اللهم صل على محمد وال محمد --- aboutaqua@yahoo.it --- اللهم صل على محمد وال محمد

الخوف والرجاء

قال الله تعالی:{ قل یا عبادي الذین أسرفوا علی أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله یغفر الذنوب جمیعا إنه هو الغفورالرحیم } الزمر٥٣
قال رسول الله(ص):« من خاف الله أخاف الله منه كل شئ ، ومن لم يخف الله ، أخافه الله من كل شئ ».
قال الإمام الصادق(ع):« خف الله کأنک تراه ، وإن کنت لا تراه فإنه یراک ، وإن کـنت تری أنه لا یراک فقـد کفرت ، وإن کنت تعلم أنه یراک ثم بارزته بالمعصیة ، فقد جعلته أهون الناظـرین إلیک ».
إنّ الخوف والرجاء محمودان، لكونهما باعثين على العمل ودوائین يداوى بهما أمراض القلوب، ففضل كل منها إنما هو بحسب ما يترتب عليه من فائدة العمل ومعالجة المرض.
وهذا يختلف باختلاف الأشخاص: فمن كان تأثير الخوف في بعثه على العمل أكثر من تأثير الرجاء فيه، فالخوف له أصلح من الرجاء، ومن كان بالعكس فبالعكس .
قال أمیر المؤمنین(ع):« أما والله لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول الله(ص)، وإنهم ليصبحون ويمسون شعثا غبرا خمصا، بين أعينهم كركب المعزی، يبيتون لربهم سجدا وقياما يراوحون بين أقدامهم وجباههم، يناجون ربهم في فكاك رقابهم من النار، والله لقد رأيتهم مع هذا وهم خائفون مشفقون.. وكأن زفير النار في آذانهم، إذا ذكر الله عندهم مادوا كما تميد الشجر كأنما القوم باتوا غافلين ».
قال النبي(ص):« قال الله تعالى: وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي خوفين، ولا أجمع له أمنين، فإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ».
روي عن أبي ذر(رحمه الله)، أنه بكى من خشية الله حتى إشتكى بصره، فقيل له: لو دعوت الله يشفي بصرك ؟! فقال:« إني عن ذلك مشغول، وما هو أكبر همي. قالوا: وما شغلك عنه ؟! قال: العظيمتان، الجنة والنار».
قال الصادق(ع): المؤمن بین مخافتین: ذنب قد مضی لا یدري ما صنع الله فیه ، وعمر قد بقي لا یدري ما یکتسب فیه من المهالک، فهو لا یصبح إلا خائفا ولا یصلحه إلا الخوف ».
الخوف درجات:
خوف العامة: الخوف من العقاب والعذاب والحرمان من الثواب। وهذا الخوف وهذه العبادة لیست جیدة ، إذ هي عبادة العبید والأجراء .

خوف الخاصة: الخوف من العتاب. لتعلقهم وطلبهم للذات المعنویة وقرب المنزلة والمقام.. وهذا الخوف وهذه العبادة لیست خالصة لله أیظا.
{ ألا لله الدین الخالص }.
خوف أخصّ الخواص: الخوف من الإحتجاب. هم لا یتوجهون إلی العطیة ، فالتـّوق إلی الحضور ولذته قطعهم عن الدارین، وبقایا النفسانیة والأنانیة موجودة ویتوقون أن یحصل لهم المشاهدة والحضور.. فلا یمکن أن ننسب إلیهم محبة الله والخلوص الحقیقي .
خوف الأولیاء: وهم طاهرون مطهرون من صبغة الإنیة والأنانیة ، ومصبوغون بصبغة الله.
{ ومن أحسن من الله صبغة }.
قال الله تعالی:{ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون} الحشــر٢١
قال رسول الله(ص):« سبعة يظلهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله:.. ورجل ذكر الله عز وجل خاليا ، ففاضت عيناه من خشية الله عز وجل ».
قال الإمام الصادق(ع):« ما من شئ إلا وله كيل أو وزن إلا الدموع، فإنّ القطرة تطفئ بحارا من نار، وإذا إغرورقت العين بمائها، لا يرهق وجهه قتر ولا ذلة ، فإذا فاضت، حرمه الله على النار، ولو أن باكيا بكى في أمة ، لرحموا ».
قال النبي( ص):« كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاثة أعين ، عين بكت من خشية الله ، وعين غضت عن محارم الله ، وعين باتت ساهرة في سبيل الله ».
وقال أیظا(ص) في وصیته لعلي(ع):« يا علي، أربع خصال من الشقاء: جمود العين ، وقساوة القلب ، وبعد الأمل ، وحب البقاء ».
إلاهي، حق لمن عرفک أن لا ینقطع رجاءه منک !!
عش ـ یا أبوتقوی ـ بین الخوف والرجاء کأنک بین الجنة والنار، وانظر إلی نفسک بأنـّک في منتهی التقصیر، والحق تعالی في منتهی الجلال والعظمة !
جاء في حديث قدسي:« يا عيسى، هب لي من عينيك الدموع ومن قلبك الخشوع، واكحل عينيك بميل الحزن إذا ضحك البطالون، وقم على قبور الأموات فنادهم بالصوت الرفيع لعلك تأخذ موعظتك منهم، وقل إني لاحق بهم في اللاحقين ».
قال الإمام الصادق(ع):« إنّ الرجل ليكون بينه وبين الجنة أكثر مما بين الثرى إلى العرش لكثرة ذنوبه ، فما هو إلا أن يبكي من خشية الله عز وجل ندما عليها ، حتى يصير بينه وبينها أقرب من جفنه إلى مقلته ».
قال رسول الله(ص):« إذا أحب الله تعالى عبدا ، نصب في قلبه نائحة من الحزن ، فإنّ الله تعالى يحب كل قلب حزين، وإنه لا يدخل النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن إلى الضرع، وإنه لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مؤمن أبدا، وإذا أبغض عبدا جعل في قلبه مزمارا من الضحك، وإنّ الضحك يميت القلب، والله لا يحب الفرحين ».
ومر الإمام الحسن(ع) بشاب يضحك فقال:« هل مررت على الصراط ؟ قال: لا، قال: وهل تدري إلى الجنة تصير أم إلى النار؟ قال: لا، قال: فما هذا الضحك » ؟ قیل: فما روي هذا الضاحك بعد ضاحكا.
إنّ مما یبعث علی تقویة الخوف من الحق تعالی ، هو التفکر في العذاب والعقاب وشدة أهوال الموت، وظلمة القبر ووحدته وعذابه، والصراط والمیزان والوقوف للحساب..
فيصور العبد في نفسه، جهنم ودركها ومقامها وأهوالها وأنواع العذاب فيها، وقبح صورة الزبانية، وأنه كلما نضجت جلودهم بدلوا جلودا غيرها، وأنهم كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها، وإذا رأوها من مكان بعيد سمعوا لها تغيضا وزفيرا..
وإذا أراد أن ينظر إلى الرجاء، فلينظر إلى الجنة ونعيمها، وما أعد الله تعالى فيها من الملك الدائم والنعيم والحور واللذات.. الخ
جاء في حديث قدسي:«.. ألا فلا یتکل العاملون علی أعمالهم وإن حسنت، ولا ییأس المذنبون من مغفرتي لذنوبهم وإن کثرت، ولکن برحمتي فلیثـقوا ولفضلي فلیرجوا، وإلی حسن نظري فلیطمئنوا، وذلک أني أدبـّر عبادي بما یصلحهم، وأنا بهم لطیف خبیر».
ومن دعاء الإمام السجاد(ع):« أدعوک راهبا راغبا راجیا خائفا، إذا رأیت مولاي ذنوبي فزعت، وإذا رأیت کرمک طمعت، فإن عفوت فخیر راحم، وإن عذبت فغیر ظالم ».
علیک یا أبوتقوی، بالحزن الدائم: إمّا من خوف العذاب إن کنت من الصالحین، وإمّا من شدة الشوق إن کنت من المحبین !
إلاهي بکت للخوف منک عصابة..........وما کل من یبکي لدیک له ذنب
ولکنهم للقرب منک تراهـُـــــــــمُ..........مدامعهم تجري فیا حبذا القـرب
سئل الصادق(ع) عما کان في وصیة لقمان، فقال:« کان فیها الأعاجیب، وکان أعجب ما کان فیها أن قال لإبنه: خف الله عز وجل خیفة لو جئته ببرّ الثقلین لعذبک، وارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثقلین لرحمک. ثم قال(ع): کان أبي یقول: أنه لیس من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نوران: نور خیفة ونور رجاء، لو وزن هذا لم یزد علی هذا، ولو وزن هذا لم یزد علی هذا ».
ورأی یحیی(ع) یوما النبي عیسی(ع) یضحک فعاتبه قائلا:« أتأمن مکر الله؟ قال عیسی(ع): أأنت آیس من رحمة الله وفضله ؟ فأوحی الله إلیهما: من کان یحسن الظن بي أکثر، فهو محبوب عندي أکثر».
قال سبحانه وتعالی:{ ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون } الحجــر٥٦
إنّ مبدأ القنوط من الرحمة ، هو سوء الظن بالذات المقدسة.
ومبدأ حصول الرجاء ، هو حسن الظن بالله تعالی.
علی المؤمن أن یعوّد نفسه علی حسن ظنه بربه في کل أموره، والله عند حسن ظن عبده به.
قال الصادق(ع):« أرج الله رجاء لا يجرؤك على معصيته ، وخف الله خوفا لا يؤيسك من رحمته ».
قال رسول الله(ص):« ما يقطر في الأرض قطرة ، أحب إلى الله من قطرة دمع في سواد الليل من خشيته ، لا يراه أحد إلا الله عز وجل ».
قال الله تعالی:{ ولا تیأسوا من روح الله إنه لا ییأس من روح الله إلا القوم الکافرون } یوسف ٨٧
صدق الله العلي العظيم والحمد لله رب العالمین.

ليست هناك تعليقات: