اللهم صل على محمد وال محمد --- aboutaqua@yahoo.it --- اللهم صل على محمد وال محمد

التــقوى والزهـد في الـدنيا

قال الله تعالی:{ یا أیها الذین آمنوا إتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } آل عمران ١٠٢
قال رسول الله(ص):« يا أبا ذر، إنّ الله تعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم . يا أبا ذر، التقوى هاهنا. وأشار بيده إلى صدره ».
قال أمیر المؤمنین(ع):« إعلموا عباد الله أنّ التقوى دار حصن عزيز، والفجور دار حصن ذليل، لا يمنع أهله ولا يحرز من لجأ إليه ، ألا وبالتقوى تقطع حمة الخطايا ، وباليقين تدرك الغاية القصوى ».
قال الإمام الصادق(ع):« ما نقل الله عز وجل عبدا من ذل المعاصي إلى عز التقوى ، إلا أغناه من غير مال ، وأعزه من غير عشيرة ، وآنسه من غير بشر».
وقال أیظا(ع):« إنّ قليل العمل مع التقوى ، خير من كثير بلا تقوى».
التقوی: هو حفظ النفس حفظا باتا بترک الشبهات ، حتی لا تقع في المحظورات.
والورع: هو شدة التقوی ومنتهی الحذر ورد النفس عن الشهوات.. وهما من أعلی ما ینال بهما السعادات ورفیع الدرجات !
الورع مراتب:
ورع العوام: الإجتناب عن الکبائر.
ورع الخواص: الإبتعاد عن الشبهات خشیة الوقوع في المحرمات.
ورع أهل الزهد: الإجتناب عن المباحات للإبتعاد عن وزرها.
ورع أهل السلوک: ترک النظر إلی الدنیا للوصول إلی المقامات.
ورع المجذوبین: ترک المقامات للوصول إلی مشاهدة جمال الله.
ورع الأولیاء: الإجتناب عن التوجه للغایات..
قال سبحانه وتعالی:{ يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون } الأعراف ٢٦
قال النبي(ص):« من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات ، ومن خاف من النار لهى عن الشهوات، ومن ترقب الموت ترك اللذات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات ».
بعد حصول التقوی التامة والکاملة وانصراف القلب نهائیا عن جمیع العوالم ورفض التوجه نحو النشأتین ـ الملک والملکوت ـ ووطأ الأنانیة والإنیة ، یحصل صفاء في القلب یبعث علی تجلي أسماء الله وصفاته ، وتمزق الحجب التي أسدلت بین العبد والأسماء والصفات..
قال الصادق(ع):« لیس منا ولا کرامة، من کان في مِصر فیه مائة ألف أو یزیدون ، وکان في ذلک المِصر أحد أورع منه ».
قال الشاعر:
تزود من التقوى فإنك راحـــــــل............وبادر فإنّ الموت لا شك نازل
وإن إمرئ قد عاش خمسين حجة..........ولم يتزود للمعاد فجاهـــــــــل
حـُکيَ عن لسان التقوی أنها قالت:" إني لا أسکن إلا في قلب محزون " !
وجاء في حدیث قدسي:« أنا عند المنکسرة قلوبهم ».
قال رسول الله(ص):« هل منكم من يريد أن يذهب الله عنه العمى ويجعله بصيرا ؟ ألا إنه من رغب في الدنيا وطال فيها أمله أعمى الله قلبه على قدر ذلك ، ومن زهد في الدنيا وقصر أمله فيها، أعطاه الله علما بغير تعلم وهدى بغير هداية ».
قال الصادق(ع):« في التوراة مکتوب: یا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ قلبک غنی ولا أکلک إلی طلبک، وعليّ أن أسدّ فاقتک وأملأ قلبک خوفا مني، وإن لا تفرغ لعبادتي أملأ قلبک شغلا بالدنیا ثم لا أسدّ فاقتک وأکلک إلی طلبک ».
الزهد: هو ترک الشيء والإعراض عنه، إحتقارا له وعدم المیل والرغبة فیه.
فالزهد: هو الرغبة عن الدنيا عدولا إلى الآخرة ، أو عن غير الله عدولا إلى الله ، وهو الدرجة العليا.
فمن رغب عن كل ما سوى الله حتى الفراديس، ولم يحب إلا الله، فهو الزاهد المطلق !
قال أمير المؤمنين(ع):« الزهد كله بين كلمتين من القرآن، قال الله سبحانه:" لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم". فمن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي ، فقد أخذ الزهد بطرفيه ».
قال لقمان الحکیم:« يا بني.. ولا تکن في هذه الدنیا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر، فأکلت حتی سمنت فکان حتفها عند سمنها، ولکن إجعل الدنیا بمنزلة قنطرة علی نهر، جزت علیها وترکتها ولم ترجع إلیها آخر الدهر».
للزهد مراتب:
زهد العامة: وهو الإعراض عن الدنیا للوصول إلی نعیم الآخرة.. وصاحب هذا المقام هو أسیر الشهوة ، لأنه ترک الشهوات الزائلة للوصول إلی اللذات الباقیة.
زهد الخاصة: وهو الإعراض عن المشتهیات الحیوانیة واللذائذ الشهوانیة ، للوصول إلی المقامات العقلانیة واللــذات الروحیة.. وهي مرتبة من المراتب العالیة من عالم الآخرة ، إلا أنها لیست زهدا حقیقیا، بل هو ترک شهوة ولذة، لشهوة ولذة .
زهد أخص الخواص: وهو الإعراض عن اللذات الروحانیة وترک المشتهیات العقلانیة ، للوصول إلی جمال الجمیل الإلاهي وإلی حقائق المعارف الربانیة . وهذا أول مقامات الأولیاء والمحبین ومن مراتب الزهد العالیة.
قال الله تعالی:{ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى } طه ١٣١
قال الإمام الكاظم(ع):« من أخرجه الله تعالى من ذل المعصية إلى عز الطاعة، أغناه الله بلا مال وأعزه بلا عشيرة وآنسه بلا أنيس . ومن خاف الله تعالى، أخاف الله منه كل شئ ، ومن لم يخف الله ، خوفه الله من كل شئ . ومن رضي من الله تعالى باليسير من المعاش ، رضي الله منه باليسير من العمل. ومن زهد في الدنيا، أثبت الله الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه، وبصره عيوب الدنيا- داءها ودواءها- وأخرجه من الدنيا سالما إلى دار السلام ».
قال النبي(ص) لرجل يعظه:« إرغب فيما عند الله يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس ، إنّ الزاهد في الدنيا يريح ، ويريح قلبه وبدنه في الدنيا والآخرة ، والراغب فيها يتعب قلبه وبدنه في الدنيا والآخرة..».
إذا السالک وجّه وجه قلبه إلی الغني المطلق وآمن بالفقر الذاتي للموجودات{ یا أیها الناس أنتم الفقراء إلی الله والله هو الغني الحمید}, وارتبط بالخالق أکثر، إلا واستغنی عن العالمین وبلغ درجة لا یری معها لملک سلیمان قیمة !
قال الإمام علي(ع):« إنما الناس ثلاثة: زاهد وراغب وصابر: فأما الزاهد فلا يفرح بشئ من الدنيا أتاه ولا يحزن على شئ منها فاته ، وأما الصابر فيتمناها بقلبه ، فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها ، وأما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم من حرام ».
قال الصادق(ع):« أتی رجل رسول الله(ص) فقال: علمني یا رسول الله شیئا، فقال: علیک بالیأس عما في أیدي الناس فإنه الغنی الحاضر. قال: زدني یا رسول الله ، قال: إیاک والطمع فإنه الفقر الحاضر ».
إنّ التوجه إلی المخلوقین بجعلهم سببا لتحقق الخیرات، من دون الإلتفات إلی(مسببیة) المولی للأسباب ، لمن موجبات(إحتجاب) الحق تعالی عن العبد ، إذ أنّ الخیر بیده یصیب به من یشاء من عباده ، بسبب من یشاء ، وبما یشاء ، وکیفما یشاء..!
قال أمير المؤمنين(ع):« لو کانت الدنیا ذهب والآخرة خزف ، لأخذت خزف الآخرة علی ذهب الدنیا، فإنه خزف باق وذهب الدنیا فان.. فکیف والآخرة ذهب باق والدنیا خزف فان » ؟!
وقال أيظا(ع):« أستنکف أن أطلب الدنیا من خالقها ، فکیف بطلبها من مخلوق مثلي ».
وإیاک وفضلات الأمور فإنها..........حرام علی نفس التقيّ إرتکابها
قال الإمام الصادق(ع):« الزهد مفتاح باب الآخرة والبراءة من النار، وهو تركك كل شئ يشغلك عن الله ، من غير تأسف على فوتها ولا إعجاب في تركها، ولا إنتظار فرج منها ولا طلب محمدة عليها ولا عوض منها، بل يرى فوتها راحة وكونها آفة ».
فتزهد ـ یا أبو تقوی ـ في الدنیا وانزع حبها من قلبک ، واعلم أنّ أدنی مراتب العلم بها ، هو العلم بحقارتها وکدورتها ، وأنّ الخیر کله عند الله سبحانه وتعالی ، فلا تلتمس الخیر إلا عنده ولا تطلبه من سواه . وآنظر إلى كليم الله موسى(ع) كيف كان غالب قوته نبت الأرض وأوراق الأشجار، وكان ضعف بدنه من كثرة رياضته ، بحيث ترى الخضرة من صفاق بطنه !
وتأمل في سيرة رسول الله(ص) وزهده في الدنيا، فإنه لبث في النبوة ما لبث، ولم يشبع هو وأهل بيته غدوة إلا جاعوا عشية، ولم يشبعوا عشية إلا جاعوا غدوة !!
عن أبي عبد الله(ع):« من تعلق قلبه بالدنیا ، تعلق منها بثلاث خصال: همّ لا یفنی ، وأمل لا یدرک ، ورجاء لا ینال ».
ختاما، إذا کنت ترید القدوم علی الله تعالى، یجب أن تخرج هموم الدنیا من قلبک.. فلا تفرح بشيء منها أتاک أبدا، ولا تحزن علی شيء منها فاتک أبدا، وتفکر في سرعة تقلبها، وعدم دوامها علی حال !!
قال الله تعالی:{ وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإنّ خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب } البقـرة ١٩٧
وصلى الله على رسوله وآل بيته الطاهرين الطيبين.

ليست هناك تعليقات: