اللهم صل على محمد وال محمد --- aboutaqua@yahoo.it --- اللهم صل على محمد وال محمد

اليقـين والـرضا والـتوكــل

قال الله تعالی:{ قل لن یصیبنا إلا ما کتب الله لنا هو مولانا وعلی الله فلیتوکل المؤمنون } التوبة ٥١
قال رسول الله(ص):« لا يكمل عبد الإيمان بالله حتى يكون فيه خمس خصال: التوكل على الله، والتفويض إلى الله، والتسليم لأمر الله، والرضا بقضاء الله، والصبر على بلاء الله . إنه من أحبّ في الله وأبغض في الله وأعطى لله ومنع لله، فقد إستكمل الإيمان ».
اليقين هو ضد الحيرة والشك، وهو إعتقاد راسخ ثابت جازم مطابق للواقع، غير زائل بشبهة وإن قويت .
وهو أشرف الفضائل والكمالات النفسية، وهو الكبريت الأحمر الذي من وصل إليه فاز بالرتبة القصوى والسعادة العظمى .
قال الإمام الصادق(ع):« من صحة یقین المرء المسلم، أن لا یُرضي الناس بسخط الله، ولا یلومهم علی ما لم یؤته الله، فإنّ الرزق لا یسوقه حرص حریص، ولا یردّه کراهیة کاره، ولو أنّ أحدکم فرّ من رزقه کما یفر من الموت، لأدرکه رزقه کما یدرکه الموت. ثم قال(ع): إنّ الله بعدله وقسطه جعل الروح والراحة في الیقین والرضا، وجعل الهمّ والحزن في الشک والسخط ».
قال الإمام الکاظم(ع):« ینبغي لمن عقل عن الله ، أن لا یستبطئه في رزقه ، ولا یتهمه في قضاءه ».
لصاحب اليقين علامات:
أن لا يلتفت في أموره إلى غير الله سبحانه، ولا يكون إتكاله في مقاصده إلا عليه وحده، ويعلم أنّ ما يرد عليه منه تعالى، وما قدر له وعليه من الخير والشر سيساق إليه، فيستوي عنده حينئذ الفقر والغنى، والصحة والمرض، والعز والذل.. ولم يكن له خوف ورجاء إلا منه تعالى . والسر في ذلك: أنه يرى الأشياء كلها من عين واحدة ، هو مسبب الأسباب ، فلا يلتفت إلى الوسائط ، بل يراها مسخرة تحت حكمه !
أن يكون في جميع الأحوال خاضعا خاشعا لله سبحانه ، قائما بوظائف خدمته ، متوجها بشراشره إليه، معرضا عن جميع ما عداه ، مفرغا قلبه عما سواه ، منصرفا بفكره إلى جناب قدسه، مستغرقا في لجة حبه وأنسه.
والسر في ذلك: أنّ صاحب اليقين عارف بعظمة الله وقدرته، وبأنه تعالى مشاهد لأعماله وأفعاله، مطلع على خفايا ضميره وهواجس خاطره ، فيكون دائما في مقام الشهود لديه والحضور بين يديه ، فلا ينفك لحظة عن الحياء والخجل والإشتغال بوظائف الأدب والخدمة ، ويكون سعيه في تخلية باطنه عن الرذائل وتحليته بالفضائل، أشد من تزيين ظاهره لأبناء نوعه !
قال سبحانه وتعالى:{ إنّ الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق وآعبدوه } العنكبوت ١٧
قال النبي(ص):« من سره أن يكون أغنى الناس ، فليكن بما عند الله أوثق منه بما في يده ».
لليقين مراتب:(علم اليقين)، (عين اليقين)، (حق اليقين).. وحصول كل هذه المراتب يتوقف على مجاهدات شاقة ورياضات قوية ، وبدون ذلك، لا يحصل هذا النوع من اليقين والمشاهدة :
وكيف ترى ليلى بعين ترى بها..........سواها، وما طهرتها بالمدامع !
قال الصادق(ع):« عجبت للمرء المسلم لا يقضي الله عز وجل له قضاء إلا كان خيرا له، إن قرض بالمقاريض كان خيرا له، وإن ملك مشارق الأرض ومغاربها كان خيرا له ».
الرضا: ضد السخط وهو ترك الإعتراض على أمر الله، والفرح والسرور بقضاءه وقدره حلوه ومرّه ، ووقوف العبد علی کل إرادات الله سبحانه فلا یتبع إرادته هو، ولا یلتمس أو یتمنی تقديم أو تأخیر أمرا من أموره جل جلاله، بل تکون إرادته فانیة في إرادة الحق جلت عظمته، إذ المحب يستحسن كل ما يصدر عن محبوبه، فلا يرجح بعضها على بعض !
قیل لأحد أهل السلوک: ماذا ترید؟ قال: " أرید أن لا أرید " !!
قال موسی(عليه السلام):« یا رب أرني أحبّ خلقک إلیک وأکثرهم عبادة. فأمره الله تعالی أن ینتهي إلی قریة إلی ساحل بحر، وأخبره أنه یجده في مکان قد سماه له. فوصل إلی ذلک المکان فوقع علی رجل مجذوم یسبح الله تعالی. فقال موسی لجبرئیل: یا جبرئیل، أین الرجل الذي سألت ربي أن یریني إیاه ؟ فقال جبرئیل: هو یا کلیم الله هذا. فقال: یا جبرئیل إني کنت أحب أن أراه صواما قواما. فقال جبرئیل: هذا أحب إلی الله تعالی وأعبد من کثیر من الصوام والقوام ، وقد أمرت بذهاب کریمته فاسمع ما یقول. فأشار جبرئیل إلی عینیه فسالتا علی خدیه. فقال: متعتني بهما حیث شئت وسلبتني إیاهما حیث شئت وأبقیت لي فیک طول الأمل، یا بار یا وصول! فقال له موسی: یا عبد الله، إني رجل مجاب الدعوة فإن أحببت أن أدعو لک الله تعالی یرد عليك ما ذهب من جوارحک، ویبرئک من العلة فعلت. فقال رحمة الله علیه: لا أرید شیئا من ذلک، إختیاره لي أحبّ إليّ من إختیاري لنفسي. فقال له موسی: سمعتک تقول یا بار یا وصول، ما هذا البرّ والصلة الواصلان إلیک من ربک ؟ فقال: ما أحد في هذا البلد یعرفه غیري ـ أو قال: یعبده ـ فراح موسى(ع) متعجبا وقال: هذا أعبد أهل الدنیا » !
قال الله تعالى:{ ومن یتوکل علی الله فهو حسبه إنّ الله بالغ أمره قد جعل الله لکل شيء قدرا } الطلاق٣
عن أمير المؤمنين(ع) قال:« إنّ النبي(ص) سأل ربه ليلة المعراج فقال: یا رب، أيّ الأعمال أفضل؟ فقال الله عز وجل: یا أحمد، لیس شيء أفضل عندي، من التوکل عليّ والرضا بما قسمت ».
وقال الإمام علي(ع):« الإیمان له أرکان أربعة: التوکل علی الله، وتفویض الأمر إلی الله، والرضا بقضاء الله، والتسلیم لأمر الله عز وجل ».
التوكل: هو: إظهار العجز والإعتماد علی الله في کل شيء .
فالذي يؤمن بأنّ الله بيده تصريف الحياة، وبيده النفع والضر، يترك الأمر إليه ويرضى بمشيئته، فلا يفزعه المستقبل وما يخبئه له من مفاجآت، ويستعيض عن الخوف، بسكينة واطمئنان إلى عدل الله ورحمته .
فالتوكل هو زاد روحي للتغلب على الخوف والقلق، وهو الذي يعطي المؤمن بسمة أمام أحلك الساعات التي تمر به، ويهبه سكينة النفس المحروم منها كثير من سكان هذا العالم !
أرکان التوکل أربعة:
الإیمان بأنّ الوکیل یعلم حاجة الموکل.
الإیمان بأنّ الوکیل قادر علی قضاء حاجة الموکل.
الإیمان بأنّ للوکیل رحمة وشفقة علی الموکل.
الإیمان بأنّ البخل بعید عن ساحته.
قال رسول الله(ص):« لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقتم كما ترزق الطيور تغدوا خماصا وتروح بطانا ».
وقال الإمام زين العابدين(ع) في دعائه:« إلاهي، إن أعطیتني فمن ذا الذي یمنعني؟ وإن منعتني فمن ذا الذي یعطیني » ؟!
إنّ العبد الذي یوکل أموره إلی الحق المتعال، یجد بوضوح مدد التیسیر والتسدید من الحق في کل شأن من شؤون حیاته، فالیسیر من السعي قد یستنزل الواسع من الرزق، وهو من الرزق الذي یطلب الإنسان ولا یطلبه، وبذلک لا یقع في عناء طلب ما لم یقدر له فیه رزقا.. والقلیل من الذریة یوجب له خلود الذکر.. والقلیل من العلم النافع یفتح له الآفاق الواسعة لمعرفة ما ینبغي علیه فعله في أمر معاشه ومعاده..!
قال النبي(ص):« یا أبا ذر.. إن سَـرّک أن تکون أقوی الناس، فتوکل علی الله ».
قال الصادق(ع):« أوحى الله إلى داود: ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي، عرفت ذلك من نيته، ثم تكيده السماوات والأرض ومن فيهن، إلا جعلت له المخرج من بينهن ».
يا أبوتقوى: إنّ الانسان الذي تطلب منه إعمار دنیاک: من عمل أو جاه أو مال أو ما شابه.. إرادته لن تکون فاعلة في ملک الحق سبحانه وتعالی..!
" لا مؤثر في الوجود الا الله ".
فلا یؤثر موجود آخر في الوجود ولا في کمالات الوجود، إلا الله !
قال سبحانه وتعالی:{ وإن یمسسک الله بضرّ فلا کاشف له إلا هو وإن یُردک بخیر فلا رادّ لفضله یصیب به من یشاء من عباده وهو الغفور الرحیم } یونس ١٠٧
قيل لبعضهم: ما وجدت من آثار الرضا في نفسك ؟ فقال:« ما فيّ رائحة من الرضا، ومع ذلك لو جعلني الله جسرا على جهنم، وعبر عليّ الأولون والآخرون من الخلائق ودخلوا الجنة، ثم يلقوني في النار وملأ بي جهنم، لأحببت ذلك من حكمه ، ورضيت به من قسمه، ولم يختلج ببالي أنه لم كان كذا، وليت لم يكن كذا، ولم هذا حظي وذاك حظهم »!
" إنّ أولیائي تحت قبابي ، لا یعرفهم غیري ".
فالانسان الذي یری في محبوبه الکمال المطلق، علیه أیظا أن یری کل أفعاله، حلوها ومرها، هي جمیلة وکاملة !
" لا یاتي من الجمیل المطلق ، إلا مطلق الجمال"
والحکیم لا بُـدّ أن یقلـّب علی عبده الأحوال، لئلا یطمئن إلی حال. ومراده أن یکون منقطعا إلیه في کل حال !!
قال الإمام السجاد(ع):« الصبر والرضا رأس طاعة الله، ومن صبر ورضي عن الله فيما قضى عليه فيما أحب أو كره، لم يقض الله عز وجل له فيما أحب أو كره، إلا ما هو خير له ».
إنّ منشأ عدم الرضا بقضاء الله تعالی وتمني خلاف الواقع ، إنما هو الجهل بحکم الأشیاء ومصالحها، فلو ظهرت للإنسان حکمة الأشیاء لما تمنی غیر الواقع .
سيدي السم من قبلک دواء..........والفحش من فمک طیبات !
فکل ما یصیبک ـ یا أبو تقوی ـ یجب أن تنظر إلیه بأنه من مقام رأفة الحق بک وهو الأصلح بحالك، وأنّ السخط والكراهة لا يفيدان شيئا ولا يبدلان القضاء، لأنّ ما قدر يكون، وما لم يقدر لم يكن !
فإصرارک الملح علی طلب حاجة من الحوائج، هو من باب ظنک في أنّ قضاء تلک الحاجة، مما یختم لک بالسعادة، والحال أنه لم ینکشف لک ما یوجب لک مثل هذا الیقین.
قال الإمام الحــسن(ع):
کن علی همومک معرضا............وکِل الأمور إلی القضا
فلربما اتسع المضیــــــــق..........وربما ضاق الفـــــضا
ولربّ أمر مسخـــــــــــط............لک في عواقبه رضــا
الله یفعل ما یشــــــــــــــاء..........فلا تکن مـــــــعترضـا
الله عوّد الجمیـــــــــــــــل...........فقس علی ما قد مضـی
حاول أن تعوّد نفسک علی التأمل في حِکـَم الأشیاء ومصالحها، حتی یسهل علیک الرضا بها وقبولها.
أبَی الله أن یجري الأمور إلا بأسبابها، والأسباب لا بدّ من إتصالها بمسبباتها، والأمور العظام لا تنال بالمنی ولا تدرک بالهوی !
روي أن موسى(ع) قال:« يا رب، دلني على أمر فيه رضاك. فقال تعالى: إنّ رضاي في رضاك بقضائي ».
والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات: