اللهم صل على محمد وال محمد --- aboutaqua@yahoo.it --- اللهم صل على محمد وال محمد

التـكبر والتــواضع

قال الله تعالى:{ ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا ، فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ، وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما } النساء ١٧٣
قال رسول الله(ص):« يا أبا ذر، من مات وفي قلبه مثقال ذرة من كبر، لم يجد رائحة الجنة إلا أن يتوب قبل ذلك . فقال رجل: يا رسول الله ، إني ليعجبني الجمال حتى وددت أنّ علاقة سوطي وقبال نعلي حسن، فهل ترهب ذلك عليّ؟ قال: كيف تجد قلبك؟ قال: أجده عارفا للحق مطمئنا إليه، قال: ليس ذلك بالكبر، ولكن الكبر أن تترك الحق وتتجاوزه إلى غيره ، وتنظر إلى الناس لا ترى أنّ أحدا عرضه كعرضك ، ولا دمه كدمك ».
قال الإمام الباقر(ع):« الكبر رداء الله، والمتكبر ينازع الله رداءه ».
قال الصادق(ع):« إیاکم والعظمة والکِـبَـر، فإنّ الکبر رداء الله عز وجل، فمن نازع الله رداءه ، قصمه الله وأذله يوم القیامة ».
الکِـبَـر هو: أكبر من العجب(الذي هو إعجاب المرء بنفسه)، أما الكبر فهو الإعتقاد بأفضلية النفس على الغير إطلاقا ، بل رؤية الإنسان نفسه فوق الآخرين وترجيحها عليهم ، والترفع والتعالي عليهم واستصغارهم .
(والكبـَر) هو خلق باطني يولد أعمال ظاهرية تسمى( تكبرا)، فمن تعزز ورأى نفسه باطنا فوق الغير، من دون صدور فعل على جوارحه ، يقال له( كبر) ، فإذا ظهرت الأعمال، يقال له( تكبر).
قال سبحانه وتعالى:{ فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون ، لا جرم أنّ الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين } النحل ٢٣
قال النبي(ص):« يحشر المتكبرون يوم القيامة في مثل صور الذر، تطأهم الناس ذرا في مثل صور الرجال ، يعلوهم كل شيء من الصغار، ثم يساقون إلى سجن في جهنم يقال له ( يولس)، تعلوهم نار شر أنيار، يسقون من طينة الخبال وعصارة أهل النار».
قال أمير المؤمنين(ع):« واعتمدوا وضع التذلل على رؤوسكم ، وإلقاء التعزز تحت أقدامكم ، وخلع التكبر من أعناقكم ، واتخذوا التواضع مسلحة بينكم وبين عدوكم إبليس وجنوده ، فإنّ له من كل أمة جنودا وأعوانا، ورجلا وفرسانا، ولا تكونوا كالمتكبر على ابن أمه من غير ما فضل جعله الله فيه، سوى ما ألحقت العظمة بنفسه من عداوة الحسد، وقدحت الحمية في قلبه من نار الغضب ، ونفخ الشيطان في أنفه من ريح الكبر الذي أعقبه الله به الندامة ، وألزمه آثام القاتلين إلى يوم القيامة ».
قال عيسى بن مريم(ع):« كما أن الزرع يثبت في السهل ولا ينبت على الصفاء ، كذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبر، ألا ترون أنه من يتشمخ برأسه إلى السقف شجه ، ومن يطأطئ أظله وأكنه ».
الكبر درجات:
(الأولى) أن يكون مستقرا في قلب الإنسان، إذ يرى نفسه خيرا من غيره ، ويظهره في أفعاله وأقواله بالترفع في المجالس، والتقدم على الأقران، وأن يصعر خده للناس كأنه معرض عنهم، وبالمباهاة والمفاخرة ، وتزكية النفس، والتشمير لغلبة الغير في العلم والعمل وهذه الدرجة أقبح الدرجات وأشدها ، إذ صاحبها قد رسخت في قلبه شجرة الكبر وارتفعت أغصانها وفروعها ، بحيث أحاطت على جميع جوارحه
(الثانية) أن يكون مستقرا في قلبه بحيث يرى نفسه خيرا من غيره، إلا أنه لا يظهره على لسانه وأفعاله ، ويجتهد في التواضع، ويفعل فعل من يرى غيره خيرا من نفسه ، ويسعى لإزالة شجرة الكبر من باطنه، ومثله يوفقه الله للوصول إلى مقصده إنشاء الله.
قال الله تعالى:{ قيل أدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين } الزمر ٧٢
قال رسول الله(ص):« بئس العبد عبد تجبر واعتدى ونسي الجبار الأعلى ، بئس العبد عبد تبختر واختال ونسي الكبير المتعال ، وبئس العبد عبد غفل وسها ونسي المقابر والبلى ، وبئس العبد عبد عتا وبغى ونسي المبدأ والمنتهى ».
قال الإمام الصادق(ع):« إنّ في جهنم لوادیا للمتکبرین یقال له (صقر)، شکی إلی الله عز وجل شدّة حره ، وسأله أن یأذن له أن یتنفس، فتنفس، فأحرق جهنـم ».
قال الإمام علي(ع):«.. واستعيذوا بالله من لواقح الكبر(أي: محدثاته في النفوس) كما تستعيذونه من طوارق الدهر، فلو رخص الله في الكبر لأحد من عباده ، لرخص فيه لخاصة أنبيائه وأوليائه ، ولكنه سبحانه كره إليهم التكابر ورضي لهم التواضع ، فألصقوا بالأرض خدودهم، وعفروا في التراب وجوههم ، وخفضوا أجنحتهم للمؤمنين، وكانوا أقواما مستضعفين ».
أوحى الله إلى موسى(ع):« أن يا موسى، أتدري لم إصطفيتك بكلامي دون خلقي ؟ قال: يا رب ! ولم ذلك ؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: أني قلبت عبادي ظهرا لبطن، فلم أجد فيهم أحدا أذل نفسا لي منك ، يا موسى، إنك إذا صليت وضعت خدك على التراب».
التواضع: هو أن لا يرى المرء لنفسه مزية على الغير، وهو إنكسار للنفس يمنعها من أن يرى لها أرجحية أو أفضلية على الآخرين ، فعلى السالك إلى الله تعالى، أن يتواضع بالفعل لسائر الناس ، ويواظب على أخلاق المتواضعين، ويكلف نفسه على ذلك مدة من الزمن، إلى أن تقطع عن قلبه شجرة الكبر بأصولها وفروعها ، ويصير التواضع ملكة له.
قال الله عز وجل:{ وعباد الرحمان الذین یمشون علی الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } الفرقان ٦٣
قال النبي(صلى الله عليه وآله):« إذا هدى الله عبدا الإسلام، وحسن صورته، وجعله في موضع غير شائن له، ورزقه مع ذلك تواضعا، فذلك من صفوة الله ».
وقال أيظا(ص) لأصحابه:« مالي لا أرى عليكم حلاوة العبادة ؟ قالوا: وما حلاوة العبادة ؟ قال: التواضع ».
قال الإمام علي(ع):« ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عندالله ، وأحسن منه تيه الفقراء ».
جاء في حديث قدسي:« إنما أقبل صلاة من تواضع لعظمتي ولم يتعاظم على خلقي، وألزم قلبه خوفي وقطع نهاره بذكري، وكف نفسه عن الشهوات من أجلي ».
قال الصادق(ع):« من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس ، وأن تسلم على من تلقى ، وأن تترك المراء وإن كنت محقا ، ولا تحب أن تحمد على التقوى ».
قال سليمان بن داود(ع) يوما للطير والجن والإنس والبهائم: «أخرجوا ، فخرجوا في مائتي ألف من الإنس ومائتي ألف من الجن ، فرفع حتى سمع زجل الملائكة بالتسبيح في السماوات، ثم خفض حتى مست أقدامه البحر، فسمع صوتا يقول: لو كان في قلب صاحبكم مثقال ذرة من كبر، لخسفت به أبعد مما رفعته ».
وأما علاج التكبر، فعلى الإنسان أن يسعى إلى معرفة ربه ، وأنه لا تليق العزة والعظمة إلا به سبحانه ، وأن يعرف نفسه حق المعرفة ليعلم أنه بذاته، أذل من كل ذليل وأقل من كل قليل، وأنّ أول أمره خلق من الأقذار الشنيعة الصور: من النطفة ودم الحيض، ومرّ على مجاري البول مرتين.. أوله نطفة قذرة وآخره جيفة عفنة، وهو في ما بين ذلك، حمال نجاسات منتنة ، لو ترك نفسه فلم يتعهدها بالغسل والتنظيف ، لثارت منه الأنتان والأقذار، ولصار أنتن من الدواب الهوام ، فما له والتكبر والإستعظام ؟!
قال سبحانه وتعالى:{ واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } الشعراء ٢١٥
قال رسول الله(ص):« من تواضع لله رفعه الله ، فهو في نفسه ضعيف وفي أعين الناس عظيم ، ومن تكبر وضعه الله ، فهو في أعين الناس صغير وفي نفسه كبير، حتى لهو أهون عليهم من كلب أو خنزير».
ومن حكم أمير المؤمنين(ع):« ثمرة التواضع المحبة ، ثمرة الكبر المسبة ». « من تواضع قلبه لله ، لم يسأم بدنه من طاعة الله ».
« التواضع يكسبك السلامة ». « التواضع يكسوك المهابة ».
روي أنّ رجلا عليه جدري قد تقشر، دخل على رسول الله(ص) وعنده ناس من أصحابه يأكلون، فما جلس عند أحد، إلا قام من جنبه ، فأجلسه النبي(ص) إلى جنبه !
قيل لسلمان(رض): لم لا تلبس ثوبا جديدا ؟ فقال:« إنما أنا عبد، فإذا أعتقت يوما لبست جديدا » (أشار به إلى العتق في الآخرة) !
قال المصطفى(ص):« إذا رأيتم المتواضعين من أمتي فتواضعوا لهم ، وإذا رأيتم المتكبرين فتكبروا عليهم ، فإنّ ذلك لهم مذلة وصغار».
قال الله تعالى:{ من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } المائدة ٥٤
ونختم بدعاء السجاد(ع):« اللهم صل على محمد وآل محمد، ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزا ظاهرا إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها».
آمين رب العالمين.

ليست هناك تعليقات: