيسين من حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت . فقال رجل: يا أمير المؤمنين، كيف يحاسب نفسه ؟ قال: إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه وقال: يا نفسي، إنّ هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبدا ، والله يسألك عنه: بما أفنيته ؟ فما الذي عملت فيه ؟ أذكرت الله أم حمدته ؟ أقضيت حوائج مؤمن فيه ؟ أنفست عنه كربة ؟ أحفظته بظهر الغيب في أهله وولده ؟ أحفظته بعد الموت في مخلفيه ؟ أكففت عن غيبة أخ مؤمن ؟ أأعنت مسلما ؟ ما الذي صنعت فيه ؟ فيذكر ما كان منه، فإن ذكر أنه جرى منه خير حمد الله وكبره على توفيقه، وإن ذكر معصية أو تقصيرا، إستغفر الله وعزم على ترك معاودته ».
كيفية محاسبة النفس: لقد كان الأولون من الصلحاء ، أشد محاسبة لنفوسهم، من سلطان غاشم ومن شريك شحيح . فإذا بغيت الخلاص لنفسك، فما عليك إلا أن تحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها.. فكما أنّ الإنسان يفتش في حساب الدنيا عن الحبة والقيراط والنقير والقطمير، كذلك ينبغي أن يفتش عن أفعال النفس ويضيق عليها الخناق، وليتق غائلتها وتحايلها فإنها خداعة ماكرة ملبسة، وليدقق في جميع أفعاله وأحواله: في نظره وسمعه ، ونومه وقيامه، وأكله وشربه ، وكلامه وسكوته ، وخواطره وأفكاره.. ويتوجه إلى كل واحد من أعضائه ويتفكر في المعاصي المتعلقة به ، مثل أن ينظر في لسانه ، ويتفكر في أنه هل صدر منه شئ من الغيبة ، أو الكذب ، أو الفحش ، أو فضول الكلام ، أو النميمة ، أو الثناء على النفس.. ثم ينظر في بطنه ، هل عصى الله بأكل حرام أو شبهة ، أو كثرة مانعة عن صفاء الروح.. وهكذا يفعل مع كل عضو. ثم يتفكر في الطاعات المتعلقة بكل واحد منها وفيما خلق هذا العضو لأجله من الفرائض والنوافل، فإن وجد- بعد التفكر- عدم صدور شئ من المعاصي عن شئ منها، وإتيانها بالطاعات المفروضة عليها بأسرها وبالنوافل المرغبة إليها بقدر اليسر والإستطاعة ، فليحمد الله على ذلك ، وإن عثر على صدور شئ من المعاصي أو ترك شئ من الفرائض ، فليتفكر أولا في الأسباب الباعثة على ذلك ، من الإشتغال بفضول الدنيا أو مصاحبة أقران السوء أو غير ذلك ، فليبادر إلى قطع السبب ، ثم التدارك بالتوبة والندم ، لئلا يكون غده مثل يومه .
وهذا القدر من التفكر في كل يوم وليلة ، لازم لكل ذي دين معتقد بالنشأة الآخرة ، وقد كان ذلك عادة وديدنا لسلفنا المتقين في صبيحة كل يوم أو عشية كل ليلة ، بل كانت لهم جريدة يكتبون فيها رؤوس المهلكات والمنجيات ويعرضون في كل يوم وليلة صفاتهم عليها ، ومهما إطمأنوا بقطع رذيلة أو الإتصاف بفضيلة يخطون عليها في الجريدة ، ويدعون الفكر فيها ، ثم يقبلون على البواقي ، وهكذا يفعلون حتى يخطوا على الجميع . ومن كان أقل مرتبة منهم من الصلحاء ربما يثبتون في جريدتهم بعض المعاصي الظاهرة ، من أكل الحرام ، والشبهة ، وفضول الكلام ، والكذب ، والغيبة والمراء، والنميمة ، والمداهنة وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وغير ذلك ، ويفعلون بمثل ما مر .
قال الله سبحانه:{ يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم } الحديد ٢٨
قال الإمام الصادق(ع):« طوبى لعبد جاهد في الله نفسه وهواه ! ومن هزم جند هواه ظفر برضاء الله ، ومن جاوز عقله نفسه الأمارة بالسوء، بالجهد والإستكانة والخضوع على بساط خدمة الله تعالى، فقد فاز فوزا عظيما ، ولا حجاب أظلم وأوحش بين العبد وبين الله تعالى من النفس والهوى ، وليس لقتلهما وقطعهما سلاح وآلة مثل الإفتقار إلى الله والخشوع والجوع والظمأ بالنهار والسهر بالليل ، فإن مات صاحبه مات شهيدا ، وإن عاش واستقام أداه عاقبته إلى الرضوان الأكبر، قال الله عز وجل: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإنّ الله لمع المحسنين ».
كيفية المعاقبة: إذا ما حاسبت نفسك فوجدتها مقصرة في حقوق الله، متوانية بحكم الكسل والبطالة في شئ من الفضائل، فلا ينبغي أن تهملها، إذ لو أهملتها لسهل عليها مقارفة المعاصي بحيث يعسر بعد ذلك فطامها ! فعليك بمعاقبتها على تقصيرها وإجبارها علی تحمل الریاضات الشاقة ، من وظائف العبادات کالصوم والقیام لساعات أطول، والتصدق بما تحبه.. فإذا أكل الإنسان مثلا لقمة مشتبهة ، ينبغي أن يعاقب البطن بالجوع ، وإذا نظر إلى غير محرم يعاقب العين بمنع النظر، وإذا اغتاب مسلما يعاقب اللسان بالصمت والذكر مدة طويلة ، وكذلك يعاقب كل عضو من أعضائه إذا صدرت منه معصية بمنعه من شهواته ، وإذا استخف بصلاة ألزم نفسه بصلاة كثيرة بشرائطها وآدابها ، وإذا استهان بفقير أعطاه صفو ماله ، وهكذا الحال في سائر المعاصي والتقصيرات .
لقد كان رسول الله(ص) يصلي حتى تتورم قدماه ، ويقول:« أفلا أكون عبدا شكورا ». وقد صح عنه(ص):« أنّ لله ملائكة في السماء السابعة سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة ، ترعد فرائصهم من مخافة الله، لا تقطر من دموعهم قطرة إلا صارت ملكا، فإذا كان يوم القيامة، رفعوا رؤوسهم وقالوا: ما عبدناك حق عبادتك..»!
وقيل لربيع بن خثيم : ما لك لا تنام بالليل ؟ قال :« لأني أخاف البيات ». وكان أويس القرني يقول في بعض الليالي:« هذه ليلة الركوع ». فيحيي الليل كله في ركعة ! ويقول في بعضها:« هذه ليلة السجود ». فيحيي الليل كله في سجدة ! وروي أنّ بعضهم نظر إلى إمرأة ، فجعل على نفسه ألا يشرب الماء البارد طول حياته ، فكان يشرب الماء الحار لينغص على نفسه العيش !!
قال بعض أصحاب أمير المؤمنين(ع): صلينا خلفه الفجر، فلما سلم انتقل إلى يمينه وعليه كآبة ، فمكث حتى طلعت الشمس، ثم قلب يديه وقال:« والله لقد رأيت أصحاب محمد(ص) وما أرى اليوم شيئا يشبههم ، وكانوا يصبحون شعثا غبرا صفرا ، بين أعينهم أمثال ركب المعزى ، قد باتوا لله سجدا وقياما، يتلون كتاب الله عز وجل، ويراوحون بين أقدامهم وجباههم، وكانوا إذا ذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح ، وهملت عيونهم حتى تبل ثيابهم ، وكأن القوم باتوا غافلين » ثم نهض، فما رئي ضاحكا حتى ضربه اللعين.
قال الإمام الصادق(ع):« کان في وصیة النبي(ص) لعلي(ع) أن قال: یا علي أوصیک في نفسک بخصال فاحفضها عني، ثم قال: اللهم أعنه . أما الأولی فالصدق ولا یخرجن من فیک کذبة أبدا. والثانیة الورع ولا تجتریء علی خیانة أبدا . والثالثة الخوف من الله عز ذکره کأنک تراه . والرابعة کثرة البکاء من خشیة الله تعالی، یُبنی لک بکل دمعة ألف بیت في الجنة . والخامسة بذلک مالک ودمک دون دینک . والسادسة الأخذ بسنتي في صلاتي وصومي وصدقتي: أمّا الصلاة فالخمسون رکعة، وأمّا الصیام فثلاثة أیام في الشهر: الخمیس في أوله والإربعاء في أوسطه والخمیس في آخره. وأمّا الصدقة فجهدک حتی تقول قد أسرفت ولم تسرف. وعلیک بصلاة اللیل وعلیک بصلاة اللیل وعلیک بصلاة اللیل، وعلیک بصلاة الزوال وعلیک بصلاة الزوال وعلیک بصلاة الزوال. وعلیک بتلاوة القرآن علی کل حال، وعلیک برفع یدیک في صلاتک وتقلیبهما، وعلیک بالسواک عند کل وضوء. وعلیک بمحاسن الأخلاق فارتکبها ومساویء الأخلاق فآجتنبها ، فإن لم تفعل فلا تلومنّ إلا نفسک ».
قال الإمام علي(ع):« ما عبدتک طمعا في جنتک ولا خوفا من نارک ، بل وجدتک أهلا لذلک فعبدتک » !
إنّ الصلاة التي تقام للحصول علی الشهوات الدنیویة والأخرویة، لیست تلك الصلاة التي هي معراج المؤمن، بل هي صلاة تقربنا من الحور العین، ولکن في المقابل تبعدنا عن ساحة القرب الإلاهي.
قال الصادق(ع):« العبادة ثلاث: قوم عبدوا الله عز وجل خوفا، فتلک عبادة العبید، وقوم عبدوا الله تبارک وتعالی طلبا للثواب، فتلک عبادة الأجراء، وقوم عبدوا الله عز وجل حبّا له، فتلک عبادة الأحرار وهي أفضل العبادات ».
يقول الإمام الرضا(ع):« الصلاة قربان کل تقي ».
قال الله تعالی:{ إنّ الصلاة کانت علی المؤمنین کتابا موقوتا } النساء ١٠٣
علیک بالمحافظة علی الصلاة في أول وقتها، فلا تقدم التوافه من الأمور علی اللقاء مع رب العالمین !
فما دام العبد لا یهتم بمواعید الحق، فکیف یتوقع مسارعة الحق في تلبیة ندائه.. کما یدین العبد، یُــــدان..؟!
لقد کان النبي(ص) إذا دخل وقت الصلاة ، کان کمن لا یعرف أهلا ولا حمیما ، شغلا بالله عن کل شيء !
تروي عائشة عن النبي(ص):« أنه کان یحدثنا ونحدثه ، فإذا حضرت الصلاة ، فکأنه لم یعرفنا ولم نعرفه ، شغلا بالله عن کل شيء ».
قال الإمام الصادق(ع):« من صلی الصلوات المفروضات في أول وقتها وأقام حدودها ، رفعها الملک إلی السماء بیضاء نقیة تقول: حفضک الله کما حفضتني، استودعتني ملک کریم . ومن صلاها بعد وقتها من غیر علة ولم یقم حدودها ، رفعها الملک سوداء مظلمة وهي تهتف به: ضیعتني ضیعک الله کما ضیعتني ، ولا رعاک الله کما لم ترعني ».
قال النبي(ص):« ما من صلاة یحضر وقتها ، إلا نادی ملک بین یدي الناس: أیها الناس، قوموا إلی نیرانکم التي أوقدتموها علی ظهورکم، فأطفئوها بصلاتکم ».
قال سبحانه وتعالی:{ قد أفلح المؤمنون الذین هم في صلاتهم خاشعون } المؤمنون ٢
قال الإمام الباقر(ع):« إنما لک من صلاتک ما أقبلت علیه منها ، فإن أوهمها کلها أو غفل عن آدابها ، لفت فضرب بها وجه صاحبها».
إنّ شقائنا في أننا نترک کل أفکارنا المتشتتة إلی وقت العبادة ، وعند تکبیرة الإحرام وکأننا فتحنا باب المتجر، وعندما ننتبه للعبادة نجد أنفسنا في نهایة الصلاة !
قال الصادق(ع):« لا تتهاون بصلاتک فإنّ النبي(ص) قال عند موته: لیس مني من استخف بصلاته ، لیس مني من شرب مسکرا، لا یرد علي الحوض لا والله ».
علی السالک, في الصلاة, إمساک طائر الخیال وإلجامه كلما أراد أن یتحول من غصن إلی غصن.. فبعد فترة من الترویض شيئا فشيئا سیرضخ إنشاء الله ویهدأ .
إنها إحدی وسائل الشیطان لجلب الشقاء للمصلي.. فانتبه !
يقول الإمام الصادق(ع):« یا عبد الله، إذا صلیت فصل صلاة مودّع یخاف أن لا یعود إلیها أبدا ، ثم اصرف ببصرک إلی موضع سجودک، فلو تعلم من علی یمینک وشمالک لأحسنت صلاتک، وآعلم أنک بین یدي من یراک ولا تراه ».
إنّ لکل رکعة من الصلاة روحها ورائحتها الخاصة بها.. ولکل جزء من أجزائها طعمه المتمیز.. ففي الرکعة الأولی نجد نشاط البدء في مواجهة الحق بعد طول إنتظار.. وفي الثانیة قنوت وحدیث مسترسل مع الربّ المتعال.. والثالثة هي بدایة النصف الأخیر من التنزل التدریجي بعد العروج وما یصاحبها من الإشفاق من قرب الرحیل.. والرابعة یشرف فیها علی الخروج من هذا اللقاء المبارک، بما یصحبه من ألم الوداع والفراق..!
قال رسول الله(ص):« ما من مؤمن إلا ولقلبه في صدره أذنان: أذن ینفث فیها الملک ، وأذن ینفث فیها الوسواس الخناس ، فیؤید الله المؤمن بالملک وهو قوله سبحانه: وأیدهم بروح منه ».
إذا خالفت الشیطان في الوسوسة فترة من الزمن ولم تلق بالا لوساوسه ، فسینقطع طمعه عنک، وتعود السکینة إلی نفسک إنشاء الله.
قال الإمام الصادق(ع):« لا یرکع عبد لله رکوعا علی الحقیقة، إلا زینه الله تعالی بنور بهائه ، وأظله في ظلال کبریائه ، وکساه کسوة أصفیائه . وفي الرکوع أدب وفي السجود قرب، ومن لا یحسن الأدب لا یصلح للقرب ».
إنّ حضور القلب لا یحصل إلا بتفریغه وتکریس الوقت له، فعلیک أن تـفهم القلب أهمیة العبادة وبالوقت الخاص بالعبادة فقط .
العبادة بلا حضور قلب، لا تورث القلب إلا قساوة !
قال الإمام زين العابدين(ع) لأهله، بعد أن سقط ولدها في البئر، والإمام(ع) مقبل علی صلاته:« لو ملت بوجهي عنه ، لمال بوجهه عني، فمن ترین أرحم بعبده منه » ؟!
قال الحق عزت آلاءه:{ ألم یأن للذین آمنوا أن تخشع قلوبهم لذکر الله وما نزل من الحق } الحدید ١٦
يا أبو تقوى: إجعل مناجاتک بمثابة التحدث مع صدیق عزیز علیک أو مع شخص محترم، فإنک تقبل علیه بکل وجدانک ولا ینشغل فکرک في أمور أخری.. فما بالک بولي النعمة جلت عظمته ؟!
إنّ مولی الموالي، الإمام علي(ع)، انتزعوا السهم من قدمه الشریفة وهو في الصلاة !!
إنّ عدم إدراک الألم حین التوجه إلی شيء لیس صعبا ، لأنّ النفس عندما تلتفت بصورة تامة إلی شيء، تغفل عن ملک البدن وتتحول الهموم كلها إلی همّ واحد !
قال الله تعالی:{ فلما رأینه أکبرنه وقطعن أیدیهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملک کریم } یوسف ٣١
وقد روي، أنّ أهل مصر مكثوا أربعة أشهر لم يكن لهم غذاء إلا النظر إلى وجه يوسف الصديق(ع)، كانوا إذا جاعوا نظروا إلى وجهه ، فشغلهم جماله عن الإحساس بالجوع !
فالمستغرق في صلاته لا یحتاج إلی استحضار صورة حسیة یستحضرها في الصلاة.. وذلک لإنشغاله بصور أرقی متمثلة بکسوة الجلال التي تغشي المصلي في صلاته .
« لو یعلم المؤمن ما یغشاه من جلال الله ، ما سره أن یرفع رأسه من سجوده »!
قال النبي(ص):« إنّ العبد إذا قام في الصلاة ، رفع الله الحجاب بينه وبين عبده ، وواجهه بوجهه وقامت الملائكة من لدن منكبيه إلى الهواء ، يصلون بصلاته ويؤمنون على دعائه ، وإنّ المصلي لينشر عليه البر من أعنان السماء إلى مفرق رأسه ، ويناديه مناد: لو علم المصلي من يناجي ما التفت . وإنّ أبواب السماء تفتح للمصلين ، وإنّ الله يباهي ملائكته بصدق المصلي ».
إنّ رفع الحجاب وفتح أبواب السماء ، كناية عن إفاضة العلوم الباطنية على المصلي !
قد تقول بأنك لا تقدر علی الترکیز في صلاتك، والحال أنك تملک أعلی صور الترکیز الذهني في مجال عملك أو أيّ مجال آخر.. والسرّ في ذلک هو رغبتك الأکیدة في مثل ذلک الترکیز، طمعا لما وراءه من المنافع والمکاسب.. فلو تتحقق فیك الرغبة في الترکیز عند الصلاة والدعاء طلبا لعظیم المنافع ، لأمکنك مثل هذا الترکیز أیظا، بل أشد من ذلک..
قال الإمام الصادق(ع):« یرفع للرجل من الصلاة ربعها أو ثمنها أو نصفها أو أکثر بقدر ما سها، ولکن الله تعالی یتم ذلک بالنوافل ».
يا أبو تقوى: إذا قمت بين يديه تعالى، فأشعر قلبک بأنک حاضر عند ساحة کرمه وفي محفل الأنس ومحضر القدس، حتی تتکامل إنشاء الله ويتنور قلبك ویصبح محلا للتجلیات.. وتكون تلك الأنوار مفاتيح للعلوم الباطنية !
إنک إذا سلمت القلب إلی صاحبه وأعرضت عن غیره ولم تدفع البیت إلی الغاصب اللعين، تجلی فیه صاحبه.. وتجلي الغني المطلق یدفع إلی الغنی المطلق بالعزة والغنی، وینهض صاحب البیت بإدارة أموره بنفسه ولا یترک الإنسان لوحده ، وإنما یتدخل ویتصرف في جمیع شؤون عبده .
بل یصبح هو سمعه وبصره ویده ورجله !!
عن أبي عبد الله(ع):« لما أسري بالنبي(ص) قال: یا رب ماحال المؤمن عندک ؟ قال: یا محمد، من أهان لی ولیا فقد بارزني بالمحاربة، وأنا أسرع شیئا إلی نصرة أولیائي. وما ترددت في شيء أنا فاعله کترددي في وفاة المؤمن یکره الموت وأکره مسائته. وإنّ من عبادي المؤمنین من لا یصلحه إلا الغنی ولو صرفته إلی غیر ذلک لهلک. وما یتقرب إليّ عبد من عبادي بشيء أحبّ مما افترضت علیه، وإنه یتقرب إليّ بالنافلة حتی أحبه، فإذا أحببته، کنت إذن سمعه الذي یسمع به وبصره الذي یبصر به ولسانه الذي ینطق به ویده التي یبطش بها، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطیته ».
إنّ هذا السمع, إذا بذله الإنسان في طاعة النفس والشیطان وما یلهي عن الرحمان، بطل سمعه الروحاني، وأما إذا بذله في طاعة ربه أبدله الله سمعا خیرا منه، سمعا کاملا روحانیا فهو یسمع کلام الملائکة ویصغي إلی خطاب الرب تعالی في الآخرة والأولی، ویفهم کلام الله والأنبیاء والأوصیاء(ع)..!
وکذلک البصر إذا صرفه العبد في مشتهیات نفسه، ذهب الله بنوره وأعمی عین قلبه، وإذا بذله في طاعة ربه، نوّر الله عین قلبه وأعطی بصره نورا أعلی وأقوی ینظر به إلی الملکوت الأعلی، ویتوسم في وجوه الخلق ما لا یعرف غیره ، ویری الملائکة الروحانیین..
جاء عن الإمام زين العابدين(ع):« ألا إن للعبد أربع أعين: عينان يبصر بهما أمر دينه ودنياه ، وعينان يبصر بهما أمر آخرته ، فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح له العينين في قلبه ، فأبصر بهما الغيب في أمر آخرته ».
{ إنّ في ذلک لآیات للمتوسمین }.
« إتقوا فراسة المؤمن فإنه ینظر بنور الله ».
قال الله تعالی:{ قل للمؤمنین یغضوا من أبصارهم }.
وقال:{ وقل للمؤمنات یغضضن من أبصارهن } النــور٣١
وجاء في الحديث:« لا تکوننّ حدید النظر إلی ما لیس لک، فإنه لن یزني فرجک ما حفضت عینک. فإن قدرت أن لا تنظر إلی ثوب المرأة فافعل » !
کذلک قوة البطش البدنیة، إذا صرفها السالک في طاعة الله وقربه ونهکها بالریاضات الحقة، أعطاه الله قوة روحانیة لا تضعف بالأمراض، بها یقدر علی التصرف في عالم الملک والملکوت..
قال أمير المؤمنين(ع):« ما قلعت باب خیبر بقوة جسمانیة بل بقوة ربانیة ».
کذا النطق، إذا صدق فیه وکان موافقا لعمله ومصادفا لرضا ربه، فتح الله به ینابیع الحکمة من قلبه علی لسانه..
« لا یسعني أرضي ولا سمائي, بل یسعني قلب عبدي المؤمن ».
وبعد طي جمیع المراحل، یشرع العبد في السلوک إلی الله بالمدد الباطني الغیبي ویکون القلب طالبا للحق فاحصا عنه، ویغسل الید والوجه من قذارات الإلتفات إلی الغیر ویترنم:« وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنیفا مسلما وما أنا من المشرکین ».
یا أبو تقوی: إسعی لأن تغادر هذا البیت المظلم للنفس ببرکة ترویض النفس وأنوار الهدایة، وإذا ما تحقق لک ذلک ـ إنشاء الله ـ فستنفتح أبواب قلبک علی العلوم والمکاشفات وتلقی المعارف في قلبک، وتشاهد جمال الجمیل..
وهذا الفتح یدعی بـ :(الفتح القریب) لأنه أول الفتوحات وأقربها.
ثم ( الفتح المبین), و( الفتح المطلق) !
قال سبحانه وتعالی:{ ومن یخرج من بیته مهاجرا إلی الله ورسوله ثم یدرکه الموت فقد وقع أجره علی الله } النساء ١٠٠
من یخرج من بیت نفسه ویهاجر إلی الحق في الرحلة المعنویة، ثم یدرکه الفناء التام ، کان أجره علی الله تعالی..
إنّ مثل هذا المسافر لا یستحق أجرا ولا مکافأة ، إلا مشاهدة الذات المقدسة والوصول إلی الفناء في حضرته.
سئل رسول الله(ص) عن شرح قوله تعالی:" فمن یرد الله أن یهدیه یشرح صدره للإسلام"، قال:« التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلی دار الخلود، والإستعداد للموت قبل نزوله ».
إنّ الأنبیاء والأئمة(ع)، كانوا یدمنون البکاء علی مرّ السنین علی إشتغالهم بالمباحات: من قبیل الأکل والشرب والنکاح.. کانوا یبکون خوفا من أن یکون إشتغالهم بالمباح، مانعا لهم من الوصول إلی الدرجات العالیة في جوار ربّ العالمین ومسقطا لهم من رتبة المقربین !
" إنّ المُنعّم المترف لا یصل إلی الحبیب، فالعشق من شیم الرجال الذین یتحملون البلاء " !
إعلم بأنک قد بدأت سفرک نحو هدف وغایة، فعلیک بقوة الإرادة والعزم علی الوصول إلی الهدف، ألا وهو رضی المحبوب سبحانه!
فسارع في المجاهدة واجتثاث المفاسد التي فیک، قبل استفحال الأمر والتمکن فیک أکثر.
تمعن: إنّ الشجرة المغروسة حدیثا، تنقلع بضغط قلیل وبلا تعب، فما کان جذره أصغر وأغضّ، کان ألمه وعذابه أقل. ولکن إذا مرّ علی هذه الشجرة سنوات، ضربت بجذورها في أعماق التربة ونشبت مخالبها الأصلیة والفرعیة في باطنها واستحکمت، فقلعها عندئذ یحتاج إلی فأس لیقطع جذورها ویکسرها..
ولو کان للشجر إحساس بالألم، فکم سیکون عناءه ؟!
أتروض عرسك بعد ما هرمت..........ومن العناء رياضة الهرم!
کذلک إذا تقاعست وأبطأت في مساعیک لاقتلاع جذور المفاسد من قلبک وروحک، إزداد تعبک وعنائک في اجتثاثها فیما بعد!
إنّ أفضل علاج لدفع المفاسد الأخلاقیة، هو أن تأخذ کل واحدة تراها في نفسک علی حِدَة ، وتنهض بعزم علی مخالفة النفس وتعمل عکس ما ترجوه منك .
إنّ هذه الجوارح والجوانح التي وهبها لک الله سبحانه وتعالی، هي أمانة في عنقک، فإذا ما استعملتها ـ لا سمح الله ـ علی خلاف رضا الحق فقد خنت الأمانة !
تصور: لو أنّ طفلا صغیرا أخبرک مثلا بأنه وقع حریق في بیتک ـ لا سمح الله ـ أو أنّ إبنک غرق في الماء.. ماذا کنت تفعل؟ هل کنت تواصل في عملک ومرحک بکل إطمئنان وراحة بال، أم أنک تهرول مسرعا للتثبت في الأمر؟!
فما الذي حصل لک إذن یا مسکین؟ رغم کل هذه الآیات والآخبار والبراهین والمواعظ.. إلا أنها لم تؤثر فیک تأثیر خبرعن طفل صغیر؟!
لو أنها أثرت فیک، لسلبت الراحة منک، ولمَا أعمی دخان الشهوة والغضب عین قلبک، وأصمّ سمعک عن سماع صوت الحق !!
قال الله تعالی:{ ولقد ذرأنا لجهنم کثیرا من الجن والإنس لهم قلوب لا یفقهون بها ولهم أعین لا یبصرون بها ولهم آذان لا یسمعون بها أولائک کالأنعام بل هم أضل أولائک هم الغافلون} الأعراف١٧٩
علیک أن تدرک دائما وأبدا وفي جمیع الحالات، ضعتک وحقارتک، هذا أولا، وثانیا عظمة رب الأرباب وملک الملوک سبحانه وتعالی، حینها ستفهم بأنّ التجرؤ والعـصیان في محضر مثل هذا السلطان العظیم الشأن، هو أمر في منتهی الشناعة والقبح والشقاوة !
أنسیت من أنت؟ ومن أین أتیت؟ أنت خلقت من نطفة لو مستها یدک لآستقذرتها ولتطهرت منها یا مسکین !!
ما هذا التواني؟ أنسیت الموت الذي لا بد من الورود علیک علی حین غفلة، فیهدم أرکان لذتک ویخرب بنیان غرائزک ؟!
قال النبي(ص):« من تذکره في الیوم واللیلة عشرین مرة ، یحشر مع شهداء احد ».
فإذا کنت مسافر حقا، فهیّأ الزاد والعتاد فإنّ السفر طویل، وتفکر في حال من کان معک بالأمس أین هو الآن ؟ لقد انتقل من أنس العشرة إلی وحشة الهجرة ، ومن فسحة الدار إلی ضیق القبر، ومن الترف والتنعّم وحسن الصورة ، إلی قبح المنظر وسوء المآل.
وإن شِـئت فاسأل قبره :
بالله یا قبر، هل زالت محاسنه وهل تغیّر ذاک المنظـُـرُ النـّظرُ؟
فسیقول لک: لقد تبددت عظامه عن بعضها مفصلا مفصلا، وأفنت الدیدان لحمه وشحمه !
لا تنسى بأنّ بین الموت والقیامة ألف ألم وحزن.. أیسرها نزع الروح ومرارة الإحتضار، وصولا إلی شمس تلهب فوق الرؤوس وأرض أحمی من فرن الحداد !
قال الإمام علي(ع):« الناس نیام ، فاذا ماتوا انتبهوا ».
وقال النبي(ص):« یحشر بعض الناس علی صور تحسن عندها القردة والخنازیر».
« إننا شفعائکم یوم القیامة ولکن تزودوا لبرزخکم ».
تمعّـن: لو أنّ نارعالم الدنیا بأسرها اجتمعت بعضها فوق بعض، فلن تقدر علی إحراق فؤاد الإنسان، لأنّ الفؤاد من مراتب الملکوت ولا تصل النار الملکیة إلیه !
أما نار جهنم ـ أجارنا الله منها ـ فهي محیطة بالباطن أکثر من إحاطتها بالظاهر، إذ کما تحرق الجسم بظاهره وباطنه، کذلک تحرق الروح والفؤاد !
قال سبحانه وتعالی:{ إنّ الذین کفروا بآیاتنا سوف نصلیهم نارا کلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غیرها لیذوقوا العذاب } النساء٥٦
قال أمير المؤمنين(ع):« حرام علی کل نفس أن تخرج من الدنیا، حتی تعلم أنها من أهل الجنة هي أم من أهل النار».
في البرزخ، الذي هو عالم وسط بین هذا العالم وعالم القیامة، تنفتح علی الإنسان کوة من الجنة أو من النار..
ساعة المعاینة عند الموت، تنکشف لک بعض مقاماتک وأحوالک، فإن کنت ـ یا أبوتقوی ـ من أهل هذه النشأة وتخدّرت من سکر الطبیعة.. فواحسرتک! وامصیبتک !
وإن کنت من أهل الآخرة ، فوابشراک! واسعداک!
كان الصلحاء يتخذون من أسلوب التذكر بالموت وما بعده وسيلة لترويض أنفسهم وتعميق التقوى في قلوبهم، عملاً بقول الإمام علي(ع):« أكثروا ذكر الموت فإنه هادم اللذات ».
وكان فيهم من حفر لنفسه قبراً في منزله، وكفنه دائما على سجادة صلاتهً.. وعندما يقوم لصلاة الليل، يلبس الكفن ثم ينزل داخل القبر ويحدّث نفسه قائلاً: يا فلان، إعتبر نفسك الآن ميتاً، وهذه حفرتك التي يدفنونك فيها شئت أم أبيت.. قل لي: من يفيدك هنا غير عملك الصالح؟!.. فلِمَ لا تستزيد منه، ولماذا تغفل عن مصيرك هذا، ولِمَ لا تمهّد لرقدتك هذه.." يردّد هكذا ويكرّر ويبكي، ثم يتلو الآية الشريفة:{حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب إرجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يُبعثون} المؤمنون ٩٩
ثم يوبّخ نفسه قائلاً: اسكت، إنك لا تستحق العودة إلى الحياة فقد ضيعت الفرص التي منحها الله إياك، ولكنه يعود ويلتمس ويتعهد أن يعمل صالحاً فيقول لنفسه: " قم واخرج، لقد سمحنا لك هذه المرة بالعودة..! وإياك أن تعود إلى حفرتك وأنت خالي اليدين من الباقيات الصالحات".
وهكذا يقوم خارجاً من القبر مؤتزراً كفنه، وهو يشكر الله على منحه فرصة الحياة، ونعمة العودة لاكتساب الحسنات.!
لذلك، یحسن بک بین فترة وأخری، أن تفترض نفسک قد نزل بک الموت علی حین غفلة، ثم أذن لک بالخروج من القبروآستئناف الحیاة من جدید، ولکن(بکفالة مضمونة)، وذلک حتی تعوض عن تقصیرک.. فتری مدی إستعدادک لمواجهة ذاک المصیر المهول.. قال الله تعالى:{ ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فآرجعنا نعمل صالحا إنا موقنون } السجدة ١٢
والمطلوب من العبد في مثل هذه المراجعة، هو تصفیة حقوق الخلق والإنابة إلی الخالق جل جلاله، ولیذکر بأنّ التصفیة عند الإحتضار وفي البرزخ هي أمر وأدهی.. وقد عبرعنه الإمام الهادي(ع) بالحمام !
فالأولی بالعبد أن یدخل الحمام بنفسه قبل الموت، لئلا یجبر علی دخولها بعد الموت بما في ذلک من ذل وقسر وطول مکث !
فکم ستکون تعاستک ـ یا أبو تقوی ـ یوم یرفع حجاب الطبیعة عن بصرک، وتعاین أنّ کل ما مشیت وسعیت له کان في طریق شقاوتک!
قال رسول الله(ص):« القبرإمّا روضة من ریاض الجنة ، أو حفرة من حفر النیران ».
وقال الصادق(ع):« یسلـّط علی الکافر في قبره تسعة وتسعون تنینا، لو أنّ تنینا منها نفخ في الأرض، لم تنبت زرعا ».
إنّ أهل المعرفة یقولون بأنّ المؤذیات التي تتسلط علی الإنسان في القبر، هي ظهور ملکوت الأخلاق الذمیمة التي للإنسان في دار الدنیا.
وجهنم ما هي إلا رحمة في صورة الغضب لبعض الذین لهم إستعداد للوصول إلی السعادة، ولولا التخلیصات والتطهیرات التي تحصل بالإبتلاءات في دار الدنیا.. ثم التطهیرات في عالم البرزخ.. لما رأی الناس وجه السعادة أبدا !
قال أمير المؤمنين(ع):« ما من عبد أسرّ خیرا فذهب الأیام أبدا حتی یظهر الله له خیرا، وما من عبد أسرّ شرّا فذهب الأیام أبدا حتی یظهر الله له شرا ».
ما أقبح العبد الذلیل المستغرق في النعم الإلاهیة آنا فآنا، والماثل في محضر الحق سبحانه{ وهو معکم أینما کنتم }، ومع هذا یهتک حجاب الحیاء ویمتطي صهوة الجرأة علی الله تبارک وتعالی، ویرتکب المناهي في حضرة ملک الملوک وسلطان السلاطین !
إنّ سلیمان(ع) ما تمکن من تسخیر الإنس والجن إلا بعد ما هزم في وجوده الشریف، العسکر المشؤوم المتکون من نفسه (الأمارة) ومن إبلیس، وسلـّـط جند العقل علی حصن القلب الحصین..
إذا بغیت لنفسک الخلاص، فعلیک بالایمان الصادق.. لأنک ما لم تکتب الکلمة المبارکة ( لا الاه الا الله ) بقلم العقل علی لوح القلب الصافي ، فلست بمؤمن !
ومثل الإیمان، کإنسان حمل مصباح وسلک طریقا مظلما ، کلما تقدم خطوة ، أضاء أمامه للخطوة اللاحقة .
إعلم یا أبوتقوی، أنّ أعمالک کل یوم وکل صباح وکل مساء تعرض علی النبي(ص) وعلی الأئمة(ع) وخاصة صاحب العصر(عج).
فآستحیي یا مسکین أن یجدوا صلوات الله وسلامه علیهم ولو سیئة واحدة من سیئاتک فیتأذوا منها !
عن أبي عبدالله(ع) في وصيته لإبن جندب(رض):« يا ابن جندب، حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه ، فيكون محاسب نفسه ، فإن رأى حسنة إستزاد منها، وإن رأى سيئة إستغفر منها ، لئلا يخزى يوم القيامة ».
علی الإنسان أن يسعى لإصلاح نفسه حتی وإن تقدمت به السن، فلا ییأس من إستئصال جذور هذه الشجرة الخبیثة التي مدت بعروقها إلی أعماقه.
طبعا سیتعب أکثرـ کما قلنا ـ كما لو کان شابا أو طفلا، ولکن بشدة الریاضات النفسانیة وکثرتها ومشقة الریاضات الروحیة وبتوفیق من الله وعونه ، سیصل إلی تحقیق غایته ونیل منیته.
الناس إستطاعوا ترویض السباع والصقور، وأنت يا مسكين عاجز حتی عن ترویض نفسک التي بین جنبیک ؟!
لإصلاح نفسك، علیک بما يلي:
الأعمال القلبیة: وهوتخلیص القلب من الحجب الطبیعیة ، وأهمها حب الدنیا وحب النفس والإعجاب بها.
الأعمال القالبیة: وهو الإشتغال بالعبادات والأذکار والأوراد وتلاوة القرآن مع حضور القلب.
إنّ عمر الآخرة لا نهایة له، والإنسان خلق للحیاة الأبدیة، وقد جعل الله هذه الدنیا مزرعة للآخرة ، فتصور لو أنّ هذا العمر القصیر، استغرقناه فقط في العبادة بحیث لم نعص الله فیه طرفة عین، ولم نصرف مقدار نفس من الأنفاس إلا في طاعة الله سبحانه، فإنه حتما قلیل جدا ولا یقارن مع الحیاة الأبدیة هناک !
كان من دعاء السجاد(ع):« اللهم إجعل همسات قلوبنا وحرکات أعضائنا ولمحات أعیننا ولهجات ألسنتنا، في موجبات ثوابک».
« إلاهي.. وأستغفرک من کل لذة بغیر ذکرک, ومن كل راحة بغير أنسك, ومن كل سرور بغير قربك, ومن كل شغل بغير طاعتك». !
علی طالب الوصول إلی الحق أمور:
( التخلیة): وهي واجبة ومن باب المقدمة ، وهي تطهیر القلب وتنظیفه من الأنجاس(الأخلاق الرذیلة)، بل تطهیره من کل شيء سوی الحق جل جلاله ، فلا یکون له شغل إلا بالقلب والمعشوق المستولي علی القلب. وهذه هي « التخلیة ».
( التجلیة والتحلیة): بعد أن تزین القلب وتصقله بالطاعات والعبادات والصفات الحسنة والأخلاق الکریمة ، یصبح لقلبک القابلیة لظهور وحضور حضرة الحق جل وعلا فیه. وهذه هي «التجلیة والتحلیة ».
{ إنما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت ویطهرکم تطهیرا}.
إنّ الإحساس بالتجلیات الإلاهیة، نعم العون علی المسیر. فإنّ العبد کلما کـُــشف له الغطاء، إزداد شوقا لما أجلی وأحلی إذ لا تکرار في التجلي.. فلکل إطلالة من عالم الغیب ، بهاء وجذب خاص للعبد تختلف عن سابقتها..
ومن هنا فإنّ الأولیاء المتنعمین بلذة التجلیات، لا یکاد ینتابهم ضیق في الحیاة بکل مرارتها، لأنّ لذة الوصل ینسیهم ألم کل فراق!
علیک بترک ما سوی الله وتخلیة القلب من کل ما یصدک عن ذکره جل شأنه ، إلا بمقدار الضرورة وأداء الواجب!
فضلاعن إجتناب المحرمات والمکروهات، علیک أیظاـ إن قدرت ـ ترک المباحات، لأنّ الله لا یحب لعبده أن ینشغل عنه بسواه !
إحتط من نفسک، وانظر إلیها نظرک إلی الخائن، فلا تأمنها لا سیما إذا وجدتها تلح علی مطلب إلحاحا شدیدا ، فاعلم أنّ لها غرظا في تـلک النقطة فلا تغفل.
قال الصادق(ع):« شیعتنا ، أصحاب الإحدی وخمسین رکعة ».
فعلیک بالمحافظة علی الخمسین رکعة (الفرائض والنوافل)، فهي من السنن المؤکدة، مع رکعتي «الغفیلة» بعد المغرب ورکعتین من جلوس بعد صلاة العشاء وهما رکعتي«العتمة» بدیلا الوتر.
قال النبي(ص):« لولا أن أشق علی أمتي، لأمرتهم بالسواک عند وضوء کل صلاة ».
وقال أبي عبد الله(ع):« صلاة رکعتان بالسواک، أفضل من سبعین رکعة بغیر سواک ».
السواک والعطر من المستحبات المؤکدة في الصلاة، فلا تغفل.
إذا نویت قیام اللیل، فآجعل أول اللیل وقت نومک ما أمکنک، فلا تسهـر بلا فائدة فیفوتک آخر اللیل، ولیکن ذلک علی ما ذکر في آداب النوم ومنها: النوم علی طهارة ، تسبیحات الزهراء(ع)، قراءة التوحید ثلاثا، قراءة سورة التکاثر، الإستغفار، النوم علی الجنب الأیمن مستقبلا جهة القبلة، وقراءة آخر آیة من سورة الکهف لأجل الإستیقاظ لصلاة اللیل..
{ الله یتوفی الأنفس حین موتها والتي لم تمت في منامها } .
ولا تنسى بأنّ « النوم أخو الموت ».
فعندما تتهیأ للنوم ـ الموت الأصغرـ تهیأ لتسلیم الروح لحضرة الحبیب جلت عظمته، وقل: إنّ هذه الروح أودعها الحبیب عند أبو تقوی، وسأری طلعته یوما فأسلمها له.. واشـتغل بالتوجه إلی حضرة الحق وتسلیم نفسک إلیه حتی یختطفک النوم .
فإذا استغرقت في النوم کنت في قبضة قدرته تعالی اسمه، فإن هو لم یعد الروح إلی البدن، فهو الموت الحقیقي کما قال في الآیة الشریفة: { فیمسک التي قضی علیها الموت ویرسل الأخری إلی أجل مسمّی}.
فإذا أنت قمت من نومک، أسجد سجدة الشکر وآذکر نعمة العودة للحیاة وآحمده علی إعطائک فرصة أخری، ولا تنسی أنّ الآلاف تمنوا أن یستجیب الله لهم في ذلک{ رب ارجعون لعلـّي أعمل صالحا فیما ترکت}.. فلم یسمعوا جوابا سوی قوله:
{ کلا إنها کلمة هوقائلها } !
خصص وقـتا لقراءة نصیب من القرآن کأوائل سورة الحدید وأواخر سورة الحشر.. وذلک في أواخر اللیل أو بین الطلوعین مع الطهور وحضور القلب.
أحیي قلبک بالذکر المبارک( یا حي یا قیوم ) و( لا الاه إلا الله) وبالدعاء الیونسي:(لا إلاه إلا أنت سبحانک إني کنت من الظالمین). فإنه مفید للترقیات الروحیة ، ویُرجی أن یأخذ الله سبحانه بیدک وتری لقلبک تغیرا وصفاء وطهرا لا عهد لک بهما.
علیک بالسجدة الطویلة، فإنّ هناک من کان یسجد هذه السجدة ویردد هذه الأذکار الشریفة ألف مرة !
وهناک من کان یسجد هذه السجدة بعد صلاة الصبح، ولا یرفع رأسه من السجود إلا عند زوال الشمس .
وكان العابد الجليل بن فضال، یخرج إلى الصحراء ویبقی ساجدا بالساعات ، فتأتي الطیر فتقع علیه والوحوش ترعی حوله ، ولا تنفر منه بل تستانس به..!
" لو علم المدبرون کیف اشتیاقي لهم ، لماتوا شوقا " !!
علیک بصیام ثلاثة أیام من کل شهر کما في الحدیث، أول الخمیس (وهو یوم عرض الأعمال)، الإربعاء الأول من العشرة الثانیة (هو یوم نحس)، ثم الخمیس الأخیر(یوم عرض الأعمال أیظا).
واضب تمام المواضبة علی تلاوة دعاء الغیبة، ودعاء الفرج ، وزیارة عاشوراء، والزیارة الجامعة الکبیرة، والمناجات الخمسة عشرة.. وعلی دوام الإلتفات إلی الإمام المهدي(عج) والتوسل به، لأنه هو واسطة الفیض في هذا العصر، ولا تغفل أن تهدي إلیه من حين إلى حين صلاة ركعتين مثلا، أو ختمة للقرآن الکریم..
إسمع إلیه وهو یدعو لشیعته:
« اللهم إنّ شیعتنا منا خلقوا من فاضل طینتنا، وعجنوا بنور ولایتنا، فولنا أمورهم، واغفر لهم ما فعلوه من ذنوبهم إتکالا علی محبتنا، وإن خفـّت موازینهم، فثقلها بفاضل حسناتنا ».
واضب على إخراج صدقة الیوم حتى وإن کانت شیئا یسیرا.. وعلى أن تکون دائما علی وضوء: فإنّ الطهارة الظاهریة توجب الطهارة الباطنیة.. وجدد الوضوء مع کل حدث.
قال المصطفى(ص):« یقول الله تعالی: من أحدث ولم یتوضأ فقد جفاني، ومن أحدث وتوضأ ولم یصل رکعتین، فقد جفاني، ومن أحدث وتوضأ وصلی رکعتین ودعاني ولم أجبه فیما دعاني من أمر دینه ودنیاه فقد جفوته، ولست برب جاف ».
واضب علی أن یکون لک في کل یوم ساعة للخلوة مع الله جل جلاله، بالمناجاة والتـفکر والتبتل والخضوع والخشوع إلیه، وأشعر قلبک الحزن في جمیع حالاتک، وحافظ علی صلاة رکعتین بعد کل وضوء ، ولا تغفل طوال النهار عن الإستغفار والتهلیل والتسبیح والصلاة علی النبي وآله الأطهار.
واضب على قراءة سورة القدر مائة مرة في کل من لیلة الجمعة وعصرها.
إذا عصيت الله في موضع، فلا تبرحه حتى تعمل فيه طاعة لما يشهد عليك يشهد لك، وكذلك ثوبك إذا عصيت الله فيه، وكذلك ما يفارقك منك من قص الشارب وحلق عانة وقص أظفار.. لا يفارقك شئ من ذلك إلا وأنت على طهارة وذكر لله، فإنه مسؤول عنك كيف تركك..!
راقب لسانک واجعل فمک موضع العطر وماء الورد لا موضع القمامة، وراقب سمعک وبصرک ولا تلطخ تلک الجوارح بقاذورات المعاصي، وحذار من هتک وخرق ستر الغیر والفحش في القول وعدم الحیاء.. واطلب العفة والحیاء والخجل.
إنّ کلمات اللغو الغیر مفیدة والقبیحة ، هي مضرة بحال الروح جدا وتسقط عن النفس الصفاء والصلاح والسلامة والوقار والطمأنینة والسکون.
إنّ نظرة واحدة من الإنسان إلی غیر محرمه أو عثرة صغیرة للسانه، یذهب بحلاوة العبادة وذکر الله من ذائقة الروح، ویضعف الإیمان ویمیت القلب ویوجب سوء ظن الناس به ویسقطه من أعینهم، ویحجبه عن سرائر التوحید وحقائقه مدة طویلة، وتمنعه من حصول جذبات المحبوب وخلوات المطلوب!
إنّ صغیر الذنوب بمثابة طعم لصید أکبر.. فالسمکة الکبیرة تصطاد بدودة صغیرة ، والعبد قد یدخل السجن الکبیر من الباب الصغیر..
" إنّ من حام حول الحمی، أوشک أن یقع فیه ".
وما یـُبنی في سنوات بالصیام والقیام.. ممکن أن یسقط في لحظة بکلمة أو نظرة .
حاول الفرار من أکل الحرام أوالذي فیه شبهة، لأنه سیتحول إلی جزء من کیان بدنک، فالخبیث لا یصدر منه الطیب. وهذه هي إحدی أسباب فتور الأعضاء عن العبادة.
علیک بالوضوء قبل الطعام ولا تأکل عما زاد عن حاجتک .
قال رسول الله(ص):« من قلّ أکله ، قلّ حسابه » !
وقال علي(ع):« إیاکم وفضول المطعم، فإنه یسم القلب بالفضلة، ویبطيء بالجوارح عن الطاعة، ویصم الهمم عن سماع الموعظة ».
ینبغي أن تکون معیشتک کلها من الحلال الطیب، بدءا من اللباس والفراش.. حتی آنیة الوضوء والسواک والمشط..
لا تحم حول الحرام والمشتبه وحتی المباح: قولا وفعلا وحالا وخیالا واعتقادا.. کي تحصل لک الطهارة الصوریة والمعنویة إنشاء الله تعالى .
" لن یقبل عمل رجل علیه جلباب من حرام ".
" ترک لقمة حرام، أحبّ إلی الله من ألفي رکعة تطوعا ".
قال الصادق(ع):« إنما شیعة جعفر من عفّ بطنه وفرجه واشتد جهاده وعمل لخالقه ورجی ثوابه وخاف عقابه. فإذا رأیت أولائک، فأولائک شیعة جعفر ».
قال الإمام الباقر(ع):« ما من عبادة أفضل من عفة بطن أو فرج ».
لا تغفل عن حبیبک في آن من الآنات، فلا بد أن یکون قلبک دائما معه، ألا تری الحکام الظاهریین تکون قلوبهم في العاصمة أینما حلوا ؟!
طبعا مذهب العاشق یختلف عن باقي المذاهب !
طلبک للمحبة مع الغفلة وارتکاب المعصیة، سببا للنفرة !
فالزم الأدب في مقدس حضرته وراع حرمة شریف حضوره، بحیث لا یغیب عن نظرک کما أنت لا تغیب عن نظره، واعبده کأنک تراه فإن لم تکن تراه فإنه یراک، واذکر دائما عظمته وحقارتک، ورفعته ودنائتک، وغناه وفقرک.. وتبصبص تحت قدمیه بصبصة الکلب النحیف، ولا تأذي بآثامک ونتن أعمالک عماله الکرام الکاتبین .
ألا تستحیي یا مسکین؟!
واعلم في تمام الأوقات لیلا ونهارا نوما ویقظة، وفي کل الأحوال وفي جمیع الحرکات والسکنات، أنّ حضرة الحق سبحانه وتعالی حاضر وناظرإلیک { ویعلم خائنة الأعین وما تخفي الصدور} !
فلا تغفل عن حضوره جلّ سلطانه آنا من الآناء ولو طرفة عین.
وبهذه الطریقة ستنزجر نفسک ـ إنشاء الله ـ عن السعي فیما یخالف رضاه سبحانه ، إمّا حیاء أو خوفا !
قال النبي(ص):« يا أبا ذر، إستحي من الله، فإني- والذي نفسي بيده- لأظل حين أذهب إلى الغائط، متقنعا بثوبي إستحياء من الملائكة الذين معي » !
علی المؤمن أن لا یغفل عن خالقه حتی في قمة فوران شهوته، والمتمثلة في أعلی صورها بلحظة مجامعة المرأة !
إذا کنت في نعمة فارعها..........فإنّ المعاصي تزیل النعم !
لو تعمق في نفس الإنسان، الإحساس بالمعیة الإلاهیة، لما إنتابه شعور بالوحدة والوحشة أبدا. بل ینعکس الأمر إلی أن یعیش الوحشة مع ما سوی الحق، خوفا من صدهم إیاه عن الأنس بالحق.. فعلی الإنسان أن یحقق في نفسه الشعور بالمعیة الإلاهیة في ساعات الدنیا، حتی لا یعیش الشعور بالوحدة القاتلة في ساعات ما بعد الحیاة الدنیا، والتي تعظم فیها الوحشة إلی یوم القیامة.
یجب أن نجهد أنفسنا أیظا علی هیمنة الإیمان علی ظاهرنا ، حتی یتجذر الإیمان في القلب ولا یزول أمام أيّ عائق إلی حین تسلیم هذه الأمانة (القلب الطاهر الملکوتي) إلی الذات المقدسة من دون أن تمتد إلیه ید الشیطان اللعین .
قال الإمام الصادق(ع):« القلب السلیم، الذي یلقی ربه ولیس فیه أحد سواه ».
وقال أیظا(ع):« القلب حرم الله تعالی، فلا تدخل حرم الله غیر الله».
وبخصوص:{ فاخلع نعلیک إنک بالواد المقدس طوی } قيل بأنه منعه من محبة الأهل والأولاد !!
فإذا کان لک هوی الدخول في وادي العشق والمحبة، فلا یمکن ذلک مع محبة الغیر .
" عندک قلب واحد، فلیکن لدیک حبیب واحد ".
{ وما جعل الله لرجل من قلبین في جوفه }.
{ ألیس الله بکاف عبده } !
تلک هي السعادة الحقیقیة ـ ولکن أبو تقوی المسکین ـ یهتم بالأمور الدنیویة الزائلة، ویری کل یوم كيف أنّ أهل الدنیا یترکونها ویذهبون متحسرین، وهو یواجه کل ذل ومشقة ومحنة لجمعها وتحصیلها.. ولکنه کسول لتحصیل الإیمان، الذي هو حقا السعادة الأبدیة الخالدة !
لا تیأس إن أبعدک الحبیب، فلو طردک الیوم فعساه یدعوک غدا، ولو أوصد في وجهک کل الأبواب والمعابر، فسیفتح لک بابا لا یعلم به أحدا غیره !
ولو صفق الأبواب في وجهک، فلا تغادره واصطبر فسیجعلک بعد صبرک.. تتصدر المجلس !
وحین یحز القصاب بخنجره رأس الکبش، فإنه یسقي ضحیته ویجرها إلیه !
وحین ینقطع نفس الکبش، فإنّ القصاب سینفخ فیه من نفسه هو.
فانظر أین سیوصلک نفس الرحمان؟!
لا تقل لن یؤذن لنا بدخول هذا الباب، فالتعامل مع الکرماء لیس عسیرا، إنه تعالی یبحث عن ذریعة لیعطي.. ودأبه ودیدنه أن یعطي بلا مقابل.
"عطائه لا یشترط القابلیة في العبد". یکفي مجرد التوجه !
« لو کسرت التوبة مائة مرة ، فعد من جدید ».
إعلم أنّ في الفراق، رجاء(الوصل)، وخاصة إذا اشتد ألم الفراق وطال زمان الهجران. وفي الوصل خوف (الفراق). وهناک من کان یحبذ حالة (الفراق) علی حالة (الوصل)، لأنّ عند الإضطراب في بحر(الفراق) یشتد التضرع والأنین.. وعند (الوصل) حیث الإحساس بالوصول إلی شاطیء الأمان، یسکن القلب ویقل الطلب!
فالله یجري قاعدتي« القبض والبسط »علی قلب عبده بمقتضی حکمته الغالبة.. وعلیه فلا تقل بأنّ الإقبال خیر من الإدبار، لأن بالثاني یدفع حالة العجب المهلکة. وأنین المذنبین قد یکون أحب إلیه من تسبیح المسبحین !!
تمسک بالخلوات وأصرّ إصرارا وبصبص حتی یحن ویتعطف علیک.
وإن أمر بطردک، فقل بمنطق عذب: لن أرحل عن دیارکم إلی سواها، فإن طردتموني من باب عدت من باب آخر!
وإن عبس في وجهک، فتوسل إلیه متبسّما، وإن أعرض عنک، فآهرع خلفه متبصبصا. فإن یئست منه فالتجئ إلی أمناء دولته!
وإن قال: من جرّئک علی مثل هذا الکلام؟ فقل: حلمک جرّأني.
وإن قال: من أین تعلمت هذا البیان؟ فقل: إنّ البلبل إنما تعلم الکلام من الورد، وإلا فإنّ کل الکلام والشـعر لم یکن معبئا في منقاره!
الحاصل: لا تترک التسول کي لا تفتقر أبدا، فإنّ الکثیر من الغنائم، لا تنال إلا بالتذلل والمسکنة والتسول..
لا تنسی أنّ کل من طرق بابا وألحّ في الطرق، فتح له في الخاتمة.
" من دق بابا ولجّ ، وَلجَ ".
أمّا لو کففت عن الطرق والطلب وترکت الإستمرار في الإشتغال
ـ لا سمح الله ـ فإنّ الشیطان سیتسلط علیک بعد الرجوع والنکوص، فلا ینفعک حینذاک دواء ولن یبریء جراحک بلسم !!
وفي الآخرة:{ من وراءه جهنم ويسقى من ماء صديد، يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذات غليظ } أجارنا الله .
إعلم ـ یرحمک الله ـ أنّ هذه المسائل وسواها من مسائل الآخرة ، لیست بالتعلم، بل هي شراب.. فالتضرع والإبتهال ینبعثان من ألم القلب وحرقته.. فجد ألما فإنه یوفر لک التضرع والإبتهال.
" أقل بحثک عن الماء واظمأ، ینبع لک الماء من المرتفعات والودیان ".
قال الإمام علي(ع):« فهم والنار کمن راها ، فهم فیها معذبون ».
إجعل بناء أمرک وتوطین نفسک، علی عدم التسامح والتساهل في جزئي ولا کلي.. فاعمل الخیر حتی وإن کان جزئیا حقیرا، واجتنب الشر حتی وإن کان جزئیا حقیرا .
قال عز من قائل:{ فمن یعمل مثقال ذرة خیرا یره ، ومن یعمل مثقال ذرة شرا یره }. لأنّ هذه الجزئیات عند المواضبة علیها وترک التسامح والتساهل فیها، تفید الترقي والوصول إلی المقامات الرفیعة العالیة، وقد جعلها الله سبحانه وتعالى مفاتیح لتلك الخزائن..
ومن یقبض مفاتیح تلك الخزائن بیده ، إستغنی وفاز فوزا عظیما !
« لا تستحقروا طاعة، فربما کان رضاء الله تعالی فیها، ولا تستحقروا معصیة، فربما کان سخط الله فیها ».
علیک أن تستوحش من جمیع الخلق حتی من أوثق إخوانک، وذلک أنسا بالله تعالی..لأنّ المؤمن إذا أنس بألطاف الله وذاق طعم حلاوة ذکر الله ، یلزمه الوحشة من مفارقة هذه الحالة، فلا یرضی من مفارقتها.
« المؤمن حزنه في قلبه ، وبشره في وجهه ».
إعلم أنّ الجالس مع قوم ـ لا سیما قوم سوء ـ إنما یبذل لهم ما هو أهم من المال، وهو ساعات لا تثمن من عمره. فکما یبخل الإنسان بماله، فالأجدر به أن یبخل ببذل ساعات من عمره للآخرین من دون عوض.. وتعظم المصیبة إن کان ذلک في سخط الله سبحانه !
یجب أن تجبر تخلفک عن رکب السائرین إلی الحق، بالخلوات من حین إلی حین، وهجران الأغیار حتی النفس.. وأفضل مواضع الخلوة هذه هو السجود، الذي یمثل الذروة في ترک الأغیار والذي منه انشقت مسیرة السعادة والشقاء.
یجب علیک التکرار والتکرار المستمر للأوراد والأذکار.. وذلک لأنّ تأثیرها في الروح بطيء وقلیل جدا، حیث أنها مخالفة لشهوات ولذات النفس.
قال الله تعالی:{ أومن کان میتا فأحییناه وجعلنا له نورا یمشي به في الناس کمن مثله في الظلمات لیس بخارج منها } الأنعام ١٢٢
والحمد لله رب العالمین، وصلی الله علی محمد وآل بیته الطاهرین الطیبین.

الـدعـــــــاء

قال الله تعالی:{ وقال ربكم أدعوني أستجب لكم إنّ الذین یستکبرون عن عبادتي سیدخلون جهنم داخرین } غافـر٦٠
إنّ الدعاء عبادة: إذ يمارسه الإنسان في جميع حالاته ، لأنه يترجم عمق الصلة بين العبد وبارئه ، ويعكس حالة الإفتقار المتأصلة في ذات الإنسان إلى الله سبحانه ، والإحساس العميق بالحاجة إليه والرغبة فيما عنده . فالدعاء مفتاح الحاجات ووسيلة الرغبات، وهو الشفاء من الداء ، والسلاح في مواجهة الأعداء ، ومن أقوى الأسباب التي يستدفع بها البلاء ويرد القضاء .
قال رسول الله(ص):« إفزعوا إلى الله في حوائجكم ، والجؤوا إليه في ملماتكم ، وتضرعوا إليه وادعوه ، فإنّ الدعاء مخ العبادة ، وما من مؤمن يدعو الله بدعاء إلا إستجاب له ، فإما أن يكون يعجل له في الدنيا ، أو يؤجل له في الآخرة ، وإما أن يكفر به عن ذنوبه بقدر ما دعا ، ما لم يدع بمأثم ».
الدعاء في الشدة والرخاء: لا يجب أن ينحصر الدعاء فقط في وقت الشدة والإضطرار، بل يجب أن يكون في جميع الأحوال . قال تعالى:{ وإذا مس الإنسان الضرّ دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مرّ كأن لم يدعنا إلى ضر مسه } يونس ١٢
قال أمير المؤمنين(ع):« ما من أحد إبتلي وإن عظمت بلواه ، أحق بالدعاء ، من المعافى الذي لا يأمن البلاء ».
آداب الدعاء وشروطه: لقد حدد الإسلام آدابا وقرر شروطا للدعاء، لا بد للداعي أن يراعيها كي يتحقق مطلوبه من الدعاء، والتي إذا أهملها، فلا تتحقق له الإستجابة المرجوة من الدعاء ولا تحصل له نورانية القلب وتهذيب النفس وسمو الروح المطلوبة في الدعاء:
الطهارة: يجب أن يكون الداعي على وضوء.
الصدقة ومس شيء من الطيب.
الصلاة: يستحب أن يصلي الداعي ركعتين قبل الشروع بالدعاء
البسملة: أن يبدأ الداعي دعاءه بـ:« بسم الله الرحمن الرحيم ».
الثناء على الله تعالى: أن يحمد الله ويثني عليه ويشكر ألطافه ونعمه ويمدحه ويمجده على حسن آلائه قبل الشروع في الدعاء.
الدعاء بأسماء الله الحسنى: خصوصا في حال السجود { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها }، وقال بعض أهل العلم: ينبغي للداعي أن يذكر من أسماء الله الحسنى، ما يناسب مطلوبه .
الصلاة على النبي وآله: قال(ص):« لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلى عليّ وعلى أهل بيتي ».
التوسل بالنبي(ص) وبأهل البيت(ع)، وبالملائكة والأنبياء..الخ
الإقرار بالذنوب: على الداعي أن يعترف بذنوبه ، مقرا مذعنا تائبا عما إقترفه من خطايا وما إرتكبه من ذنوب .
حسن الظن بالله تعالى: قال(ص):« أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ». وقال الصادق(ع):« إذا دعوت فأقبل بقلبك ، وظن حاجتك بالباب ».
الإقبال على الله: وهو أن يقبل عليه سبحانه بقلبه وروحه وشراشير فؤاده . قال تعالى:« واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ».
ترقيق القلب: قال الصادق(ع):« إذا اقشعر جلدك ، ودمعت عينك ، ووجل قلبك ، فدونك دونك ، فقد قصد قصدك ».
البكاء والتباكي: خير الدعاء ما هيجه الوجد والأحزان، وانتهى بالعبد إلى البكاء من خشية الله سبحانه ، ذلك لأنّ الدمعة هي سفير القلب ولسان المذنب !
التضرع ومد اليدين: قال(ص):« إنّ الله يستحي من العبد أن يرفع إليه يديه فيردهما خائبتين ».
الإلحاح بالدعاء وعدم القنوط: قال الباقر(ع):« والله لا يلح عبد مؤمن على الله عز وجل في حاجته، إلا قضاها له ».
التختم بالعقيق والفيروزج: إذ يستحب في الدعاء لبس خاتم من عقيق أو من فيروزج .
الآداب المتأخرة عن الدعاء:
أن يقول الداعي: ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله .
أن يختم بالصلاة على محمد وآل محمد(ع) .
مسح الوجه والرأس باليدين .
في حال إستجابة دعائه، أن يحمد الله ويصلي صلاة الشكر.
ترصد الأزمنة الخاصة: لا بد للداعي أن يراعي إختيار الأوقات التي هي مظنة الإجابة ، فالأوقات ليست كلها سواء !
وهذه جملة من الأوقات التي ترجى فيها إجابة الدعاء:
جوف الليل  عند زوال الشمس  بعد الصلوات المكتوبة.
الوتر والسحر وما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
قبل طلوع الشمس و قبل الغروب .
ليلة الجمعة ويومها  ليالي القدر(١٩ ـ ٢١ ـ ٢٣) من رمضان
ليلة الفطر  ليلة الإضحى  أول ليلة من رجب .
ليلة النصف من شعبان  ليلة العاشر من ذي القعدة .
ليلة مولد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ويومه .
ليلة مبعثه الشريف(ص) ويومه  ليلة عرفة ويوم عرفة .
في هذه الأوقات التي قال عنها أمير المؤمنين(ع):« تفتح أبواب السماء في ستة مواقيت: عند الغيث ، وعند الزحف ، وعند الأذان ، وعند قراءة القرآن ، وعند الزوال ، وعند طلوع الشمس ».
موانع إجابة الدعاء: الدعاء يوجب صفاء الباطن وخشوع القلب ورقة النظر وتنور النفس وتجليها، وقد جعله الله تعالى مفتاحا للكشف، وسببا لتواتر مزايا اللطف، وبه تحلق النفس في سماء الحق حرة طليقة !
وهو سلاح المؤمن وجنته الواقية، وسهام الليل التي يسددها كيفما يشاء.. ولكن حتى يكون دعائه كذلك، يجب على الداعي إزالة الحجب والموانع التي تحول دون صعود الدعاء، ومن أهمها:
إقتراف المعاصي، والظلم وأكل الحرام ، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم.. وغيرها من الذنوب التي تحبس الدعاء .
قال علي(ع):« خير الدعاء ما صدر عن صدر نقي وقلب تقي ».
أسباب تأخر الإجابة:
ربما لو إستجيب لك، لكانت الإستجابة تنطوي على مفسدة لك أو لغيرك لا يعلمها إلا هو جلت قدرته، قال تعالى:{ وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون }.
قد تؤخر الإجابة عن العبد المؤمن لزيادة صلاحه وعظم منزلته عند الله عز وجل . جاء في حديث قدسي:« وعزتي وجلالي وعظمتي وبهائي إني لأحمي وليي أن أعطيه في دار الدنيا شيئا يشغله عن ذكري حتى يدعوني فأسمع صوته ، وإني لأعطي الكافر منيته حتى لا يدعوني فأسمع صوته بغضا له ».
قال الإمام الصادق( ع):« كان بين قول الله عز وجل:" قد أجيبت دعوتكما" وبين أخذ فرعون، أربعين عاما ».
دعوات مستجابة :
الدعاء للأخ المؤمن بظهر الغيب، ولأربعين من المؤمنين .
دعاء الوالد الصالح لولده إذا بره، ودعاؤه عليه إذا عقه .
دعاء الولد الصالح لوالده  دعاء الإمام العادل لرعيته .
دعاء المسافـر  دعاء الصائم حتى يفطر.
دعاء الفقير فإنّ دعوة السائل الفقير لا ترد .
دعاء المظلوم على من ظلمه، ودعاؤه لمن إنتصر له .
دعاء المريض لعائده  دعاء المجاهد في سبيل الله .
دعاء الحاج أو المعتمر حتى يرجع .
دعاء الأطفال ما لم يقارفوا الذنوب .
دعوات لا تستجاب :
دعوة من يطلب تغيير حالة ناتجة عن إرتكابه إثما أو تقصيرا في واجب. ومثل هذا الداعي لا يمكن أن يترتب أثر على دعائه، حتى يتوب مما إرتكب أو يزيل أسباب حصول تلك الحالة وعللها. مثل مظلوم يدعو لإزالة مظلمته، وهو متحمل لمظالم العباد وتبعات المخلوقين، قال الحق سبحانه في حديث قدسي: « وعزتي وجلالي لا أجيب دعوة مظلوم دعاني في مظلمة ظلمها، ولأحد عنده مثل تلك المظلمة ».
طلب العبد ما لا يحل أوما فوق قدره . قال الصادق(ع):« من سأل فوق قدره ، إستحق الحرمان ».
الدعاء بلا عمل: قال(ص) في وصيته لأبي ذر:« يا أبا ذر، مثل الذي يدعو بغير عمل، كمثل الذي يرمي بغير وتر».
آثار الدعاء: إنّ الدعاء هو السر الذي يربطنا بخالقنا، وهو من أنجع الوسائل وأعمقها في تهذيب النفوس، ومفتاح الرحمة ونجاح الحاجات، وهو شفاء من كل داء، وبه يرد القضاء ويدفع البلاء ، ولا يدرك ما عند الله تعالى إلا بالدعاء والإبتهال. ولولاه ما اكترث الله بنا، حيث يقول:{ قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم }.
ومن آثار الدعاء:
قضاء الحوائج: قال تعالى:{ وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين، فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين } الأنبياء ٩٠
الدعاء شفاء من كل داء: خصوصا الأمراض النفسية، فقد أكدت البحوث الطبية، أنّ الطب الروحي من أهم الأسباب في تخفيف مثل هذه الأمراض وإزالتها. قال تعالى:{ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين }.
الدعاء إدخار وذخيرة: إذا واظب عليه العبد في حال الرخاء، يكون له ذخيرة لإستخراج الحوائج في البلاء. قال الصادق(ع): « إنّ الدعاء في الرخاء ، يستخرج الحوائج في البلاء ».
الدعاء يهذب النفس: فهو من أهم العوامل التي تسهم في بناء الإنسان المؤمن، والتي تكسب الداعي النقاء والصفاء، وخشوع القلب ورقته، وتصنع منه ذاتا محبة للخير.. فيصل بتلك النفس إلى درجات المتقين .
الدعاء سلاح المؤمن: قال تعالى:{ ونوحا إذ نادى من قبل فآستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين }. وقال(ص):« ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدر أرزاقكم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال(ص): تدعون ربكم بالليل والنهار، فإن سلاح المؤمن، الدعاء ».
الدعاء يرد القضاء ويدفع البلاء: قال تعالى:{ أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء }. وقال الصادق(ع):« إنّ الدعاء يرد القضاء وقد نزل من السماء وقد أبرم إبراما».
قال أمير المؤمنين(ع) في وصيته لولده الإمام الحسن(ع):«.. واعلم أنّ الذي بيده خزائن السموات والأرض قد أذن لك في الدعاء وتكفل لك بالإجابة، وأمرك أن تسأله ليعطيك وتسترحمه ليرحمك ، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك ، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه، ولم يمنعك إن أسأت من التوبة ، ولم يعاجلك بالنقمة ، ولم يعيرك بالإنابة ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى، ولم يشدد عليك في قبول الإنابة، ولم يناقشك بالجريمة ، ولم يؤيسك من الرحمة. بل جعل نزوعك عن الذنب حسنة ، وحسب سيئتك واحدة ، وحسب حسنتك عشرا ، وفتح لك باب المتاب . فإذا ناديته سمع نداءك ، وإذا ناجيته علم نجواك. فأفضيت إليه بحاجتك ، وأبثثته ذات نفسك ، وشكوت إليه همومك ، واستكشفته كروبك ، واستعنته على أمورك ، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطاء غيره من زيادة الأعمار وصحة الأبدان وسعة الأرزاق. ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك من مسألته ، فمتى شئت إستفتحت بالدعاء أبواب نعمته واستمطرت شآبيب رحمته. فلا يقنطنك إبطاء إجابته فإنّ العطية على قدر النية. وربما أخرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل وأجزل لعطاء الآمل. وربما سألت الشيء فلا تؤتاه وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا، أو صرف عنك لما هو خير لك . فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته . فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله، فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له».
قال الله تعالی:{ وإذا سألک عبادي عني فإني قریب أجیب دعوة الـداع إذا دعان فلیستجیبوا لي ولیؤمنوا بي لعلهـم یرشـدون } البقــرة ١٨٦
وصلى الله على رسوله وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

الغیبــة والنميمة

قال الله تعالى:{ ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إنّ الله تواب رحيم } الحجرات ١٢
قال رسول الله(ص):« یا معشر من أسلم بلسانه ولم یخلص الإیمان إلی قلبه ، لا تذموا المسلمین ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنّ من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته ، یفضحه ولو في بیته ».
وقال أيظا(صلى الله عليه وآله):« كذب من زعم أنه ولد من حلال وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة ، إجتنبوا الغيبـة فإنها إدام كلاب النـار».
قال الإمام الباقر(ع):« من أغتيب عنده أخوه المؤمن ، فنصره وأعانه ، نصره الله في الدنيا والآخرة ، ومن لم ينصره ولم يدفع عنه ، وهو يقدر على نصرته وعونه ، إلا خفضه الله في الدنيا والآخرة ».
قال الإمام الصادق(ع):« من روى على مؤمن رواية ، يريد بها شينه وهدم مروته ليسقط من أعين الناس ، أخرجه الله تعالى من ولايته إلى ولاية الشيطان، ولا يقبله الشيطان ».
الغیبة هو: أن تتکلم في شخص غائب بما یغمّه لو سمعه ، سواء كان ذلك بنقص في بدنه أو في أخلاقه أو في أقواله أو في أفعاله.. فإن کان صدقا سمّي غیبة ، وإن کان کذبا سمّي بهتانا .
والغيبة لا تنحصر باللسان فقط ، بل كل ما يفهم منه نقصان الغير: سواء كان بالقول أو الفعل ، أو التصريح أو التعريض ، أو بالغمز والرمز، أو بالحركة والمحاكاة كمشية الأعرج..الخ
قال الله سبحانه:{ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد إحتملوا بهتانا وإثما مبينا } الأحزاب ٥٨
قال النبي(ص):« يا أبا ذر، إياك والغيبة فإنّ الغيبة أشد من الزنا، قلت: يا رسول الله، ولم ذلك بأبي أنت وأمي؟ قال: لأنّ الرجل يزني ويتوب إلى الله ، فيتوب الله عز وجل عليه ، والغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها . يا أبا ذر، سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، أكل لحمه من معاصي الله ، وحرمة ماله كحرمة دمه . قلت: يا رسول الله، وما الغيبة ؟ قال: ذكرك أخاك بما يتأذى به ، قلت: يا رسول الله، فمن كان فيه ذاك الذي يذكر به ؟ قال: إعلم أنك إذا ذكرته بما هو فيه ، فقد إغتبته ، وإن ذكرته بما ليس فيه ، فقد بهته . يا أبا ذر، من ذب عن أخيه المؤمن الغيبة ، كان حقا على الله - جل ثناؤه - أن يعتقه من النار ».
قال الصادق(ع):« من بهت مؤمنا أو مؤمنة بما ليس فيه ، بعثه الله عز وجل في طينة خبال حتى يخرج مما قال ، قيل: وما طينة خبال؟ قال: صديد يخرج من فروج المومسات ».
روي أنّهم ذكروا رجلا عند النبي(ص) ، فقالوا : ما أعجزه ! فقال(ص):« إغتبتم أخاكم. قالوا: يا رسول الله ، قلنا ما فيه، قال: إن قلتم ما ليس فيه ، فقد بهتموه ».
قال الإمام الكاظم(ع):« من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس ، لم يغتبه ، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس، إغتابه، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته ».
روي أنّ رجلا قيل له: إنّ فلانا قد إغتابك ، فبعث إليه طبقا من رطب، وقال: بلغني أنك قد أهديت إلي من حسناتك ، فأردت أن أكافيك عليها، فاعذرني، فإني لا أقدر أن أكافيك على التمام » !
إنّ الغيبة لمن أعظم المهلكات وأقبح المعاصي، وإنها تحبط حسنات المرئ وتزيد في سيئاته ، لما ورد من أنّ الغيبة تنقل حسنات المغتاب يوم القيامة إلى من إغتابه ، وإن لم تكن له حسنة، نقل إليه من سيئاته. وقد شبه الإسلام صاحب الغيبة ، بآكل لحم الميتة ،
وقال بعضهم بأنّ الغيبة تفسد الصوم !
قال الله تعالی:{ ولولا إذ سمعتموه قلتم ما یکون لنا أن نتکلم بهذا سبحانک هذا بهتان عظیم ، یعظکم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن کنتم مؤمنین } النور١٧
قال سيد الرسل(ص):« من مشى في غيبة أخيه وكشف عورته ، كانت أول خطوة خطاها وضعها في جهنم ، وكشف الله عورته على رؤوس الخلائق . ومن إغتاب مسلما ، بطل صومه ونقض وضوءه، فإن مات وهو كذلك، مات وهو مستحل لما حرم الله ».
وقال أيظا(ص):« ما عمر مجلس بالغيبة إلا خرب من الدين ، فنزهوا أسماعكم من إستماع الغيبة ، فإنّ القائل والمستمع لها شريكان في الإثم ».
قال الإمام السجاد(ع):« وأما حق السمع تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع ما لا يحل سماعه ، وتنزيهه أن تجعله طريقا إلى قلبك، إلا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا، أو تكسب به خلقا كريما ، فإنه باب الكلام إلى القلب، يؤدي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شر، ولا قوة إلا بالله ».
روي عن عائشة أنها قالت:« دخلت علینا إمرأة ، فلما ولـت ، اومأتُ بیدي أنها قصیرة ، فقال(ص): إغتبتیها » !
وروي أيظا أنه لما رجم(ص) رجلا في الزنا، قال رجل لآخر:« هذا أقعص کما أقعص الکلب . فمرّ النبي(ص) معهما بجیفة، فقال: إنهشا منها، فقالا: یا رسول الله ننهش جیفة ؟ فقال: ما أصبتما من أخیکما أنتن من هذه ».
تمعن كيف جمع بينهما، مع أنّ أحدهما كان قائلا والآخر مستمعا !
يا أبو تقوى: إذا كان تنظيف الأذنين من القذر واجبا ، فأوجب منه صيانتهما عن سماع القبيح ، فقد قيل في الأمثال:" نزه نفسك عن استماع القبيح ، كما تنزه نفسك عن الكلام به "، وذلك لأن القبائح تصل إلى العقل فتؤثر فيه تأثيرا سيئا !
فإذا سمعت أحدا يغتاب أحدا أمامك ، فلا تشترك معه: فإن كان أكبر منك سنا وقدرا ، فاخفض عينيك والزم الصمت ، وإن كان من أمثالك، فأبد له النصيحة بالإبتعاد عن مذمة الناس ، وإن كان أصغر منك سنا فازجره مع تفهيمه مضار الغيبة المنهي عنها شرعا، فإنّ المستمع للغيبة ، شريك للقائل وأحد المغتابين !
قال الله عز وجل:{ ولا تطع كل حلاف مهين، هماز مشاء بنميم، مناع للخير معتد أثيم، عتل بعد ذلك زنيم } القلم ١٠ ـ ١٣
قال النبي(ص):« يا أبا ذر، لا يدخل الجنه فتان، قلت: يا رسول الله، وما الفتان؟ قال: النمام . يا أبا ذر، صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله عز وجل في الآخرة ».
وخطب(ص) يوما حتى أسمع العواتق في بيوتها ، فقال:« يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه ! لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنّ من تتبع عورة أخيه ، يتتبع الله عورته حتى يفضحه في جوف بيته ».
روي أنه أصاب بني إسرائيل قحط ، فاستسقى موسى مرات فما أجيب، فأوحى الله تعالى إليه:« إني لا أستجيب لك ولمن معك وفيكم نمام قد أصر على النميمة ! فقال موسى: يا رب، من هو حتى نخرجه من بيننا ؟ فقال: يا موسى، أنهاكم عن النميمة وأكون نماما؟! فتابوا بأجمعهم ، فسقوا ».
مرّ عیسی(ع) مع الحواریین علی جیفة کلب، فقال الحواریون:« ما أنتن ریح هذا الکلب ، فقال(ع): ما أشدّ بیاض أسنانه ».
تمعّن: هم شاهدوا عیبه ، وهو لوّح بکماله !
روي أنّ أحد الشيخين قال للآخر: إنّ فلانا لنؤم ! ثم طلبا أدما من رسول الله ليأكلا به الخبز، فقال(ص):« قد إئتدمتما . فقالا : ما نعلمه . فقال: بلى ! إنكما أكلتما من لحم صاحبكما ».
النميمة تطلق في الأكثر على من ينقل قول الغير إلى المقول فيه ، كأن يقول: فلان تكلم فيك بكذا وكذا ، أو فعل فيك كذا وكذا.. وعلى هذا تكون نوعا خاصا من إفشاء السر وهتك الستر.
فعلى العاقل أن يسكت عما يطلع عليه من أحوال غيره ولا ينقل حديثا سمعه ، لئلا يكون مفتاح الفتنة التي نهى الله عنها بقوله: (والفتنة أشد من القتل) ، لأنها أرذل الأفعال القبيحة وأشنعها، وسببا للشرور والخصومات !
اللهم إلا إذا كان في حكايته ، نفعا لمسلم أو دفعا لمعصية ، كما إذا رأى مثلا: شخصا يسرق مال غيره ، فعليه أن يشهد به ، مراعاة لحق المشهود له .
قال الله تعالی:{ ومن یکسب خطیئة أو إثما ثم یرم به بریئا فقد إحتمل بهتانا وإثما مبینا } النساء ١١٢
قال رسول الله(ص):« ألا أنبئكم بشراركم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: المشاؤن بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون للبراء المعايب ».
وقال أيظا(صلى الله عليه وآله):« أيما رجل أشاع على رجل كلمة وهو منها بريء ليشينه بها في الدنيا ، كان حقا على الله أن يدينه بها يوم القيامة في النار ».
روي أنّ رجلا أتى أمير المؤمنين(ع) يسعى إليه برجل، فقال(عليه السلام):« يا هذا ، نحن نسأل عمن قلت، فإن كنت صادقا مقتناك ، وإن كنت كاذبا عاقبناك ، وإن شئت أن نقيلك أقلناك . قال: أقلني يا أمير المؤمنين ».
قصة وعبرة : باع رجل عبدا، فقال للمشتري: ما فيه عيب إلا النميمة ، قال رضيت، فاشتراه . فمكث الغلام أياما، ثم قال لزوجة مولاه: إنّ زوجك لا يحبك وهو يريد أن يتسرى عليك، وأنا أسحره لك في شعره فقالت: كيف أقدر على أخذ شعره ؟ فقال: إذا نام فخذي الموسى وأحلقي من قفاه عند نومه شعرات . ثم قال للزوج: إنّ إمرأتك إتخذت خليلا وتريد أن تقتلك، فتناوم لها حتى تعرف. فتناوم، فجاءته المرأة بالموسى، فظن أنها تقتله ، فقام وقتلها، فجاء أهلها وقتلوا الزوج، فوقع القتال بين القبيلتين، وطال الأمر بينهم !!
ونقل أنّ رجلا زار بعض الحكماء ، وأخبره بخبر عن غيره، فقال: « قد أبطأت عني الزيارة ، وبغضت إلي أخي ، وشغلت قلبي الفارغ، واتهمت نفسك الأمينة » !
كفارة الغيبة: بعد التوبة والندم ، للخروج عن حق الله ، يجب الخروج من حق من إغتابه . وطريق الخروج من حقه: إن كان حيا يمكن الوصول إليه ولم تبلغ إليه الغيبة ، وكان في بلوغها إليه مظنة العداوة والفتنة ، فليكثر له من الدعاء والإستغفار، من دون أن يخبره بها .
وإن بلغت إليه أو لم تبلغه ، ولم يكن في بلوغها ظن الفتنة والعداوة ، فليستحله معتذرا متأسفا مبالغا في الثناء عليه والتودد إليه، وليواظب على ذلك حتى يطيب قلبه ويحله، وذلك لقول النبي(ص):« من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال ، فليتحللها منه من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار ولا درهم، إنما يؤخذ من حسناته ، فإن لم تكن له حسنات، أخذ من سيئات صاحبه فزيدت على سيئاته ».
وأما إن كان ميتا أو غائبا لا يمكن الوصول إليه ، فعليه أن يكثر له من الإستغفار والدعاء ، ليحسب ذلك يوم القيامة من حسناته ويقابل بها سيئة الغيبة .
قال رجل للإمام السجاد(ع): إنّ فلانا ينسبك إلى أنك ضال مبتدع، فقال له الإمام(ع):« ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه ، ولا أديت حقي حيث أبلغتني من أخي ما لست أعلمه..! واعلم أنّ من أكثر عيوب الناس ، شهد عليه الإكثار أنه إنما يطلبها بقدر ما فيه » !
قال الشاعر:
إذا شئت أن تحيا سليما مـــن الأذى..........وذنبك مغفور وعرضك صيـن
لسانك لا تذكر به عورة إمـــــــرئ..........فكلك عورات وللناس ألســـــن
وعينك إن أبدت إليك مساويـــــــــا...........فدعها وقل يا عين للناس أعين
وعاشربمعروف وسامح من إعتدى..........وفارق ولكن بالتي هي أحســن
قال الصادق(ع):« من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه ، فهو من الذين قال الله عز وجل: إنّ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم ».
تمعن یا أبو تقوی: إنّ کشف ستر المؤمن حرام ، فهي معصیة ماحقة للإیمان والعیاذ بالله ، والله سبحانه وتعالى لا یغفر لمغتاب أبدا، حتی یرضی صاحب الغیبة..!
إنّ مجرد الإستماع للغیبة، حرام.. فما بالک بالغیبة نفسها ؟!
فلا تکن کالکلاب الجارحة، تنهش أعراض الناس ولحومهم !
هناک موارد تجوز فیها الغیبة ، کغیبة المتجاهر بالفسق الغير ساتر لها.. ولکن یستحسن ترک ذلک.
يلزم على من تحمل إليه النميمة ألا يصدق النمام ، لأنه فاسق، والفاسق مردود الشهادة، بقوله تعالى:{ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين }.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

الکــذب والصدق

قال الله تعالى:{ ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إنّ الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون } النحل ١١٦
قال رسول الله(ص):« یا أبا ذر.. وإملاء الخیر خیر من السکوت، والسکوت خیر من إملاء الشر. یا أبا ذر، أترک فضول الکلام وحسبک من الکلام ما تبلغ به حاجتک . یا أبا ذر، کفی بالمریء کذبا أن یحدث بکل ما سمع . یا أبا ذر، إنه ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان . یا أبا ذر، إنّ الله عند لسان کل قائل فلیتق الله إمرئ ولیعلم ما یقول ».
قال أمير المؤمنين(ع):« واعلم أنّ الکلام في وثاقک ما لم تتکلم به، فإذا تکلمت به صرت في وثاقه، فاخزن لسانک کما تخزن ذهبک وورقک، فإنّ اللسان کلب عقور، فإن أنت خلیته عقر، وربّ کلمة سلبت نعمة.. ».
قال أحد الحكماء:« كثرة الكلام لا تخلو من زلة ، ومن ضبط شفتيه فهو عاقل ، ومن فتقهما فحظه الدمار ».
قال علي بن الحسين(ع):« إتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل، فإنّ الرجل إذا كذب في الصغير، إجترأ على الكبير».
قال الإمام الصادق(ع):« لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده، فإنّ ذلك شيء إعتاده فلو تركه إستوحش، ولكن أنظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته ».
قال الإمام الحسن العسكري(ع):« جعلت الخبائث كلها في بيت ، وجعل مفتاحها الكذب ».
وقال الإمام الباقر(ع):« الكذب هو خراب الإيمان ».
الكذب أقبح الذنوب وأفحشها ، وأخبث العيوب وأشنعها، ويكون بالإخبار عن الأشياء على خلاف ما هي عليه ، وذلك بسبب العداوة أو الحسد والغضب والطمع وحب المال، أو للإعتياد الحاصل من مخالطة أهل الكذب .
وأشد أنواع الكذب إثما ومعصية: الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة ، وشهادة الزور، واليمين الكاذب ، وخلف الوعد..
قال الشاعر:
واحفظ لسانك واحترز من لفظه..........فالمرء يسلم باللسان ويعطب
وزن الكلام إذا نطقت ولا تكــن..........ثرثارة في كل ناد تخطـــــب
كمثال جاهلة تطوف بليلــــــــها..........مكثارة في كل واد تحطــــب
قال سبحانه وتعالى:{ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون } النحل ١٠٥
قال النبي(ص):« كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا ، هو لك به مصدق ، وأنت له به كاذب ».
وقال أيظا(ص):« یا أبا ذر، ویل للذي یحدث فیکذب لیضحک به القوم ، ویل له ویل له ».
قال موسى(ع):« يا رب ، أي عبادك خير عملا ؟ قال: من لا يكذب لسانه ، ولا يفجر قلبه ، ولا يزني فرجه ».
قال الإمام علي(ع):« لا يصلح من الكذب جد ولا هزل ، ولا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي له ، إنّ الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار ».
روي أنّ رجلا بايع رسول الله(صلى الله عليه وآله) ووعده أن يأتيه من مكانه ذلك ، فنسي وعده في يومه وغده ، وأتاه في اليوم الثالث وهو(ص) في مكانه !
ومرّ علي(عليه السلام) برجل يتكلم بفضول الكلام ، فقال:« يا هذا، إنك تملي على حافظيك كتابا إلى ربك ، فتكلم بما يعنيك ، ودع ما لا يعنيك ».
سُـئل(صلى الله عليه وآله):« أيكون المؤمن جبانا ؟ قال: نعم. قيل: ويكون بخيلا ؟ قال: نعم. قيل: ويكون كذابا ؟ قال: لا » !
وقال روح الله عيسى(ع):« من كثر كذبه ، ذهب بهاءه ».
يا أبو تقوى: إنّ هذا اللسان الذي وهبه لک الله سبحانه، أمانة عندک تتصرف فیها بإذنه، فإذا ما استعملتها ـ لا سمح الله ـ علی خلاف رضاه، فقد خنت الأمانة، أضف إلى أنّ كل كاذب، ساقط عن القلوب ولا يعتني أحد بقوله، وكثيرا ما يفتضح عند الناس بظهور كذبه !
فعليك بالصمت وتقديم التروي في كل كلام تريد أن تتكلم به، فإنّ للصمت فضائل كثيرة وفوائد جسيمة ، فيه دوام الوقار، والفراغ للعبادة والذكروالفكر، والأمان من اللوم والإثم ، والإستغناء عن المعذرة من الهفوات !
قال الله تعالی:{ یا أیها الذین آمنوا إتقوا الله وکونوا مع الصادقین } التوبة ١١٩
قال رسول الله(ص):« إنّ أقربکم مني غدا وأوجبکم عليّ شفاعة ، أصدقکم لسانا ، وأدّاکم للأمانة ، وأحسنکم خلقا ، وأقربکم من الناس».
وقال أيظا(ص):« إذا أصبح ابن آدم ، أصبحت الأعضاء كلها تكفر اللسان، فتقول: إتق الله فينا ، فإنما نحن بك ، فإن إستقمت إستقمنا ، وإن إعوججت إعوججنا ».
قال أحد الحكماء:« الكلام المنطوق به في أوانه ، تفاح من ذهب في سلال من فضة » !
قال أمير المؤمنين(ع):« الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك ، على الكذب حيث ينفعك ».
وقال أيظا(ع):« الصدق ینجي، والکذب یردي ».
قال الإمام الباقر(ع):« أربع من كن فيه كمل إيمانه ، ولو كان ما بين قرنه إلى قدمه ذنوبا، لم ينقصه ذلك: هي الصدق، والأمانة، والحياء، وحسن الخلق ».
قال الإمام الصادق(ع):« من صدق لسانه زكى عمله ، ومن حسنت نيته زيد في رزقه ، ومن حسن بره بأهل بيته مد له في عمره ».
يقول الشاعر:
إن كان منطق ناطق من فضــــة..........فالصمت در زانه ياقــــوت
ما عيب ذو صمت ولا من ناطق..........إلا يعاب ولا يعاب صموت
الصدق ضد الكذب، وهو من أشرف الصفات المرضية ، ورئيس الفضائل النفسية ، وهو أقسام: منها الصدق في القول ونقل الأشياء على ما هي عليه ، الصدق في النية وتخليصها لله سبحانه ، الصدق في العزم والوفاء بما عزم عليه ، الصدق في الأعمال وتطابق الظاهر بالباطن ، الصدق في مقامات الدين من الصبر والشكر والحب والزهد والتقوى والخوف والرجاء..الخ
وهذه هي أعلى درجات الصدق وأعزها، فمن اتصف بحقائق هذه المقامات ولوازمها وغاياتها، فهو الصديق الحق !
قال سبحانه وتعالی:{ والذي جاء بالصدق وصدق به أولائک هم المتقون } الزمر٣٣
قال النبي(ص):« ما یزال العبد یصدق، حتی یکتبه الله صدیقا، وما یزال العبد یکذب، حتی یکتبه الله کذابا ».
وقال أيظا(ص):« كل الكذب مكتوب كذبا لا محالة ، إلا أن يكذب الرجل في الحرب ، فإنّ الحرب خدعة ، أو يكون بين رجلين شحناء فيصلح بينهما ، أو يحدث إمرأته يرضيها ».
إنّ حكم العقل بحسن الصدق وقبح الكذب، أمرا مفروغا منه، ولكن لو صار الصدق مبدأ للفتنة، يصير قبيحا يحكم العقل بتركه ، وكذا لو صار الكذب مبدأ للصلاح، يحكم العقل بفعله ، بمعنى جواز إرتكاب أقل القبيحين، لدفع ما هو أكثر قبحا ! مثل الإصلاح بين الضرات من نسائه، بأن يظهر لكل واحدة أنها أحب إليه، أو إذا ما أخذه ظالم غاشم وسأله عن ماله أو عن مكان أحد المؤمنين، وكان يخشاه عليه، فله أن ينكر ويجيبه:" ما رأيته " (وهو قد رآه قبل ساعة)، ولكن يقصد بذلك أنه لم يره منذ دقائق !
قال الله تعالى:{ لا خير في كثير من نجواهم ، إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس } النساء ١١٤
جاء في وصية النبي(ص) للإمام علي(ع):« يا علي، إنّ الله عز وجل أحب الكذب في الصلاح، وأبغض الصدق في الفساد ».
قال الصادق(ع):« كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوما ، إلا كذبا في ثلاثة: رجل كايد في حروبه فهو موضوع عنه . أو رجل أصلح بين إثنين يلقى هذا بغير ما يلقى به هذا، يريد بذلك الإصلاح ما بينهما . أو رجل وعد أهله شيئا وهو لا يريد أن يتم لهم ».
إنّ الكذب لدفع ضرر أو فساد، جائز، بشرط صحة القصد . وقد ورد: أنّ الكذب المباح، يكتسب ويحاسب عليه التصحيح في قصده ، فإن كان قصده صحيحا يعفى عنه وإلا يؤاخذ به، فينبغي أن يجتهد في تصحيح قصده ، وأن يحترز عنه ما لم يضطر إليه .
وطريق التعريض والتورية: أن يخبر المتكلم المخاطب بلفظ ذي إحتمالين، أحدهما غير مطابق للواقع وأظهر في المقام ، فيحمله المخاطب عليه ، وثانيهما مطابق له يريده المتكلم !
قال رسول الله(ص):« من أخلص لله أربعين صباحا ، ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ».
رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين، واجعل لي لسان صدق في الآخرين، واجعلني من ورثة جنة النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين.

النفاق والحسد

قال الله تعالی:{ إنّ المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ، مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا } النساء ١٤٣
قال رسول الله(ص):« أربع من كن فيه كان منافقا ، ومن كانت فيه خلة منهن، كانت فيه خلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ».
قال الإمام الباقر(ع):« لبئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين، يطري أخاه شاهدا ويأكله غائبا، إن أعطي حسده وإن ابتلي خذله »
جاء في حديث قدسي:« يا عيسى، ليكن لسانك في السر والعلانية لسانا واحدا ، وكذلك قلبك ، إني أحذرك نفسك وكفى بي خبيرا ! لا يصلح لسانان في فم واحد، ولا سيفان في غمد واحد، ولا قلبان في صدر واحد ، وكذلك الأذهان »!
النفاق هو: أن تبدي للناس عکس ما یکون في باطنک وسریرتک بالقول والفعل، ولا ريب في أنه من المهلكات العظيمة .
واعلم يا أبو تقوى، أنّ أشد أنواع النفاق، كون الرجل ذا وجهين ولسانين، بأن يمدح أخاه المسلم في حضوره ويظهر له المحبة والنصيحة ، ويذمه في غيبته ويؤذيه بالسب والسعاية إلى الظالمين وهتك عرضه وإتلاف ماله وغير ذلك.. وبأن يتردد بين متعاديين ويتكلم لكل واحد بكلام يوافقه، ويحسّـن لكل واحد منهما ما هو عليه من المعاداة مع صاحبه ويمدحه على ذلك، أو يعد كل واحد منهما أنه ينصره ، أو ينقل كلام كل واحد إلى الآخر.. الخ
قال الله عز وجل:{ إنّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا } النســاء ١٤٥
قال النبي(ص):« يجيء يوم القيامة ذو الوجهين دالعا لسانه في قفاه ، وآخر من قدامه يلتهبان نارا حتى يلهبا جسده ، ثم يقال: هذا الذي كان في الدنيا ذا وجهين وذا لسانين، يعرف بذلك يوم القيامة ».
قال أمير المؤمنين(ع):« إنّ الإيمان يبدو لمظة بيضاء في القلب ، فكلما إزداد الإيمان، إزداد ذلك البياض حتى يبيض القلب كله ، وإنّ النفاق يبدو لمظة سوداء في القلب ، فكلما إزداد النفاق، إزداد بذلك السواد حتى يسود القلب كله ، وأيـّم الله لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض، ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود ».
قال الإمام الصادق(ع):« إستماع اللهو والغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل ».
من أبتلي بذي شر يخاف شره ، يجوز أن يجامله ويتقيه ويظهر له في حضوره من المدح والمحبة ما لم يعتقد به قلبه ، وهو معنى المداراة ، وهو وإن كان نفاقا، إلا أنه جائز شرعا للعذر. قال تعالى:{ ادفع بالتي هي أحسن السيئة }. وروي أنه إستأذن رجل على رسول الله(ص) فقال:« إئذنوا له فبئس رجل العشيرة . فلما دخل ألان له القول، حتى ظن أنّ له عنده منزلة . فلما خرج ، قيل له: لما دخل قلت الذي قلت، ثم ألنت له القول؟! فقال: إنّ شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة، من أكرمه الناس إتقاء لشره ».
ويدل على جواز ذلك جميع أخبار التقية وأخبار المداراة..
قال بعض الصحابة:« كنا نبشر في وجوه أقوام نلعنهم بقلوبنا »!
قال سبحانه وتعالى:{ ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم } محمد(ص) ٣٠
قال رسول الله(ص):« لا تحاسدوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ، وكونوا عباد الله إخوانا ».
قال الإمام علي(ع):« الحسد لا يجلب إلا مضرة وغيظا ، يوهن قلبك ويمرض جسمك ، وشر ما استشعر قلب المرء ، الحسد ».
قال الإمام الصادق(ع):« الحاسد مضر بنفسه قبل أن يضر بالمحسود، كإبليس أورث بحسده لنفسه اللعنة ، ولآدم الإجتباء والهدى والرفع إلى محل حقائق العهد والإصطفاء . فكن محسودا ولا تكن حاسدا، فإنّ ميزان الحاسد أبدا خفيف بثقل ميزان المحسود، والرزق مقسوم ، فماذا ينفع الحسد الحاسد ، وماذا يضر المحسود الحسد ؟! والحسد أصله من عمى القلب والجحود بفضل الله تعالى، وهما جناحان للكفر، وبالحسد وقع ابن آدم في حسرة الأبد وهلك مهلكا لا ينجو منه أبدا ، ولا توبة للحاسد ، لأنه مصر عليه معتقد به مطبوع فيه ، يبدو بلا معارض به ولا سبب ، والطبع لا يتغير عن الأصل وإن عولج ».
ورد في حديث قدسي:« إنّ الحاسد عدو لنعمتي ، متسخط لقضائي ، غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي ».
الحسد هو: تمني زوال النعمة عن صاحبها ، وتمنيها لنفسه .
والغبطة ضد الحسد وهو أن يريد مثل تلک النعمة ، ولكن من دون تمني زوالها عنه .
والحسد من أشد الأمراض وأصعبها ، وأسوأ الرذائل وأخبثها ، ويؤدي بصاحبه إلى عقوبة الدنيا وعذاب الآخرة ، لأنه في الدنيا لا يخلو لحظة عن الحزن والألم ، إذ هو يتألم بكل نعمة يرى لغيره ، ونعم الله تعالى غير متناهية لا تنقطع عن عباده ، فيدوم حزنه وتألمه ، فوبال حسده يرجع إلى نفسه ، ولا يضر المحسود أصلا !
قال الله تعالى:{ ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم } البقرة ١٠٩
قال النبي(صلى الله عليه وآله):« إياكم والحسد ، فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ».
قال أمير المؤمنين(ع):« الحسد عيب فاضح ، ووشح قادح ، لا يشفي صاحبه ، إلا بلوغ أمله فيمن يحسده ».
قال الإمام الصادق(ع):« بينما موسى ابن عمران يناجي ربه ويكلمه، إذ رآى رجلا تحت ظل عرش الله ، فقال: يا رب، من هذا الذي أظله عرشك ؟ فقال: يا موسى، هذا ممن لم يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ».
قال بعض الحكماء:« الحاسد لا ينال من المجالس إلا مذمة وذلا ، ولا من الملائكة إلا لعنة وبغضا ، ولا ينال من الخلق إلا جزعا وغما ، ولا ينال عند النزع إلا شدة وهولا ، ولا ينال عند الموقف إلا فضيحة ونكالا ».
قال الشاعر:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه..........فالكل أعداء له وخصــــوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها..........حسدا وبغيا إنه لدميــــــم !
ضدّ الحسد،(النصيحة)، وهي إرادة بقاء نعمة الله على أخيك المسلم مما له فيه صلاح ، وكراهة وصول الشر إليه ، وإرشاده إلى ما فيه مصلحته وسعادته .
والمعيار في كونك ناصحا: هو أن تريد لأخيك ما تريد لنفسك ، وتكره له ما تكره لنفسك. وفي كونك حاسدا: هو أن تريد له ما تكره لنفسك ، وتكره له ما تريد لنفسك .
ومن أحب الخير والنعمة للمسلمين ، كان شريكا في الخير، بمعنى أنه في الثواب كالمنعم وفاعل الخير. وقد ثبت من الأخبار، أنّ من لم يدرك درجة الأخيار بصالحات الأعمال ، ولكنه أحبهم ، يكون يوم القيامة محشورا معهم إنشاء الله !
قال الحق سبحانه:{ ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إنّ الله كان بكل شيء عليما } النساء ٣٢
قال رسول الله(ص):« إنّ أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة ، أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه ».
قال الإمام علي(ع):« ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم، من الحاسد: نفس دائم ، وقلب هائم ، وحزن لازم ».
وقال أيظا(عليه السلام):« خلوّ الصدر من الغل والحسد ، من سعادة المتعبد ».
جاء في حديث قدسي:« يا ابن عمران، لا تحسدنّ الناس على ما آتيتهم من فضلي ، ولا تمدن عينيك إلى ذلك ولا تتبعه نفسك ، فإنّ الحاسد ساخط لنعمي ، صاد لقسمي الذي قسمت بين عبادي ، ومن يك كذلك ، فلست منه وليس مني ».
قال بعضهم:« كل الناس أقدر أن أرضيهم ، إلا الحاسد فإنه لا يرضيه إلا زوال نعمتي » !
قد علمت ـ يا أبو تقوى ـ أنّ المنافسة والغبطة هي تمني مثل ما للمغبوط ، من غير أن يريد زواله عنه ، وهي ليست مذمومة ، وعليها يحمل قول النبي(ص):« لا حسد إلا في اثنين: رجل آتاه الله مالا، فسلطه على ملكه في الحق. ورجل آتاه الله علما، فهو يعمل به ويعلمه الناس ». أي لا غبطة إلا في ذلك .
أما إذا أصاب النعمة كافر أو فاجر، وهو يستعين بها على تهييج الفتنة، وإيذاء الخلق وإفساد ذات البين ، فلا مانع من كراهتها عليه وحب زوالها منه ، من حيث أنها آلة للفساد لا من حيث أنها نعمة.
قال الله عز وجل:{ إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إنّ الله بما يعملون محيط } آل عمران ١٢٠
قال النبي(صلى الله عليه وآله):« إستعينوا على حوائجكم بالكتمان، فإنّ كل ذي نعمة محسود ».
قال لقمان الحكيم:« يا بني، إحذر الحسد فلا يكونن من شأنك ، واجتنب سوء الخلق ولا يكونن من طبعك ، فإنك لا تضر بهما إلا نفسك ، وإذا كنت أنت الضار لنفسك، كفيت عدوك أمرك ، لأنّ عداوتك لنفسك، أضرّ عليك من عداوة غيرك ».
قال الإمام الصادق(ع):« لما هبط نوح(ع) من السفينة ، أتاه إبليس فقال له: ما في الأرض رجل أعظم منة عليّ منك ، دعوت الله على هؤلاء الفساق فأرحتني منهم، ألا أعلمك خصلتين ؟ إياك والحسد، فهو الذي عمل بي ما عمل، وإياك والحرص، فهو الذي عمل بآدم ما عمل ».
ومن حكم أمير المؤمنين(ع): « ليس لحسود خلة ». « الحسد مقنصة ابليس الكبرى ». « الحسد ينكد العيش ». « الحسود أبدا عليل ». « الحسد ينشئ الكمد ». « الحسود لا يسود ». « لله در الحسد ما أعدله ! بدأ بصاحبه فقتله ».
قال أبو تمام:
وإذا أراد الله نشر فضيلــــة..........طويت، أتاح لها لسان حسـود !
قال الله تعالى:{ قل أعوذ برب الفلق ، من شرّ ما خلق ، ومن شرّ غاسق إذا وقب ، ومن شرّ النفاثات في العقد ، ومن شرّ حاسد إذا حسد } سورة الفلق
وصلى الله على رسوله وآل بيته الطاهرين الطيبين .

التـكبر والتــواضع

قال الله تعالى:{ ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا ، فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ، وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما } النساء ١٧٣
قال رسول الله(ص):« يا أبا ذر، من مات وفي قلبه مثقال ذرة من كبر، لم يجد رائحة الجنة إلا أن يتوب قبل ذلك . فقال رجل: يا رسول الله ، إني ليعجبني الجمال حتى وددت أنّ علاقة سوطي وقبال نعلي حسن، فهل ترهب ذلك عليّ؟ قال: كيف تجد قلبك؟ قال: أجده عارفا للحق مطمئنا إليه، قال: ليس ذلك بالكبر، ولكن الكبر أن تترك الحق وتتجاوزه إلى غيره ، وتنظر إلى الناس لا ترى أنّ أحدا عرضه كعرضك ، ولا دمه كدمك ».
قال الإمام الباقر(ع):« الكبر رداء الله، والمتكبر ينازع الله رداءه ».
قال الصادق(ع):« إیاکم والعظمة والکِـبَـر، فإنّ الکبر رداء الله عز وجل، فمن نازع الله رداءه ، قصمه الله وأذله يوم القیامة ».
الکِـبَـر هو: أكبر من العجب(الذي هو إعجاب المرء بنفسه)، أما الكبر فهو الإعتقاد بأفضلية النفس على الغير إطلاقا ، بل رؤية الإنسان نفسه فوق الآخرين وترجيحها عليهم ، والترفع والتعالي عليهم واستصغارهم .
(والكبـَر) هو خلق باطني يولد أعمال ظاهرية تسمى( تكبرا)، فمن تعزز ورأى نفسه باطنا فوق الغير، من دون صدور فعل على جوارحه ، يقال له( كبر) ، فإذا ظهرت الأعمال، يقال له( تكبر).
قال سبحانه وتعالى:{ فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون ، لا جرم أنّ الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين } النحل ٢٣
قال النبي(ص):« يحشر المتكبرون يوم القيامة في مثل صور الذر، تطأهم الناس ذرا في مثل صور الرجال ، يعلوهم كل شيء من الصغار، ثم يساقون إلى سجن في جهنم يقال له ( يولس)، تعلوهم نار شر أنيار، يسقون من طينة الخبال وعصارة أهل النار».
قال أمير المؤمنين(ع):« واعتمدوا وضع التذلل على رؤوسكم ، وإلقاء التعزز تحت أقدامكم ، وخلع التكبر من أعناقكم ، واتخذوا التواضع مسلحة بينكم وبين عدوكم إبليس وجنوده ، فإنّ له من كل أمة جنودا وأعوانا، ورجلا وفرسانا، ولا تكونوا كالمتكبر على ابن أمه من غير ما فضل جعله الله فيه، سوى ما ألحقت العظمة بنفسه من عداوة الحسد، وقدحت الحمية في قلبه من نار الغضب ، ونفخ الشيطان في أنفه من ريح الكبر الذي أعقبه الله به الندامة ، وألزمه آثام القاتلين إلى يوم القيامة ».
قال عيسى بن مريم(ع):« كما أن الزرع يثبت في السهل ولا ينبت على الصفاء ، كذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبر، ألا ترون أنه من يتشمخ برأسه إلى السقف شجه ، ومن يطأطئ أظله وأكنه ».
الكبر درجات:
(الأولى) أن يكون مستقرا في قلب الإنسان، إذ يرى نفسه خيرا من غيره ، ويظهره في أفعاله وأقواله بالترفع في المجالس، والتقدم على الأقران، وأن يصعر خده للناس كأنه معرض عنهم، وبالمباهاة والمفاخرة ، وتزكية النفس، والتشمير لغلبة الغير في العلم والعمل وهذه الدرجة أقبح الدرجات وأشدها ، إذ صاحبها قد رسخت في قلبه شجرة الكبر وارتفعت أغصانها وفروعها ، بحيث أحاطت على جميع جوارحه
(الثانية) أن يكون مستقرا في قلبه بحيث يرى نفسه خيرا من غيره، إلا أنه لا يظهره على لسانه وأفعاله ، ويجتهد في التواضع، ويفعل فعل من يرى غيره خيرا من نفسه ، ويسعى لإزالة شجرة الكبر من باطنه، ومثله يوفقه الله للوصول إلى مقصده إنشاء الله.
قال الله تعالى:{ قيل أدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين } الزمر ٧٢
قال رسول الله(ص):« بئس العبد عبد تجبر واعتدى ونسي الجبار الأعلى ، بئس العبد عبد تبختر واختال ونسي الكبير المتعال ، وبئس العبد عبد غفل وسها ونسي المقابر والبلى ، وبئس العبد عبد عتا وبغى ونسي المبدأ والمنتهى ».
قال الإمام الصادق(ع):« إنّ في جهنم لوادیا للمتکبرین یقال له (صقر)، شکی إلی الله عز وجل شدّة حره ، وسأله أن یأذن له أن یتنفس، فتنفس، فأحرق جهنـم ».
قال الإمام علي(ع):«.. واستعيذوا بالله من لواقح الكبر(أي: محدثاته في النفوس) كما تستعيذونه من طوارق الدهر، فلو رخص الله في الكبر لأحد من عباده ، لرخص فيه لخاصة أنبيائه وأوليائه ، ولكنه سبحانه كره إليهم التكابر ورضي لهم التواضع ، فألصقوا بالأرض خدودهم، وعفروا في التراب وجوههم ، وخفضوا أجنحتهم للمؤمنين، وكانوا أقواما مستضعفين ».
أوحى الله إلى موسى(ع):« أن يا موسى، أتدري لم إصطفيتك بكلامي دون خلقي ؟ قال: يا رب ! ولم ذلك ؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: أني قلبت عبادي ظهرا لبطن، فلم أجد فيهم أحدا أذل نفسا لي منك ، يا موسى، إنك إذا صليت وضعت خدك على التراب».
التواضع: هو أن لا يرى المرء لنفسه مزية على الغير، وهو إنكسار للنفس يمنعها من أن يرى لها أرجحية أو أفضلية على الآخرين ، فعلى السالك إلى الله تعالى، أن يتواضع بالفعل لسائر الناس ، ويواظب على أخلاق المتواضعين، ويكلف نفسه على ذلك مدة من الزمن، إلى أن تقطع عن قلبه شجرة الكبر بأصولها وفروعها ، ويصير التواضع ملكة له.
قال الله عز وجل:{ وعباد الرحمان الذین یمشون علی الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } الفرقان ٦٣
قال النبي(صلى الله عليه وآله):« إذا هدى الله عبدا الإسلام، وحسن صورته، وجعله في موضع غير شائن له، ورزقه مع ذلك تواضعا، فذلك من صفوة الله ».
وقال أيظا(ص) لأصحابه:« مالي لا أرى عليكم حلاوة العبادة ؟ قالوا: وما حلاوة العبادة ؟ قال: التواضع ».
قال الإمام علي(ع):« ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عندالله ، وأحسن منه تيه الفقراء ».
جاء في حديث قدسي:« إنما أقبل صلاة من تواضع لعظمتي ولم يتعاظم على خلقي، وألزم قلبه خوفي وقطع نهاره بذكري، وكف نفسه عن الشهوات من أجلي ».
قال الصادق(ع):« من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس ، وأن تسلم على من تلقى ، وأن تترك المراء وإن كنت محقا ، ولا تحب أن تحمد على التقوى ».
قال سليمان بن داود(ع) يوما للطير والجن والإنس والبهائم: «أخرجوا ، فخرجوا في مائتي ألف من الإنس ومائتي ألف من الجن ، فرفع حتى سمع زجل الملائكة بالتسبيح في السماوات، ثم خفض حتى مست أقدامه البحر، فسمع صوتا يقول: لو كان في قلب صاحبكم مثقال ذرة من كبر، لخسفت به أبعد مما رفعته ».
وأما علاج التكبر، فعلى الإنسان أن يسعى إلى معرفة ربه ، وأنه لا تليق العزة والعظمة إلا به سبحانه ، وأن يعرف نفسه حق المعرفة ليعلم أنه بذاته، أذل من كل ذليل وأقل من كل قليل، وأنّ أول أمره خلق من الأقذار الشنيعة الصور: من النطفة ودم الحيض، ومرّ على مجاري البول مرتين.. أوله نطفة قذرة وآخره جيفة عفنة، وهو في ما بين ذلك، حمال نجاسات منتنة ، لو ترك نفسه فلم يتعهدها بالغسل والتنظيف ، لثارت منه الأنتان والأقذار، ولصار أنتن من الدواب الهوام ، فما له والتكبر والإستعظام ؟!
قال سبحانه وتعالى:{ واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } الشعراء ٢١٥
قال رسول الله(ص):« من تواضع لله رفعه الله ، فهو في نفسه ضعيف وفي أعين الناس عظيم ، ومن تكبر وضعه الله ، فهو في أعين الناس صغير وفي نفسه كبير، حتى لهو أهون عليهم من كلب أو خنزير».
ومن حكم أمير المؤمنين(ع):« ثمرة التواضع المحبة ، ثمرة الكبر المسبة ». « من تواضع قلبه لله ، لم يسأم بدنه من طاعة الله ».
« التواضع يكسبك السلامة ». « التواضع يكسوك المهابة ».
روي أنّ رجلا عليه جدري قد تقشر، دخل على رسول الله(ص) وعنده ناس من أصحابه يأكلون، فما جلس عند أحد، إلا قام من جنبه ، فأجلسه النبي(ص) إلى جنبه !
قيل لسلمان(رض): لم لا تلبس ثوبا جديدا ؟ فقال:« إنما أنا عبد، فإذا أعتقت يوما لبست جديدا » (أشار به إلى العتق في الآخرة) !
قال المصطفى(ص):« إذا رأيتم المتواضعين من أمتي فتواضعوا لهم ، وإذا رأيتم المتكبرين فتكبروا عليهم ، فإنّ ذلك لهم مذلة وصغار».
قال الله تعالى:{ من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } المائدة ٥٤
ونختم بدعاء السجاد(ع):« اللهم صل على محمد وآل محمد، ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزا ظاهرا إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها».
آمين رب العالمين.

العــــــجب

قال الله تعالی:{ ولا تصعّـر خدک للناس ولا تمش في الأرض مرحا إنّ الله لا یحب کل مختال فخور واقصد في مشیک واغضض من صوتک إنّ أنکر الأصوات لصوت الحمیر} لقمــان١٩
قال رسول الله(ص):« ثلاث مهلكات: شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ».
وقال أيظا(ص):« لو لا أنّ الذنب خير للمؤمن من العجب، ما خلى الله بين عبده المؤمن وبين ذنب أبدا ».
قال الإمام الصادق(ع):« العَجب كل العجب ممن يعجب بعمله وهو لا يدري بما يختم له ، فمن أعجب بنفسه وفعله، فقد ضل عن نهج الرشاد وادّعى ما ليس له ، والمدعي من غير حق كاذب وإن أخفى دعواه وطال دهره . وإنّ أول ما يفعل بالمعجب، نزع ما أعجب به، ليعلم أنه عاجز حقير، ويشهد على نفسه ليكون الحجة عليه أوكد ، كما فعل بإبليس . والعجب نبات حبها الكفر، وأرضها النفاق ، وماؤها البغي، وأغصانها الجهل، وورقها الضلالة، وثمرها اللعنة والخلود في النار، فمن اختار العجب فقد بذر الكفر وزرع النفاق، ولا بد أن يثمر ».
العُجب: هو إستعظام الإنسان نفسه، لأجل ما يرى لها من صفة كمال، واستعظام الطاعة وحب التحدث بها في المحافل والتبجح بذكرها، إذ يرى العامل نفسه خارجة بسبب طاعته عن حد التقصير.
وقيل:" هو إعظام النعمة والركون إليها ، مع نسيان إضافتها إلى المنعم "!
وأنواع العجب كثيرة: كالعجب بالعلم، والعبادة، والطاعة، والنسب، والشجاعة، والسخاوة، والجمال، والمال، والقوة، والجاه، وكثرة الأعوان والأنصار..الخ
قال الشاعر:
لئن فخرت بآباء ذوي شرف..........لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا
قال الإمام الباقر(ع):« عجبا للمختال الفخور، وإنما خلق من نطفة ثم يعود جيفة ، وهو فيما بين ذلك لا يدري ما يصنع به ».
روي أن أيوب(ع) لما جهده البلاء، قال:« لأقعدن مقعد الخصم، فأوحى الله إليه: تكلم، فجثى على الرماد فقال: يا رب إنك تعلم أنه ما عرض لي أمران قط، كلاهما لك رضى إلا إخترت أشدهما على بدني . فنودي من غمامة بيضاء بستة آلاف ألف لغة: فلمن المن؟! فوضع الرماد على رأسه، وخر ساجدا ينادي: لك المن سيدي ومولاي، فكشف الله ضره ». بعد التذكير رجع عن نسيانه، وأضاف ذلك إلى الله سبحانه، ولذلك قال الله تعالى:{ ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا } !
قال النبي(ص):« قال الله جل جلاله: إنّ من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي، فيقوم من رقاده ولذيذ وساده ، فيتهجد في الليالي ويتعب نفسه في عبادتي، فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين نظرا مني له وإبقاء عليه، فينام حتى يصبح ويقوم وهو ماقت لنفسه زار عليها، ولو أخلي بينه وبين ما يريد من عبادتي، لدخله من ذلك العجب، فيصيره العجب إلى الفتنة بأعماله ورضاه عن نفسه حتى يظن أنه قد فاق العابدين، وجاز في عبادته حد التقصير، فيتباعد مني عند ذلك وهو يظن أنه يتقرب إلي ».
قال الإمام الصادق(ع):« یقول الشیطان: إذا ظفرت بابن آدم في ثلاث، فلا یهمني عمله بعد ذلک، لأنه لن یقبل منه: إذا استکثر عمله، ونسي ذنبه ، وتسرّب إلیه العجب ».
قال الإمام الباقر(ع):« دخل رجلان المسجد ، أحدهما عابد والآخر فاسق ، فخرجا من المسجد والفاسق صدّيق والعابد فاسق ، وذلك أنه يدخل العابد المسجد مدلا بعبادته يدل بها ، فتكون فكرته في ذلك ، وتكون فكرة الفاسق في الندم على فسقه ، ويستغفر الله مما صنع من الذنوب ».
العجب من المهلكات العظيمة، إذ هو الناقل للعمل من كفة الحسنات إلى كفة السيئات، ومن رفيع الدرجات إلى أسفل الدركات. وهو حجاب غليظ بين العقل وعيوب النفس، يدعو إلى نسيان الذنوب وإهمالها، فلا يجتهد في تداركها وتلافيها، بل يظن أنها تغفر له، وأما العبادات فيستعظمها ويتبجح بها ويمن على الله بفعلها !
ومن العجب أن يعجب المرىء بنفسه ، ولا يعجب بمن إليه الأمر كله سبحانه، وبجوده وكرمه ، وفضله في إيثاره إياه على الفساق من عباده ، إذ مكنهم من أسباب الشهوات واللذات وزواها عنه ، وصرف عنهم بواعث الخير وهيأها له ، حتى يتيسر له الخير من غير وسيلة سابقة منه .
قال رسول الله(ص):« قال الله عز وجل: يا داود، بشر المذنبين وأنذر الصديقين، قال: كيف أبشر المذنبين وأنذر الصديقين ؟ قال: بشر المذنبين أني أقبل التوبة وأعفو عن الذنب، وأنذر الصديقين ألا يعجبوا بأعمالهم، فإنه ليس عبد أنصبه للحساب، إلا هلك ».
قال الإمام الصادق(ع):« أتى عالم عابدا فقال له: كيف صلاتك ؟ فقال: مثلي يسأل عن صلاته وأنا أعبد الله منذ كذا وكذا ؟ قال: فكيف بكاؤك ؟ قال: أبكي حتى تجري دموعي ، فقال له العالم: فإنّ ضحكك وأنت خائف، أفضل من بكائك وأنت مدل ، إنّ المدل لا يصعد من عمله شيء ».
قال عيسى(عليه السلام):« كم من سراج قد أطفأته الريح ، وكم من عابدا أفسده العجب ».
تفاخرت قريش يوما عند سلمان(رض)، فقال:« لكني خلقت من نطفة قذرة ، ثم أعود جيفة منتنة ، ثم إلى الميزان ، فإن ثقل فأنا كريم ، وإن خف فأنا لئيم ».
يا أبو تقوى: إياك أن تغتر بأعمالک.. أنسبها دائما إلی ما فوقها من أعمال من هم فوقک ومن هم أحسن منک، هل تری لها قیمة ؟
إنك إذا ترقیت عن المقام الذي أنت فیه إنشاء الله، فستری ذلک العمل ذنبا وتقصیرا یحتاج إلی الإعتذار وتستحیي من نسبته إلیک !
والعُجب له مراتب، منها الواضح ومنها الدقیق الخفيّ، وهو حتما أسوأ من المعصیة، لذلک الحق جلـّت عظمته ـ أحیانا ـ یبتلي عبده المؤمن بالمعصیة لکي یصبح آمنا من العجب !
قال سبحانه وتعالى:{ ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا } التوبة ٢٥
قال النبي(ص):« ما منكم من أحد ينجيه عمله ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته ».
قال الإمام علي(ع) لإبنه الحسن(ع):« يا بني، إحفظ عني أربعا وأربعا لا يضرك ما عملت معهن: أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق، وأوحش الوحشة العجب، وأكرم الحسب حسن الخلق ».
قيل للصادق(ع): الرجل يعمل العمل وهو خائف مشفق ، ثم يعمل شيئا من البر فيدخله شبه العجب به ، فقال:« هو في حاله الأولى وهو خائف، أحسن حالا منه في حال عجبه ».
جاء في بعض الآثار، أنّ عابدا من بني إسرائيل كان مقيما في كهف، وبجنبه عين ماء وأشجار مثمرة كان مكتفيا بها، فمكث ما شاء الله صائما نهاره قائما ليله ، فدخله العجب، فلما أفطر ليلته بشيء من الثمار وذهب إلى العين ليشرب على عادته، رأها قد غارت ولا ماء، فاضطرب واشتد به العطش، فانحدر من الجبل ليطلب الماء، فلقيه ملك في هيئة رجل معه قربة من ماء، فقال له العابد: أسقني سقاك الله ، قال: هات الثمن، قال: ما عندي شيء وأنا فلان العابد، فقال: هات عبادتك، فقال العابد: أنى يسوغ هذا وأنا أعبد الله منذ كذا سنة، كيف أبذلها على شربة من ماء ؟ فقال الرجل: لابد من ذلك، فساومه بالعشر والتسع ولا زال يزيد شيئا فشيئا والرجل لا يرضى إلى أن رضي العابد بالجميع، فلما بذلها له جميعا ناوله الماء، فلما شرب وارتوى، عرك الملك أذنه وقال له: مهلا أيها المعجب بأعمال قدرها شربة من ماء، وأنت تشرب كل يوم كم شربة، فأي شيء تستعظم من عملك ؟ فعلم العابد أنّ ذلك كان تنبيها من الله له ».
قال أمير المؤمنين(ع):
أنا ابن نفسي وكنيتي أدبي...........من عجم كنت أو من العــرب
إنّ الفتى من يقول ها أنـذا..........ليس الفتى من يقول كان أبــي
قال الله تعالى:{ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا } الكهف ١٠٤
اللهم إنا نعوذ بك من شرّ أنفسنا ومن شر العجب.

الريـــــــاء

قال الله تعالی:{ إنّ المنافقین یخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلی الصلاة قاموا کسالی یراؤون الناس ولا یذکرون الله إلا قلیلا ، مذبذبین بین ذلک لا إلی هؤلاء ولا إلی هؤلاء ومن یظلل الله فلن تجد له سبیلا } النساء ١٤٣
قال رسول الله(ص):« إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء ، يقول الله عز وجل يوم القيامة للمرائين إذا جازى العباد بأعمالهم: إذهبوا إلى الذين كنتم تراؤن لهم في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء ».
قال أمير المؤمنين(ع):« إخشوا الله خشية ليست بتعذير(بمعنى: التقصير)، واعملوا بغير رياء ولا سمعة ، فإنه من عمل لغير الله ، وكله الله إلى عمله يوم القيامة ».
قالت الصديقة الزهراء(عليها السلام):« من أصعد إلى الله خالص عبادته ، أهبط الله عز وجل إليه أفضل مصلحته ».
قال الإمام الباقر(ع):« الإبقاء على العمل أشد من العمل، قيل: وما الإبقاء على العمل ؟ قال: يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فتكتب له سرا، ثم يذكرها فتمحى فتكتب له علانية، ثم يذكرها فتمحى فتكتب له رياء ».
قال الإمام الصادق(ع):« قال الله عز وجل: أنا خير شريك ، من أشرك معي غيري في عمل ، لم أقبله إلا ما كان لي خالصا ».
الرياء هو: أن تقصد في عملك غير المولى سبحانه وتعالى ، فتعمل ليراك الناس حتى وإن كان قلبك غير راغب في ذلك العمل، فتظهر لهم ما حسن منک وتکتم ما قبح ، بغية طلب المنزلة عندهم واجتذاب قلوبهم والإشتهار بینهم !
قال الله عز وجل:{ کالذي ینفق ماله ریاء الناس ولا یؤمن بالله والیوم الآخر فمثله کمثل صفوان علیه تراب فأصابه وابل فترکه صلدا } البقــرة ٢٦٤
قال سيد الرسل(ص):« إنّ اليسير من الرياء شرك، وإنّ الله يحب الأتقياء الأخفياء، الذين إذا غابوا لم يفقدوا، وإذا حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يتحول من كل غبراء مظلمة ».
وقال أيظا(ص):« إنّ المرائي ينادى عليه يوم القيامة: يا فاجر يا غادر يا مرائي ضل عملك وحبط أجرك، إذهب فخذ أجرك ممن كنت تعمل له ».
قال الإمام علي(ع):« ثلاث علامات للمرائي: ینشط إذا رأی الناس، ویکسل إذا کان وحده ، ویحبّ أن یحمد في جمیع أموره ».
عن الصادق(ع) في قوله تعالى:" فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ", قال(ع):« الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه الله إنما يطلب تزكية الناس، يشتهي أن يسمع به الناس, فهذا الذي أشرك بعبادة ربه. ثم قال: ما من عبد أسر خيرا فذهبت الأيام أبدا حتى يظهر الله له خيرا ، وما من عبد أسر شرا فذهبت الأيام أبدا حتى يظهر الله له شرا ».
للرياء أبواب كثيرة ومتشعبة: كإظهار النحول والصفار وذبل الشفاه، ليستدل بهما على قلة الأكل أو الصوم وسهر الليل. وكخفض الصوت وإرخاء الجفون وتنكيس الرأس عند الكلام وإظهار الهدوء والسكون في المشي.. ليستدل بذلك على وقاره وتقواه.. الخ.
قال الله تعالى:{ فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤن ويمنعون الماعون } الماعون ٤ ــ ٧
قال رسول الله(ص):« إنّ الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به، فإذا صعد بحسناته، يقول الله عز وجل: إجعلوها في سجين، إنه ليس إياي أراد به ».
وقال أيظا(ص):« سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا، لا يريدون به ما عند ربهم ، يكون دينهم رياء لا يخالطهم خوف ، يعمهم الله بعقاب فيدعونه دعاء الغريق، فلا يستجيب لهم ».
قال الإمام السجاد(ع):« حق الله الأكبر عليك أن تعبده ولا تشرك به شيئا ، فإذا فعلت ذلك بإخلاص ، جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ».
قال الإمام الصادق(ع):« من أراد الله بالقليل من عمله ، أظهر الله له أكثر مما أراده به ، ومن أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه وسهر من ليله ، أبى الله إلا أن يقلله في عين من سمعه ».
روي أن رجلا من بني إسرائيل قال:« لأعبدن الله عبادة أذكر بها، فمكث مدة مبالغا في الطاعات ، وجعل لا يمر بملأ من الناس إلا قالوا: متصنع مراء . فأقبل على نفسه وقال: قد أتعبت نفسك وضيعت عمرك في لا شيء ، فينبغي أن تعمل لله سبحانه . فغير نيته وأخلص عمله لله تعالى ، فجعل لا يمر بملأ من الناس إلا قالوا: ورع تقي !
سُـئل الإمام الباقر(ع) عن الرجل يعمل الشيء من الخير فيراه إنسان فيسره ذلك ، قال:« لا بأس ، ما من أحد إلا وهو يحب أن يظهر الله له في الناس الخير، إذا لم يكن صنع ذلك لذلك ».
قال عيسى(ع):« إذا صام أحدكم ، فليدهن رأسه ، ويرجل شعره ، ويكحل عينيه ». (خوفا من نزع الشيطان بالرياء) !
وكان بعض الأكابر يقول:« من يدلني على بكاء بالليل ، بسام بالنهار» !
جاء في حكم أمير المؤمنين(ع):« قدموا خيرا تغنموا ، وأخلصوا أعمالكم تسعدوا ». « تصفية العمل ، أشد من العمل ». « في إخلاص الأعمال ، تنافس أولي النهى والألباب ». « كلما أخلصت عملا ، بلغت من الآخرة أمدا ». « فاز بالسعادة ، من أخلص العبادة».
یا أبوتقوی: إياك والرياء ، فإنه موجب للمقت والشقاء ، بل أعمل لله وحده ولا تشرک في عملک أحدا إلا هو سبحانه ، لأنه لا فائدة ترجی من حب الناس واحترامهم لک لأیام معدودة ، فإنّ رضاهم لا يزيدك رزقا ولا أجلا ، ولا ترى منهم نافعا يوم فاقتك قولا ولاعملا. وكرر قول المصطفى(ص):« اللهم إجعل سريرتي خيرا من علانيتي، واجعل علانيتي صالحة ». آمين رب العلمين .