اللهم صل على محمد وال محمد --- aboutaqua@yahoo.it --- اللهم صل على محمد وال محمد

الـتــــــــوبـــة

قال الله تعالی:{ وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم } الأنعام ٥٤
قال رسول الله(ص):« أتدرون من التائب ؟ فقالوا: اللهم لا، قال: إذا تاب العبد ولم يرض الخصماء فليس بتائب، ومن تاب ولم يغير مجلسه وطعامه فليس بتائب، ومن تاب ولم يغير رفقاءه فليس بتائب، ومن تاب ولم يزد في العبادة فليس بتائب، ومن تاب ولم يغير لباسه فليس بتائب، ومن تاب ولم يغير فراشه ووسادته فليس بتائب، ومن تاب ولم يفتح قلبه ولم يوسع كفه فليس بتائب، ومن تاب ولم يقصر أمله ولم يحفظ لسانه فليس بتائب، ومن تاب ولم يقدم فضل قوته من يديه فليس بتائب، وإذا استقام على هذه الخصال فذاك التائب ».
قال الإمام الصادق(ع):« ما من عبد إلا وفي قلبه نقطة بیضاء ، فإذا أذنب ذنبا خرج في النقطة نقطة سوداء ، فإن تاب ذهب ذلک السواد، وإن تمادی في الذنوب زاد ذلک السواد حتی یغطي البیاض، فإذا تغطی البیاض لم یرجع صاحبه إلی خیر أبدا ».
إنّ التوبة هي القدم الأولی في طریق السالک إلی الله ، والتوبة علی أربعة معاني: أحدها الندم على الماضي من قول أو فعل، والثاني ترك المعاصي في الحال، والثالث العزم على تركها في الإستقبال، والرابع تدارک ما أمکن تدارکه.
علیک ـ یا أبوتقوی ـ أن تحرق قلبک في نار الندامة ، حتی تحترق مع الندامة جمیع الذنوب والمعاصي وصداها !
قال أمیر المؤمنین(ع)، حين قال رجل بحضرته:" أستغفر الله "، قال:« ثکلتک أمّک أتدري ما الإستغفار؟ إنّ الإستغفار درجة العلیین، وهو إسم واقع علی ستة معان: أولها الندم علی ما مضی. الثاني العزم علی ترک العود إلیه أبدا. الثالث أن تؤدي إلی المخلوقین حقوقهم حتی تلقی الله عز وجل أملس لیس علیک تبعة. الرابع أن تعمد إلی کل فریضة علیک ضیعتها فتؤدي حقها. والخامس أن تعمد إلی اللحم الذي نبت علی السحت، فتذیبه بالأحزان حتی تـلصق الجلد بالعظم وینشأ بینهما لحم جدید. والسادس أن تذیق الجسم ألم الطاعة کما أذقته حلاوة المعصیة. فعند ذلک تقول أستغفر الله ».
قال الإمام الباقر(ع):« الذنوب كلها شديدة ، وأشدها ما نبت عليه اللحم والدم ».
لذلک قیل: علیک أن تذیب اللحم الذي نبت من حرام، لأنه فاسد بنفسه ومفسد للـحم السلیم أیظا !
یجب أن تندم علی تلک المعاصي والذنوب، وتعزم علی عدم العودة إلیها نهائیا، ولا تنسی بأنک قد خنت الصداقة (مع الله).
نعم ! إنه فرق شاسع بین صدیق یکون مخلصا معک طول العمر.. وآخر یخونک ثم یعتذر عن خطئه وتقصیره.. !
فما بالک لو عاد للإعتذار ثانیة وثالثة.. یا للحیاء !!
قال سبحانه وتعالى:{ يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسی ربکم أن یکفر عنکم سیئاتکم } التحریم ٨
ومعنى التوبة النصوح: هو التوبة الخالصة لله والخالية من شوائب الأغراض، من مال أو جاه أو خوف.. إنّ الندم من الذنوب خوفا من النارأو طمعا في الجنة.. لیست توبة صحیحة !
قال الصادق(ع):« إذا تاب العبد توبة نصوحا، أحبّه الله فستر علیه في الدنیا والآخرة. فسئل: وکیف یستر علیه؟ قال: ینسي ملکیه ما کتبا علیه من الذنوب، ثم یوحي إلی جوارحه: أکتمي علیه ذنوبه، ویوحي إلی بقاع الأرض: أکتمي ما کان یعمل علیک من الذنوب، فیلقی الله حین یلقاه ولیس شيء یشهد علیه بشيء من الذنوب ».
حذارـ یا أبوتقوی ـ من التسویف في التوبة، فإذا ما وقعت ـ لا سمح الله ـ في معصیة، وجب علیک المعالجة بشکل عاجل. مثل مریض لسعته حیة.. ماذا کنت تفعل له ؟ فإنک ستحمله مباشرة إلی المستشفی..
لأن إصلاح الفساد القلیل حینها، یتم بسرعة وبکیفیة أحسن !
قال الله تعالى:{ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون } آل عمران ١٣٥
إنّ من ترک المبادرة إلی التوبة بالتسویف، کان بین خطرین عظیمین: أحدهما أن تتراکم الظلمة علی قلبه من المعاصي حتى يصير دينا وطبعا فلا يقبل المحو، إذ كل شهوة ومعصية تصدر من الإنسان، ترتفع منها ظلمة إلى قلبه. فإذا تراكمت علیه ظلمة الشهوات والمعاصي، صارت رينا، كما قال تعالى:{ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون }.
والخطرالثاني, هو الخوف من أن يعالجه المرض أو الموت فلا يجد مهلة للتوبة.
لذا لا بد من الإسراع بالتوبة والسعي إلی محو آثار تلک المعاصي التي إنطبعت في جوهر النفس بنور الطاعات !
قال المصطفى(ص):« التائب إذا لم يستبن عليه أثر التوبة فليس بتائب، يرضي الخصماء، ويعيد الصلوات، ويتواضع بين الخلق، ويتقي نفسه عن الشهوات، ويهزل رقبته بصيام النهار، ويصفر لونه بقيام الليل، ويخمص بطنه بقلة الأكل، ويقوس ظهره من مخافة النار، ويذيب عظامه شوقا إلى الجنة، ويرق قلبه من هول ملك الموت، ويجفف جلده على بدنه بتفكر الآخرة، فهذا أثر التوبة، وإذا رأيتم العبد على هذه الصفة ، فهو تائب ناصح لنفسه ».
إنا نجد بعض الأمراض المستحکمة في الإنسان، عندما یتناول المریض شیئا من الدواء، فإنه سیستعید صحته نسبیا ولکن بقایا المرض وجذورها ما زالت کامنة في بدنه، فإن طرأ علیه عارض غیر ملائم، عاوده المرض مجددا .
ومثل هذا الإنسان لا یُـطمئن إلی صحة مزاجه ، فینبغي علیه أن یداوم علی تناول الأدویة والمسهلات والمنضجات.. حتی یقضي علی آثار المرض تماما .
سأل نبي من بني إسرائیل، من الله، أن یقبل توبة عبد کان قد قضی عمرا في الجدّ والإجتهاد في العبادة ، فجاءه الخطاب:" وعزتي لو أنّ أهل السماوات والأرض تشفعوا له، ما قبلت شفاعتهم. کیف وما زال في قلبه حلاوة الذنب الذي تاب منه " ؟!
قال الله سبحانه:{ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما ، وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن } النساء ١٨
إعلم ـ یا أبوتقوی ـ أنّ من شروط التوبة إلى الله ، هو الخروج إلى المظلومين من حقوقهم بأدائها إليهم أو باستحلالهم منها عن طيب نفس.. فعلیک أن تجیل الفکر من حین البلوغ ـ بل من قبل البلوغ ـ وتتذکر أحوالک في سالف الزمان فتنظر ماذا فعلت ؟!
فتقضي ما ترکت من الطاعات وتأتي بما في ذمتک من الکفارات وترد مظالم الناس، قبل أن يحكم أحكم الحاكمين وأعدل العادلين في محكمة القيامة ، فيقتص من كل ظالم بأخذ حسناته ووضعها في موازين أرباب المظالم ، فإن لم تف بها حسناته حمل من سيئات أرباب المظالم ، فيهلك المسكين بسيئات غيره .
قال الإمام الباقر(ع):« الظلم ثلاثة: ظلم يغفره الله وظلم لا يغفره الله وظلم لا يدعه الله . فأما الظلم الذي لا يغفره فالشرك، وأما الظلم الذي يغفره ظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله، وأما الظلم الذي لا يدعه فالمداينة بين العباد ».
قال رسول الله(ص):« العبد إذا ردّ درهما إلى الخصماء، أكرمه الله كرامة سبعين شهيدا. فإنّ درهما يرده العبد إلى الخصماء خير له من صيام النهار وقيام الليل، ومن ردّ درهما ناداه ملك من تحت العرش: إستأنف العمل، فقد غفر لك ما تقدم من ذنبك ».
قال علي(عليه السلام):« ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش ثم يفضح نفسه على رؤس الملأ، أفلا تاب في بيته، فوالله لتوبته فيما بينه وبين الله ، أفضل من إقامتي عليه الحد ».
إعلم أنّ الله یقبل التوبة الصحیحة، التوبة الصادقة النصوح، بشرط أن تغسل بدموع عیونک أدران المعاصي من القلب بعد أن تؤجج فیه نار الندم !
فإذا علمت ذلک، وجب علیک الإنصراف فورا عن طریق البعد للوصول إلی القرب.. لأنّ متناول السم ـ کما قلنا ـ إذا ابتغی صحة بدنه، وجب علیه فورا البحث عن وسیلة لإخراج السم من بدنه، ولو تهاون أو تساهل ، لهلک !
کذلک في سموم المعاصي، فلو تهاون في التوبة فلعل الموت یفاجأه دفعة فيغلق عليه باب التوبة ، فيغرغر بروحه ، وتتردد أنفاسه في شراسيفه، ويُـجرّع غصة اليأس عن التدارك وحسرة الندامة على تضييع العمر، فيضطرب أصل إيمانه في صدمات تلك الأهوال ،
وینتهي المسکین إلی نار جهنم وبئس المصیر!
قال الله تعالی:{ فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنّ الله يتوب عليه إنّ الله غفور رحيم } المائدة ٣٩
قال النبي(ص):« من مات غير تائب ، زفرت جهنم في وجهه ثلاث زفرات: فأولها لا تبقى دمعة إلا جرت من عينيه ، والزفرة الثانية لا يبقى دم إلا خرج من منخريه ، والزفرة الثالثة لا يبقى قيح إلا خرج من فمه ، فرحم الله من تاب ثم أرضى الخصماء ، فمن فعل فأنا كفيله بالجنة ».
من المستحسن في التوبة أن یأتي بطاعة هي من جنس المعصیة ، مثاله أنّ السفر للمعصیة یجبر بسفر طاعة، أو إذا سهرت لیلة في المعصیة ، فتدارکها بلیلة في الطاعة.. وهکذا.
وأن تصلي عقب الذنب ركعتين، ثم تستغفر الله تعالى بعدهما سبعين مرة ، وتقول: " سبحان الله والحمد لله ولا إلاه إلا الله والله أكبر" مائة مرة ، ثم تتصدق بصدقة ، ثم تصوم يوما..
یجب أن تشدد علی نفسک !
سئل أمير المؤمنين(ع) عن دواء القلوب، فقال:« علیک بورق الفقر، وعروق الصبر، وهلیلج الکتمان، وبلیلج الرضا، وغارقون الفکر، وسقمونیا الأحزان، واشربه بماء الأجفان، وأغله في طنجیر القلق، ودعه تحت نیران الفراق، ثم صفـّه بمنخل الأرق، واشربه علی الحرق، فذلک دواک وشفاک یا علیل ».
ومن دعاء الإمام السجاد(ع):« اللهم فكما أمرت بالتوبة وضمنت القبول، وحثثت على الدعاء، ووعدت الإجابة، فصل على محمد وآله، واقبل توبتي، ولا ترجعني مرجع الخيبة من رحمتك، إنك أنت التواب على المذنبين، والرحيم للخاطئين المنيبين.. »
قال سبحانه وتعالی:{ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون } الشورى ٢٥
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظیم.

ليست هناك تعليقات: