اللهم صل على محمد وال محمد --- aboutaqua@yahoo.it --- اللهم صل على محمد وال محمد

البـــلاء والصـــبر

قال الله تعالی:{ ولنبلونکم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرین ، الذین إذا أصابتهم مصیبة قالوا إنا لله وإنا إلیه راجعون ، أولائک علیهم صلوات من ربهم ورحمة وأولائک هم المهتدون } البقرة ١٥٧
قال رسول الله(ص):« الصبر ثلاثة: صبر عند المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية . فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها، كتب الله له ثلاث مائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض . ومن صبر على الطاعة، كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش . ومن صبر على المعصية، كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش ».
قال أمير المؤمنين(ع):«.. وعليكم بالصبر، فإنّ الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إيمان لا صبر معه ».
قال الإمام الصادق(ع):« إصبروا علی الدنیا فإنما هي ساعة، فما مضی منه فلا تجد له ألما ولا سرورا، وما لم یجيء ، فلا تدري ما هو وإنما هي ساعتک التي أنت فیها. فآصبر فیها علی طاعة الله ، واصبر فیها عن معصیة الله ».
الصبر هو کف النفس وثباتها عن الجزع، وعدم اضطرابها عند حلول مکروه ، بحيث لا يخرجها عن سعة الصدر وما كانت عليه قبل ذلك من السرور والطمأنينة ، فيحبس المرىء لسانه عن الشكوى من الأمورالمؤلمة للنفس ، وأعضائه عن الحركات غير المعتادة . وهذا هو الصبر على المكروه ، وضده الجزع .
قال النبي(ص):« إذا أراد الله بعبد خيرا، وأراد أن يصافيه، صب عليه البلاء صبا وثجه عليه ثجا، فإذا وعاه ، قالت الملائكة صوت معروف، وإذا دعاه ثانيا فقال: يا رب! قال الله تعالى: لبيك عبدي وسعديك ! ألا تسألني شيئا إلا أعطيتك، أو رفعت لك ما هو خير، وادخرت لك عندي ما هو أفضل منه. فإذا كان يوم القيامة، جيئ بأهل الأعمال فوزنوا أعمالهم بالميزان، أهل الصلاة والصيام والصدقة والحج، ثم يؤتى بأهل البلاء، فلا ينصب لهم ميزان، ولا ينشر لهم ديوان، يصب عليهم الأجر صبا كما كان يصب عليهم البلاء صبا، فيود أهل العافية في الدنيا لو أنهم كانت تقرض أجسادهم بالمقاريض، لما يرون ما يذهب به أهل البلاء من الثواب، فذلك قوله تعالى: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ».
قال الإمام علي(ع):« إنّ أشد الناس بلاء ، النبیون ثم الوصیون ثم الأمثل فالأمثل، وإنما یبتلی المؤمن علی قدر أعماله الحسنة. فمن صح دینه وحسن عمله إشتد بلاءه ، وذلک أنّ الله تعالی لم یجعل الدنیا ثوابا لمؤمن ولا عقوبة لکافر. ومن سخف دینه وضعف عقله، قلّ بلاءه ، وإنّ البلاء أسرع إلی المؤمن التقي، من المطر إلی قرار الأرض ».
قال الصادق(ع):« إنّ الحرّ حرّ علی جمیع أحواله، إن نابته نائیة صبر لها، وإن تداکـّت علیه المصائب لم تکسره، وإن أسر وقهر واستبدل بالیسر عسرا، کما کان یوسف الصدیق الأمین لم یضرر حریته أن استعبد وقهـر وأسر، ولم تضرره ظلمة الجب ووحشته وما ناله أن منّ الله علیه ، فجعل الجبار العاتي له عبدا بعد أن کان له مالکا فأرسله ورحم به أمة. وکذلک الصبر یعقّب خیرا، فآصبروا ووطنوا أنفسکم علی الصبر تؤجروا ».
قال الشاعر:
إذا الأمر أعيى اليوم فانظر بــــــــه..........غدا لعل عسيرا في غد يتيســر
ولا تبد قولا من لسانك لم يـــــرض...........مواقعه من قبل ذاك التفكــــــر
ولا تصر من حبل إمرئ في رضى............إمرئ فيتصلا يوما وحبلك أبتر
قال سبحانه وتعالى:{ للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } الزمر١٠
روي أنّ عيسى(ع) مر برجل أعمى وأبرص مقعد مفلوج ، وقد تناثر لحمه من الجذام، وهو يقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرا من الناس ، فقال عيسى: يا هذا، أي شئ من البلاء تراه مصروفا عنك ؟ فقال: يا روح الله، أنا خير ممن لم يجعل الله في قلبه ما جعل في قلبي من معرفة، فقال: صدقت! هات يدك، فناوله يده، فإذا هو أحسن الناس وجها وأفضلهم هيئة، قد أذهب الله عنه ما كان به ، وصحب عيسى وتعبد به !
إنّ المنغصات في حیاة المؤمن تساعده علی التکامل، إذ أنها لا تدع له مجالا للإستئناس بالدنیا والرکون إلی متعها، فهي بمثابة أشواک نابتة علی الأرض ، تمنع الطیر من الإخلاد إلیها حتی یواصل تحلیقه في العلی !
قال الإمام الباقر(ع):« إنّ الله إذا أحب عبدا أغرى به الناس. وإنّ الله تعالى أخذ ميثاق المؤمن على أربع: مؤمن مثله يحسده ، ومنافق يقفو أثره ، وشيطان يفتنه ، وكافر يرى جهاده وقتله. فما بقاء المؤمن مع هذا ؟! وإنّ الله تعالى يتعاهد عبده المؤمن بالبلاء ، كما يتعاهد الرجل أهله بالهدية ، ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض. وإنّ لله عبادا من خلقه، ما من بلية أو تقتير في الرزق إلا ساقه إليهم، ولا عافية أو سعة في الرزق إلا صرف عنهم، ولو أنّ نور أحدهم قسم بين أهل الأرض، لاكتفوا به.. ».
وقال الإمام الكاظم(ع):« لن تكونوا مؤمنين حتى تعدوا البلاء نعمة والرخاء مصيبة ، وذلك أنّ الصبر عند البلاء ، أعظم من الغفلة عند الرخاء ».
العامل الذي یشتغل مع ضمان أي خسارة تحدث له في نفسه أو بدنه.. إذا حدث له حادث أثناء الشغل، فإنه مطمئن بل أحیانا یفرح لعظم التعویض. کذلک المؤمن الذي أخلص حیاته لرب العالمین، یعلم بأنّ أيّ بلاء یصیبه فإنه مضمون العوض فهو مطمئن ولا یستوحش من توارد البلاء.. علی عکس العاصي، فإنه یجزع لأقل الإمتحانات وأهونها !
قال رسول الله(ص):« قال الله تعالى: وعزتي وجلالي وعظمتي وارتفاعي، لولا حيائي من عبدي المؤمن، لما جعلت له خرقة ليواري بها جسده، وإني إذا أكملت إيمانه إبتليته بفقر في ماله، ومرض في بدنه، فإن هو حرج أضعفت عليه، وإن هو صبر باهيت به ملائكتي ».
قال أمير المؤمنين(ع):« من أبتلي بالفقر فقد أبتلي بأربع خصال: الضعف في یقینه، والنقصان في عقله، والرقة في دینه، وقلة الحیاء في وجهه . فنعوذ بالله من الفقر ».
قال الله تعالى:{ ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } النحل ٩٦
قال الإمام الباقر(ع):« بينا موسى يمشي على ساحل البحر، إذ جاء صياد فخر للشمس ساجدا وتكلم بالشرك، ثم ألقى شبكته فخرجت مملوءة ، ثم ألقاها فخرجت مملوءة ، ثم أعادها فخرجت مملوءة فمضى . ثم جاء آخر فتوضأ وصلى وحمد الله وأثنى عليه، ثم ألقى شبكته فلم يخرج فيها شئ - ثلاث مرات- غير سمكة صغيرة ، فأخذها وحمد الله وأثنى عليه وانصرف. فقال موسى: يا رب، عبدك الكافر تعطيه مع كفره ، وعبدك المؤمن لم تخرج له غير سمكة صغيرة ؟ فأوحى الله إليه: أنظر عن يمينك ، فكشف له عما أعد الله لعبده المؤمن، ثم قال: أنظر عن يسارك ، فكشف له عما أعد الله للكافر، فنظر، ثم قال: يا موسى ما نفع هذا الكافر ما أعطيته، ولا ضر هذا المؤمن ما منعته . فقال موسى: يا رب، يحق لمن عرفك أن يرضى بما صنعت ».
قال الإمام الكاظم(ع):« مثل المؤمن كمثل كفتي الميزان، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه ، ليلقى الله عز وجل ولا خطيئة له ».
ومن مراتب الصبر الخاص بأولياء الله إليك هذه القصة:
سأل شاب من المحبین ذات يوم الشبلي الزاهد عن الصبر فقال: أيّ الصبر أشد؟ فقال الشبلي: الصبر لله. فقال الشاب: لا. فقال: الصبر بالله. فقال: لا. فقال: الصبر علی الله. فقال: لا. فقال: الصبر في الله. فقال لا. فقال الصبر مع الله. فقال لا. فقال ویحک، فأيّ ؟ فقال الشاب: الصبر عن الله. فشهق الشبلي فخرّ مغشيا علیه !
قال النبي(ص):« من أحب السبل إلى الله جرعتان: جرعة غيظ تردها بحلم، وجرعة حزن تردها بصبر..».
قال الإمام علي(ع) حين عزّی الأشعث بن قیس عن إبن له:« یا أشعث، إن تحزن علی إبنک فقد استحقت ذلک منک الرحم ، وإن تصبر ففي الله من کل مصیبة خلف . یا أشعث، إن صبرت جری علیک القدر وأنت مأجور، وإن جزعت جری علیک القدر وأنت مأزور. إبنک سرّک وهو بلاء وفتنة ، وحزنک وهو ثواب ورحمة».
قال الشاعر:
لا تيئسن لروح الله من فــــرج..........يأتي به الله في الروحات والدلج
فما تجرع كأس الصبر معتصم..........بالله، إلا أتاه الله بالفـــــــــــــرج
قال أمير المؤمنين(ع):« من إجلال الله ومعرفة حقه ، ألا تشكو وجعك ولا تذكر مصيبتك ».
يا أبوتقوى: العالم بالأصلح جلّ شأنه، هو الذي قدر علیک الفقر وساق إليك المصائب والأمراض.. فإن کنت ولا بدّ شاکیا، فلا تشکوه لغیره ، بل أشکو له هو، خاصة في ظلم اللیالي.. واقتنع بالکفاف واشکره علی تلک النعمة حتی لا یحرمک منها أیظا.
" من کان في نعمة ولم یشکر، خرج منها ولم یشعر" !
سُـئل الإمام الباقر(ع) عن الصبر فقال:« شئ لا شكوى فيه ، ثم قال: وما في الشكوى من الفرج ؟ وإنما هو يحزن صديقك ويفرح عدوك ».
وقال أيظا(ع):« يا بني من كتم بلاء أبتلي به من الناس، وشكا ذلك إلى الله عز وجل، كان حقا على الله أن يعافيه من ذلك البلاء ».
قال النبي(ص):« ما من عبد مؤمن أصيب بمصيبة فقال كما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأعقبني خيرا منها ، إلا وفعل الله ذلك ».
وقال علي(ع):« ينزل الصبر على قدر المصيبة ، ومن ضرب يده على فخذه عند مصيبته ، حبط عمله ».
قال لقمان لإبنه:« إعلم يا بني، أني قد ذقت الصبر وأنواع المر، فلم أجد أمرّ من الفقر، فإذا افتقرت يوما فاجعل فقرك بينك وبين الله ، ولا تحدث الناس بفقرك فتهون عليهم، ثم سل في الناس: هل من أحد وثق بالله فلم ينجه » ؟!
لقد قهر الله سبحانه وتعالی کل شيء بوجود ما فوقه، وعلی هذا الأساس إذا أردت أن تهون علیک الدنیا وشدائدها، فآنظر إلی ما هو أشدّ وأصعب منها وتأمل لو أضیف إلی ما أنت فیه، شدّة أخری مما هو أشدّ علیک، کیف کنت تصنع ؟!

" أخفیت رضاي في جفاء المخلوق ، فمن أراد رضاي فلیصبر علی أذی الغیر" !
قال الإمام علي(ع):« عند تناهي الشدة تكون الفرجة. وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء ».
قال بعضهم: ذهبت عيني منذ ثلاثين سنة ، ما علم به أحد !
قال الشاعر:
صبرت ولم أطلع هواي على صبري...........وأخفيت ما بي منك عن موضع الصبر
مخافة أن يشكو ضميري صبابتـــــي..........إلى دمعتي سرا فيجـــــــري ولا أدري
قال أمير المؤمنين(ع):« من لم ینجـّه الصبر، أهلکه الجزع ».
وقال أيظا(ع):« لا یعدم الصبور الظفر، وإن طال به الزمان ».
یا أبو تقوی: إذا أصبت بمصيبة في مالك أو نفسك أو ولدك.. فآذكر مصابك بأهل البيت(ع)، فإنّ الخلائق لم يصابوا بمثلهم قط !
وآعلم أنّ کل الإبتلاءات التي تحل بک، إنما هو إختبار لک من الله جلت عظمته سرعان ما يزول إنشاء الله ، وذلک لیعرف صدق إیمانک ومقدار صبرک وحبّک له.. فاصبر تؤجر!!
قال الحق سبحانه:{ أحسب الناس أن یترکوا أن یقولوا آمنا وهم لا یفتنون ، ولقد فتـنا الذین من قبلهم فلیعلمنِّ الله الذین صدقوا ولیعلمن الکاذبین } العنکبوت ٣
والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات: