اللهم صل على محمد وال محمد --- aboutaqua@yahoo.it --- اللهم صل على محمد وال محمد

حب النفس والدنیا

قال الله تعالی:{ إعلموا أنما الحیاة الدنیا لعب ولهو وزینة وتفاخر بینکم وتکاثر في الأموال والأولاد کمثل غیث أعجب الکفار نباته ثم یهیج فتراه مصفرا ثم یکون حطاما وفي الآخرة عذاب شدید ومغفرة من الله ورضوان وما الحیاة الدینا إلا متاع الغرور} الحدید ٢٠
قال رسول الله(ص):« إنه ما سكن حب الدنيا قلب عبد، إلا إلتاط فيها بثلاث: شغل لا ينفد عناؤه ، وفقر لا يدرك غناه ، وأمل لا ينال منتهاه . ألا إنّ الدنيا والآخرة طالبتان ومطلوبتان: فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل رزقه ، وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يأخذ الموت بعنقه ، ألا وإنّ السعيد من إختار باقية يدوم نعيمها على فانية لا ينفد عذابها ، وقدّم لما يقدم عليه مما هو في يديه، قبل أن يخلفه لمن يسعد بإنفاقه ، وقد شقي هو بجمعه ».
قال الإمام الصادق(ع):« من أصبح وأمسی والدنیا أکبر همه، جعل الله الفقر بین عینیه وشتت أمره ، ولم ینل من الدنیا إلا ما قسم له ، ومن أصبح وأمسی والآخرة أکبر همه، جعل الله الغنی في قلبه ، وجمع له أمره ».
قال أمیر المؤمنین(ع):« إنما أخاف علیکم إثنتین: إتباع الهوی وطول الأمل، أمّا إتباع الهوی فإنه یصدّ عن الحق ، وأمّا طول الأمل فإنه ینسي الآخرة ».
الهوی هو: حب الشيء واشتهاءه.
قال الإمام الباقر(ع):« مثل الحریص علی الدنیا ، مثل دودة القز کلما ازدادت من القز علی نفسها لفا ، کان أبعد لها من الخروج حتی تموت غما ».
إنّ الخطوة الأولی نحو الله سبحانه وتعالی، تتمثل في الإنتصارعلی (حب النفس) و(حب الدنیا) وهو المقیاس الحقیقي في السفر إلی الله.
فإذا أخرج الإنسان من قلبه ( حب النفس والدنیا ) بالریاضات النفسیة ، فبالمقدار الذي یفرغ القلب من حب النفس وحب الدنیا، یمتلأ حبا لله عز إسمه !
جاء في حدیث قدسي:« وعزتي وجلالي وعظمتي وکبریائي ونوري وعلوي وارتفاع مکاني ، لایؤثر عبد هواه علی هواي ، إلا شتتّ علیه أمره ولبّست علیه دنیاه وشغلت قلبه بها ولم أوته منها إلا ما قدّرت له. وعزتي وجلالي وعظمتي ونوري وعلوي وارتفاع مکاني ، لا یؤثر عبد هواي علی هواه ، إلا استحفظته ملائکتي وکلفت السماوات والأرضین رزقه , وکنت له من وراء تجارة کل تاجر وأتته الدنیا وهي راغمة ».
قال النبي(ص):« من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شئ، وألزم الله قلبه أربع خصال: هما لا ينقطع عنه أبدا، وشغلا لا يتفرغ منه أبدا، وفقرا لا ينال غناه أبدا، وأملا لا يبلغ منتهاه أبدا ».
قال رجل لأبي ذر(رض):« یا أبا ذر، ما لنا نکره الموت؟ قال: لأنکم عمرتم الدنیا وأخربتم الآخرة فتکرهون أن تنقلوا من عمران إلی خراب. فقال له: فکیف تری قدومنا علی الله؟ قال: أما المحسن منکم فکالغائب یقدم علی أهله، وأما المسيء منکم فکالآبق یُرَدّ علی مولاه. قال: فکیف تری حالنا عند الله؟ قال: أعرضوا أعمالکم علی الکتاب، إنّ الله یقول:" إنّ الأبرار لفي نعیم وإنّ الفجار لفي جحیم". فقال الرجل: فأین رحمة الله؟ قال: رحمة الله قریب من المحسنین ».
قال الصادق(ع):« مثل الدنیا کمثل ماء البحر، کلما شرب منه العطشان، إزداد عطشا حتی یقتله ».
قال لقمان لإبنه:« يا بني! إنّ الدنيا بحر عميق، وقد غرق فيها ناس كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله عز وجل، وحشوها الإيمان، وشراعها التوكل على الله ، لعلك ناج وما أراك ناجيا ».
وقال أحد الحكماء :« لا تخرج نفس إبن آدم من الدنيا إلا بحسرات ثلاث: أنه لم يشبع مما جمع ، ولم يدرك ما أمل ، ولم يحسن الزاد لما قدم عليه ».
قال أبي عبد الله(ع):« ما ذئبان ضاریان في غنم قد فارقها رُعاؤها، أحدهما في أولها والآخر في آخرها فأفسدا فیها، من حب المال والشرف في دین المسلم ».
إن حب الدنیا والنفس وحب المال والجاه والولد، واتباع الشهوات وارتکاب السیئات، والإنصیاع وراء عدو الله وهوی النفس والتوجه نحو شجرة الطبیعة الخبیثة، هو ستار وحجاب من أظخم وأغلظ الحجب التي تحجب الإنسان عن الوصول إلی الله سبحانه!
جاء في حدیث قدسي:« يا داود، إنك تزعم أنك تحبني، فإن كنت تحبني، فأخرج حب الدنيا من قلبك ، فإنّ حبي وحبها لا يجتمعان في قلب واحد ».
ولذلك، فقد زوى الله تعالى الدنيا على نبينا(ص)، فكان يطوي أياما، وكان يشد الحجر على بطنه من الجوع ..!
قال الإمام الصادق(ع):«.. ولا حجاب أظلم وأوحش بين العبد وبين الله تعالى، من النفس والهوى، وليس لقتلهما وقطعهما سلاح وآلة، مثل الإفتقار إلى الله، والخشوع والجوع والظمأ بالنهار والسهر بالليل».
کتب رجل إلی أبي ذر(رض):« یا أبا ذر، أطرفني بشيء من العلم. فکتب إلیه: إنّ العلم کثیر، ولکن إن قدرت أن لا تسيء إلی من تحبه فآفعل. فقال الرجل: وهل رأیت أحدا یسيء إلی من یحبه ؟ فقال له: نعم، نفسک أحب الأنفس إلیک، فإذا أنت عصیت الله ، فقد أسأت إلیها ».
قال سبحانه وتعالی:{ وما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون ، أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقیه کمن متعناه متاع الحیاة الدنیا ثم هو یوم القیامة من المحضرین} القصص ٦١
قال الإمام علي(ع):« إنّ الدنیا والآخرة عدوان متفاوتان وسبیلان مختلفان ، فمن أحب الدنیا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها. وهما بمنزلة المشرق والمغرب وماش بینهما، کلما قرب من واحد بعـُـد من الآخر، وهما بعـدُ ضرّتان ».
قال النبي(ص):« لكل أمة عجل ، وعجل هذه الأمة الدينار والدرهم». وقال أیظا(ص):« الدنیا مزرعة الاخرة » !
قال أمير المؤمنين(ع):« إنما الدنیا جیفة والمتوافدون علیها أشباه الکلاب ».
شبه بعض الحكماء حال الإنسان واغتراره بالدنيا، وغفلته عن الموت وما بعده من الأهوال، وآنهماكه في اللذات العاجلة الفانية الممتزجة بالكدورات: بشخص مدلى في بئر، مشدود وسطه بحبل، وفي أسفل ذلك البئر ثعبان عظيم متوجه إليه، منتظر سقوطه، فاتح فاه لإلتقامه، وفي أعلى ذلك البئر جرذان أبيض وأسود، لا يزالان يقرضان ذلك الحبل شيئا فشيئا، ولا يفتران عن قرضه آنا من الآنات، وذلك الشخص، مع أنه يرى ذلك الثعبان ويشاهد إنقراض الحبل آنا فآنا، قد أقبل على قليل عسل قد لطخ به جدار ذلك البئر وامتزج بترابه واجتمعت عليه زنابير كثيرة ، وهو مشغول بلطعه منهمك فيه ، ملتذ بما أصاب منه مخاصم لتلك الزنابير عليه، قد صرف باله بأجمعه إلى ذلك، غير ملتفت إلى ما فوقه وإلى ما تحته! فالبئر هو الدنيا، والحبل هو العمر، والثعبان الفاتح فاه هو الموت، والجرذان الليل والنهار القارضان للعمر، والعسل المختلطة بالتراب هو لذات الدنيا الممتزجة بالكدورات والآلام، والزنابير هم أبناء الدنيا المتزاحمون عليها.. فاعتبر يا مسكين !!
قال رسول الله(ص):« لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ، ما سقى كافرا منها شربة ماء ».
وقال أيظا(ص):« الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر».
ومر(ص) على مزبلة ، فوقف عليها وقال:« هلموا إلى الدنيا »، وأخذ خرقا قد بليت على تلك المزبلة وعظاما قد نخرت، فقال:« هذه الدنيا » !
قيل للإمام علي: صف لنا الدنيا، فقال(ع):« وما أصف لك من دار من صح فيها سقم ، ومن أمن فيها ندم ، ومن افتقر فيها حزن، ومن استغنى فيها افتتن، في حلالها الحساب، وفي حرامها العقاب ».
قال الإمام السجاد(ع):« إنّ الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإنّ الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ».
من مفاسد حب الدنیا، أنه یقوي جانب الطبیعة في الإنسان بحیث یجعلها تعصي الروح وتتمرد علیها، بینما من أسرار العبادات والطاعات ، أنه یقوي الجانب الروحي والتوجه إلی عالم الملکوت.. عالم الطهر والصفاء !
روي أنّ عيسى(عليه السلام) كوشف بالدنيا ، فرآها في صورة عجوز شمطاء هتماء عليها من كل زينة ، فقال لها:« كم تزوجتي؟ قالت: لا أحصيهم ، قال: فكلهم مات عنك أو كلهم طلقك ؟ قالت: بل كلهم قتلت ، فقال عيسى(ع): بؤسا لأزواجك الباقين ، كيف لا يعتبرون بالماضين ؟! كيف تهلكينهم واحدا واحدا ، ولا يكونون منك على حذر» ؟!
قال الله تعالی:{ أیحسبون أنما نمدهم به من مال وبنین نسارع لهم في الخیرات بل لا یشعرون } المؤمنون ٥٦
وقال عز من قائل:{ فلما نسوا ما ذکـّـروا به فتحنا علیهم أبواب کل شيء حتی إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } الأنعام ٤٤
صدق الله العليّ العظيم وصلى الله على رسوله وآله الطيبين الطاهرين.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.