اللهم صل على محمد وال محمد --- aboutaqua@yahoo.it --- اللهم صل على محمد وال محمد

الـفــــــطـرة

قال الله تعالی:{ فأقم وجهک للدین حنیفا فطرة الله التي فطر الناس علیها لا تبدیل لخلق الله ذلک الدین القیّم ولکنّ أکثر الناس لا یعلمون } الـروم ٣٠
وقال أيظا:{ ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون} يس22
إنّ الله تبارک وتعالی أرسل الأنبیاء لتربیة البشر، وأنزل الکتب السماویة لتعینهم من الخارج علی فطرتهم الداخلیة ، لتنجو النفس من هذا الغلاف الغلیظ (الشجرة الدنیویة الخبیثة).
والقلب ـ وهو مرکز الفطرة ـ له وجهتین إثنين: إحداهما نحو عالم الغیب والروحانیة، والثانیة نحو عالم الطبیعة والشهادة.
اعلم أن من الأمور الفطرية التي (فطر الناس عليها) هو النفور من النقص، ولذلك ينفر الإنسان من كل ناقص، فهو ينفر منه لأنه وجد فيه نقصاً وعيباً. إذن فالفطرة تنفر من النقص والعيب، وفي المقابل تنجذب إلى الكمال. فالفطرة لا بد من أن تتوجه إلى الواحد الأحد، لأن كل كثير ومركب ناقص. وكل ناقص ليس بمرغوب فيه. إذن أمكن بمقتضى هاتين الفطرتين: (فطرة حب الكمال) و (فطرة النفور من النقص) إثبات وحدانية الله سبحانه وتعالى. إذ لا يمكن أن يتوجه الإنسان إلى غير الكمال المطلق ويتعلق قلبه به.
فالفطرة فطرتین إلاهیتین: إحداهما أصليّ: وهو فطرة العشق والتوق للکمال المطلق.. والآخر تبعيّ: وهو فطرة النفور من النقص.
إنّ عشق الراحة مثلا هو ثابت في فطرة کل البشر، والراحة المطلقة, کما هو معلوم، غیر ممکنة في الحیاة الدنیا.. وحتی وإن وُجد بعضها، فهي مشوبة بالجهد والتعب والمشقة في تهیئتها.. وأما في عالم الملکوت فهذه الراحة المطلقة موجودة { فيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ}, {لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين} !
لو رجعنا إلى فطرتنا، لوجدناها تعشق الكمال بل تعشق الخير المطلق، بحيث لو حازت ما في الكرة الأرضية لتطلعت إلى غيرها، ولو احتملت أن الكمال في القمر لطلبته، ولو حازت ما في القمر لتطلعت إلى كوكب آخر وهكذا..
فهي ما إن تحصل على شيء حتى تتمنى الأفضل منه وتنطلق نحوه، فإذا به ينكشف لها أن ذلك لم يكن المعشوق الحقيقي, فتبحث عن غيره. ذلك إن معيار المحبوب الحقيقي هو شعور المرء بالطمأنينة والاستقرار النهائي عند الوصال، لأن غاية العاشق هي الوصول إلى معشوقه.
إن هذا الظمأ الفطري لا يعرف الإرتواء حتى لو سلك جميع المسالك ورمى بنفسه في المهالك !
مثلا آخر: عشق الجمال.. هو أیظا ثابتا في فطرة کل البشر والتي تمیل ألا شعوریا إلی الجمال وتنفر ألا شعوریا من القبیح..
ولو أنّ الإنسان حاز مثلا ملکة جمال مدینة ، لتاق إلی ملکة جمال بلد، ثم إلی ملکة جمال العالم.. وهکذا.
أضف إلی التوق للغنی والنفور من الفقر، والتوق إلی القوة والنفور من الضعف.. الخ
فمحبوب الإنسان إذن هو ناقص ومحدود.. بینما محبوب الفطرة مطلق تام !
والإنسان بفطرته ـ من حیث لا یشعرـ هو متوجه إلی عالم کله راحة وجمال وغنی لا تعب فیه ولا نصب.. فبفطرته هو مؤمن بالنشئة الغیبیة.
قال رسول الله(ص):« کل مولود یولد علی الفطرة ، إلا أنّ أبواه یهودانه أو ینصرانه أو یمجسانه ».
فالإنسان یولد وهو مفطور علی الإیمان بالله، وإنما الذي یفسده أو یجعله سلیما بعد ذلک، إنما هما الأبوین والمجتمع .
فالفطرة تتوجه« للواحد» « الأحد», لأنّ کل کثير ومرکب ناقص.
وقد فسّرت الفطرة بـ:« فطرة المعرفة(العلم الذي أودعه الله في الإنسان مثل التوحيد والخير والشر ومعرفته..)»، « فطرة التوحید»، «فطرة الإسلام».
(فطرة الله التي فطر الناس عليها) فطرهم وخلقهم عليها, مثل القرص المدمج(hard disk) في الكمبيوتر فيه معلومات كثيرة , ففطرة الإنسان ملأها الله بأشياء كثيرة من معرفة ووحدانية الله إلا أن العبد لا يشغل هذا القرص وران عليه غبار الزمن!!
إن فطرة العجوز في كذا مكان, أو البروفسور في كاليفورنيا, أو الأعرابي في الصحراء.. فطرتهم هي واحدة !
قال الحق سبحانه:{ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجنّ والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولائك كالأنعام بل هم أضل أولائك هم الغافلون } الأعراف ١٧٩
وقال أيظا:{ وما أنت بمسمع من في القبور} فاطر٢٣
هو الإنسان الخارج والمتمرّد عن فطرته والبعید عن ساحة قدس الله.. هو المریض القلب والناکر لوليّ نعمته.
وهو تفسیر باطنيّ للآیة ولیس معناه أنّ أهل القبور لا یسمعون!
والحمد لله ربّ العالمین.

ليست هناك تعليقات: