اللهم صل على محمد وال محمد --- aboutaqua@yahoo.it --- اللهم صل على محمد وال محمد

الأصل الخامس للدين: المعاد

الركن الأول: في أهمية المعاد وأدلته:
أولا : أهمية البحث في المعاد:تعريف المعاد: المعاد هو وجود الأجسام ثانية, وإعادتها بعد موتها وتلاشيها للحساب. فبعد أن تفارق الروح البدن بالموت, تعود إليه في يوم القيامة للجزاء , وهو حق لا ريب فيه! الإيمان بالمعاد أحد أصول الدين وأركانه, وأحد الأسس التي يقوم بها تأثير الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى, فإن مجرد الإيمان بالله, وكونه تعالى خالق للكون, وأنه يعتني بخلقه ويهديهم للصراط المستقيم, وأنه يبعث الانبياء بتعاليم لسعادة البشر, ويحافظ عليها بعد الأنبياء بالأئمة, لا يوجب العمل بها بين الناس ما لم يستوجب العدل الالهي مجازاة الناس في يوم القيامة .وذلك لأن مجرد الإيمان بباقي اصول الدين وعدم الإيمان بالمعاد والبعث والجزاء، لا يؤثر مثل هكذا إيمان إلا بالإنسان الكامل مثل النبي أو الوصي والولي, كقول الإمام علي عليه السلام:" إلهي ما عبدتك خوفا من عقابك ولا طمعاً في ثوابك, ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك". وأما باقي الناس, بسبب مشاغل الدنيا وزخارفها وهوى النفس وشهواتها, يمتنع الإنسان عن الاشتغال بتعاليم الله وتطبيقا, وذلك لعدم وجود النفع والضرر بدون الثواب لمن يطيعها أو العقاب لمن يخالفها .فإذن الإيمان بالمعاد والحساب والجزاء بالثواب والعقاب, هو الذي يكون له أكبر الأثر في توجه الإنسان لطاعة الله تعالى سبحانه، وإقامة العبودية له والعمل بتعاليمه وأحكامه ، والإتيان بالأعمال الصالحة والأفعال الخيرة والتحلي بالأخلاق الفاضلة ، ويتوجه الإنسان بجد لتحمل المسؤولية الدينية والبحث عن الحق وفق الطريق المستقيم, والاجتناب عن كل ما يخالف اوامر الله تعالى، ويحاول كل إنسان أن يزكي ويطهر نفسه من المعاصي والذنوب والأخلاق السيئة .
ثانيا: عقيدتنا في المعاد الجسماني:
الإعتقاد بالمعاد الجسماني ضرورة من ضروريات الدين الاسلامي، دل صريح القرآن الكريم عليها, قال الله تعالى:{ أيحسب الانسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه }. وقال:{ وإن تعجب فعجب قولهم أإذا كنا ترابا إنا لفي خلق جديد}. وقال:{أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد }.
وما المعاد الجسماني على إجماله, إلا إعادة الانسان في يوم البعث والنشور ببدنه بعد الخراب، وإرجاعه إلى هيئته الأولى بعد أن يصبح رميما . ولا يجب الاعتقاد في تفصيلات المعاد الجسماني, أكثر من هذه العقيدة على بساطتها التي نادى بها القرآن، وما يتبعها من الحساب والصراط والميزان والجنة والنار والثواب والعقاب, بمقدار ما جاءت به التفصيلات القرآنية .
ولا تجب المعرفة بجزئيات المعاد على التحقيق, والتي لا يصل إليها إلا صاحب النظر الدقيق: كالعلم بأن الأبدان هل تعود بذواتها أو إنما يعود ما يماثلها بهيئات ؟، وهل أن الأرواح تعدم كالأجساد أو تبقى مستمرة حتى تتصل بالأبدان عند المعاد ؟، والمعاد هل يختص بالانسان أو يجري على كافة ضروب الحيوان ؟، وأن عودها بحكم الله دفعي أو تدريجي ؟.
وإذا لزم الاعتقاد بالجنة والنار, فلا تلزم معرفة وجودهما الآن ولا العلم بأنهما في السماء أو الأرض.. وكذا إذ وجبت معرفة الميزان لا تجب معرفة أنها ميزان معنوية أولها كفتان.. ولا تلزم معرفة أن الصراط جسم دقيق أو هو الاستقامة المعنوية..الخ
ثالثا: أدلة المعاد:
الإيمان بالمعاد في يوم القيامة والاستمرار للحياة بعد الموت, هو فرع الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالي وعدله وحكمته، وأنه سبحان لم يخلق الخلق باطلاً ولا انه كلف الإنسان عبثاً, وتعالى الله من أن يوعد ولا يفي بقوله .هذا وقد عد ما يقارب ثلث آيات القرآن تذكر المعاد وأحواله إما تصريحاً أو تلويحاً ، كما ان رسول الله(ص) قد فصل كثير من مباحث المعاد واحواله ، فلذا يعد المعاد من اصول الدين ومن ضروراته التي يجب الإيمان بها بالدليل والبرهان .وأما ما يقام من الأدلة عليه من غير القرآن والسنة النبوية المطهرة , ففي الغالب لكي يطمئن المؤمن بإيمانه وليرد شبه الكفار والمنافقين واضرابهم .ومن أدلة المعاد التي قد تعتبر مستقلة بعض الشيء عن الإيمان بباقي أصول الدين ـ وإن كان لا ينفع الإيمان بالمعاد بدون الإيمان بباقي أصول الدين الأخرى كما قد لا ينفع الإيمان بها بدونه ـ هي:
الدليل الأول: أن حشر الأجسام ممكن, والصادق أخبر بوقوعه فيكون حقا . أما إمكانه: فلأن أجزاء الميت قابلة للجمع وإفاضة الحياة عليها، وإلا لما اتصف بها من قبل ، والله تعالى عالما بجميع المعلومات الكلية والجزئية ليميز بين الأجزاء الأصلية لزيد ولعمرو ويرد كل أصل إلى بدن صاحبه . وإذا ثبتت هذه المقدمات, ظهر أن تلك الأجزاء التي تفرقت يمكن تركيبها بعينها كما كانت ، وهو مرادنا بجواز المعاد الجسماني. قال الحق سبحانه:{ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم} الروم ٢٧ . ودل قوله " وهو العزيز الحكيم " على كمال علمه وقدرته تعالى وكون الإعادة ممكنة .
وأما لأن الصادق أخبر بوقوعه, فلأنه ثبت بالتواتر أنه(ص) كان يثبت المعاد البدني ويقول به, فيكون حقا ووجب القطع به ، لأن المعصوم إذا أخبر عن وقوع أمر ما, وجب تصديقه والقطع به . وهو المطلوب.
الدليل الثاني: الفطرة تدل على المعاد: إن الله تعالى غرس في طبيعة الإنسان وذاته حب الكمال والبحث عنه وتحصيله, وهذه الغريزة الذاتية كما تدعو الإنسان للإيمان بالله تعالي, تدعوه لحب البقاء المنعَم الخالي من المزاحمة والتعب, وهو عبارة أخرى للإيمان بالمعاد واحواله . والتدبر في أحوال النفس وحالاتها من حب البقاء والسعي لتحصيل الراحة في المستقبل اكبر شاهد على ما ذكرنا. ويكفي لصدق هذا المطلب النظر في تاريخ الإنسان المؤمن أو الكافر، المتحضر منه أو البدوي ، المدني أو القبلي, تراهم يعتنون بامر موتاهم ويتعاملون معهم بما يعتقدون انه سوف ينفعهم في قبورهم, او عند رجوع أرواحهم لابدانهم حين البعث بعد الموت لكي يستفادون منها، وما كشف في الآثار في جميع بقاع الأرض يدل على ما حكيناه . هذا وما يحكى عن الكفار بعدم الاعتناء بامر المعاد وتكذيبه هو مخالف للفطرة السليمة ، وهذا لترجيحهم حب الراحة والمتعة العاجلة على الباقية الدائمة ، ولأن المعاد يوجب تحمل للمسؤولية الدينية ويضع بعض الحدود والالتزام بالأخلاق الفاضلة التي قد تفوت مصالحهم .
الدليل الثالث: التدبر في الكون يوجب الإيمان بالمعاد: كل إنسان ينظر في الكون ويتدبر في حسن وجوده ودقة النظام الحاكم و البداعة الحاكمة على مخلوقاته وتسخيرها لخدمة الإنسان، لابد له من الاعتقاد انه يسير لغاية وهنالك أهداف تحكمه يراد منه الوصول إليها. وهذا التفكر كما يدل على خالق الوجود بنفسه, يدل على استمرار الوجود سواء مثل ما يثبته الدين او مثل ما تثبته النفس مستقلة عنه . فإن الإنسان كما أنه لا يرضى أن يصنع أو يوجد الشيء الجميل بدون غاية وغرض ، كذلك يأبى أن يكون هذا الكون وبالخصوص الإنسان منه خالي من الغاية والغرض، وهذا يدعوه للتفكر في حقيقة نفسه ومصيرها ويجره للإيمان بالمعاد واحواله وحقائقه كما يدعوه للإيمان بخالقه .
الدليل الرابع: أنه لو لم يكن المعاد حقا, لقبح التكليف . وبيان ذلك: أن التكليف مشقة مستلزمة للتعويض عنها ، والمشقة من غير عوض ظلم ، وذلك العوض ليس بحاصل في زمان التكليف ، فلا بد حينئذ من دار أخرى يحصل فيها الجزاء على الأعمال ، وإلا لكان التكليف ظلما وهو قبيح تعالى الله عنه.
الدليل الخامس: أن يقال: إنه تعالى خلق الخلق إما للراحة أو للتعب والألم أو لا لواحد منهما, والثاني باطل لقبحه وامتناعه من الغني الحكيم الرحيم ، والثالث باطل لكونه سفها وعبثا يمتنع من الحكيم أيضا، فبقي أن يقال إنما خلقهم للراحة وهي إما أن تصل إليهم في الدنيا، وهو باطل لأن كل ما يعتقد في الدنيا لذة فإنما هو دفع للألم ، كالذي يظن من لذة الأكل فإنما هو دفع ألم الجوع ، فلذلك فإنما ألذ لقمة تؤكل هي الأولى لشدة ألم الجوع هناك ، وكل لقمة تأخرت فهي أقل لذة لضعف ألم الجوع هناك ، وكذلك سائر اللذات الحاصلة في هذا العالم . وبتقدير أن يحصل في هذا العالم لذة فإنها قليلة والغالب إما الآلام أو دفعها، وليس من الحكمة تعذيب الحيوان بنيران الآلام والمكروهات لأجل الفوز بذرة من اللذات ، فإذن ليس المقصود من خلق الإنسان إيصال الراحة إليه في الدنيا ، فلا بد من القطع بوجود لذة أخرى وعالم آخر تحصل فيه الراحة التامة التي تستحقر في الوصول إليها هذه الآلام ، وتلك هي الدار الآخرة في المعاد الجسماني .
الدليل السادس: دلالة القرآن على ثبوته وإنكار على جاحده فيكون حقا. نحو قوله تعالى:{ وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليهم}. وكقوله تعالى:{ إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى} طه ١٥
الركن الثاني: أهم مراحل إنتقال الروح:
أولا : مقدمة في تجرد الروح:
الروح موجود لطيف مجرد عن المادة دون لوازم هيئتها من الشكل، ليس بجسم ولا جسماني, وهي متعلقة بالبدن المادي بالدنيا, وفي كل نشأة ببدن مناسب لتلك النشأة, لا أنها ترجع لبدن أخر في الدنيا حتى يقال بتناسخ الأرواح بل ببدنها في نشأة أخرى، و الروح هو نفس الإنسان أو المرتبة العالية منها .وحقيقة الإنسان بروحه لا ببدنه, وينسب للروح جميع الاعمال النفسية, سواء ذهنية من التصور والتصديق إلى الوهم والشك إلى التفكر والتذكر, أو أن تكون أمور غريزية عاطفية كالحب والشوق والكراهية والبغض, إلى الأمور الوجدانية والاطمئنان كالضمير واللذة والألم والخوف, والأخلاقية كالكرم والشجاعة وغيرها. بل حتى الأفعال العضلية والأعمال التي تعتمد على الجهود البدنية مبادئها نفسية ويتم عملها حسب رغبات النفس وأوامرها هنا .
واستدل لوجود النفس ببحوث مطولة أهمها: أن الإنسان يغفل عن أعضائه البدنية ولا يغفل عن وجود ذاته التي هي نفسه ، وإن البدن متغير وتتبدل اجزائه ولا تتبدل النفس الفكرية ، والخواص المكتسبة الخلقية باقية بتبدله ، كما استدل عليها بتحضير الأرواح ، ووجود الأحلام، و التنويم المغناطيسي، وعدم انقسامها وتركبها من أجزاء ، وأنها تسما( الأنا ).واعلم أن النفس, بالإيمان بالله تعالى وبباقي الأصول الدينية حتى تكمل, خمسة , يتحول جوهر النفس إلى روح نورانية لطيفة لها القابلية على الأعمال الصالحة والطاعات المقبولة إذا وافقت الفروع الدينية العشرة ، ومن لم يؤمن بأصول الدين خمستها مجتمعة تتحول روحه إلى نفس ظلمانية كثيفة, لا يقبل لها عمل سواء وافق الأحكام الشرعية أو خالفتها .وعلى هذا, فالنفس, بالإيمان والعمل بما يوافق أوامر الله تعالى أوعدمهما, تتحول ذاتها و تكتسب صفات وحالات بها تثاب وتعاقب حتى تصفى, سواء في الدنيا أو في البرزخ او يوم القيامة, ثم تستقر إما في الجنة أو في النار.
قال الله تعالى:{ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون}.
ووجه الدليل: أنه لا شئ من الإنسان المقتول في سبيل الله بميت، وكل بدن وما يقوم به ميت. أما الصغرى فلقوله تعالى:" ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء " ، وأما الكبرى فبالضرورة ، فإذن هو جوهر مجرد .
قال أمير المؤمنين(ع) في بعض خطبه:" حتى إذا حمل الميت على نعشه رفرفت روحه فوق النعش وتقول يا أهلي ويا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي".
ووجه الدليل: إن الروح باقية بعد الموت بصفة الرفرفة ، ولا شئ من البدن وما يقوم به بعد موته بباق، فلا شئ من الروح ببدن وزنا تقوم به .
ثانيا: الموت وماهيته:
هو توفي الروح من البدن وانفصالها عنه وانتقالها من عالم الدنيا والشهادة إلى عالم المثال أو الملكوت أو الغيب المسمى بالبرزخ ، وبالموت تنتقل الروح لأول منازلها الجديدة وتتحول من دار الدنيا إلى دار أخرى لتنال معادها الأولي وتقوم قيامتها الصغرى। وفي أول مراحل الموت تنكشف للإنسان حقيقته ويتبين ذاته, ويرتفع عنه الحجاب المادي ويدرك حاله الروحاني الذي كان محجوب عنه بسبب انشغاله بعالم المادة . وللموت حالات حسب ذات الإنسان وأعماله فإما سهل ومرضي او عسير مكروه . كما أن قابض الأرواح إما ملك الموت أو أعوانه, ويحضرون لقبض الروح بأشكال جميلة لطيفة أو مخيفة قبيحة حسب إيمان الإنسان أو عدمه .
ثالثا: البرزخ.. وادي السلام أو برهوت:
هو أول منزل يرده الإنسان بعد الموت عندما تنفصل روحه عن بدنه ، وبعد أن ترافق الروح البدن فترة مصاحبة له من غير دخول فيه, حتى يُدخل القبر فتفارقه إما متحسرة مدهشة أو فرحة مستبشرة ، وفي البرزخ تقام قيامة الإنسان ـ الروح ـ الصغرى, و معاده الاولي، وتضغط الأرواح ، ويحاسب فيه الإنسان أول حساب بتوسط ملكين هما منكر ونكير للكافر ومبشر وبشير للمؤمن، ويسأل الإنسان عن اعتقاده وايمانه حتى يكون على بينة من امره, وتقام عليه الحجة وبعدها ينتقل إما إلى عالم الملكوت العلوي وينتقل به إلى وادي السلام إن كان مؤمنا، وأما إذا كان كفر فينتقل به إلى ملكوت العالم السفلي المسمى برهوت .وفي البرزخ كل إنسان حسب حاله حيث يحشر مع من يحب, ويجتمع المؤمنون للتحدث والزيارة والفرح والنعيم حتى يتمنون قيام القيامة الكبرى لينالوا الجزاء التام ويدخلوا الجنة. والكفار والمنافقين في عذاب مقيم, يتمنون أن يرجعوا للدنيا حتى يعملوا الأعمال الصالحة, ولكن هيهات لا رجوع . وأما من خلط عمل صالح وطالح من المؤمنين, فقد تأتيه حالات تنغص نعيمه وتفصله عن أحبائه. والكل قد يزورون أهليهم بالمناسبات ليطلعوا على آثارهم .والمؤمن ينتفع بما يُنفق عنه من الصدقات, ويفرح بما يهدى إليه من الأعمال الصالحات والكلمات الطيبات من الدعاء والقرآن، وهكذا يبقى الإنسان في البرزخ الذي قد يطول ملايين السنين حتى تأتي الصيحة الأولى فيفنى .
رابعا: النفخ في الصور الأول:
وهو المسمى بالصيحة الأولى وهي قبل يوم القيامة والمعاد، وبتوسط هذا النفخ, يصعق ويموت جميع من في السماوات والأرض ولا يبقى إنسان ولا حيوان ولا ملك إلا ما شاء الله تعالى، و يبقى هذا الحال حتى النفخ الثاني للصور عندما يأتي أجله. قبل هذا النفخ في الصور والصيحة الأول توجد كثير من العلامات منها ظهور الإمام المهدي ونزول المسيح من السماء وخروج دابة من الارض تكلم الناس، وياتي للارض دخان مبين من السماء ، وزلازل ، وغيرها .
خامسا: النفخ في الصور الثاني:
وبتوسط هذا النفخ, يبدأ يوم القيامة الأكبر والمعاد التام ، حيث ينشر الناس وجميع من مات سواء بالصيحة الأولى أو قبلها إلا ما شاء الله ، وتطوى السماوات والأرض وتكور الشمس وتتكدر النجوم, والكواكب تنتثر والسماوات تنفطر وتطوى الارض وتبدل لأرض مناسبة لحشر من قامت قيامتهم الكبرى، كما أن الجبال تسير والبحار تنفجر.. الخ
الركن الثالث: في الوعد والوعيد والثواب والعقاب:
البحث الأول: الوعد, هو الإخبار بوصول نفع إلى الغير أو دفع مضرة عنه في المستقبل من جهة المخبر. والوعيد, هو الإخبار بوصول ضرر إلى الغير أو فوت نفع عنه .
والمستحق بالافعال الاختيارية ستة: مدح ، وشكر، وذم ، وثواب ، وعقاب ، وعوض .
فالمدح: هو القول المنبئ عن عظم حال الغير مع القصد إلى ذلك . والشكر: هو الاعتراف بالنعمة مع نوع من تعظيم المنعم بقول أو فعل . والذم: هو القول المنبئ عن اتضاع حال الغير مع القصد إلى ذلك . والثواب: هو النفع الخالص المستحق المقارن للتعظيم والتبجيل . والعقاب: هو الضرر المحض المستحق المقارن للاستخفاف والاهانة . والعوض: هو النفع المستحق الخالي من تعظيم وتبجيل . ويستحق المدح والثواب بفعل الواجب والمندوب وترك القبيح ، وأما الذم والعقاب فيستحقان بفعل القبيح والاخلال بالواجب ، وأما الشكر فيستحق بالنعم والاحسان ، وأما العوض فيستحق بالمشقة الواصلة من الغير لا على جهة الاستحقاق .
البحث الثاني: المكلف إما أن يكون مطيعا أو عاصيا. فإن كان مطيعا, فإنه يستحق بطاعته الثواب: وذلك بدليل المعقول والمنقول. أما المعقول فمن وجهين:
( الوجه الأول ) أن التكليف إما لفائدة أو ليس، والثاني عبث لا يجوز من الحكيم تعالى. والأول, فتلك الفائدة إما أن تعود إلى الله أو إلى العبد أو إليهما، والأول والثالث باطلان لتنزهه تعالى عن فائدة تعود إليه ، فتعين الثاني . الفائدة إما أن تعود إلى العبد في العاجل، وهو باطل, لأن اشتغال العبد بالعبادة الشاقة محض الضرر أو راجح الضرر، فتعين أن تعود إليه في الأجل، وهو نفس الثواب المستحق بالطاعة التي يقبح بدونها الابتداء به .
( الوجه الثاني ) إن التكليف إلزام مشقة ، وإلزام المشقة من غير عوض قبيح عقلا, فالتكليف من غير عوض قبيح عقلا .
وأما المنقول: فقوله تعالى:{ جزاء بما كانوا يعملون } وأمثاله كثير.
البحث الثالث: المكلف العاصي إما أن يكون كافرا أو ليس، أما الكافر فأكثر الأمة على أنه مخلد في النار، وأما من ليس بكافر فإن كانت معصيته كبيرة فمن الأمة من لم يقطع بعقابه: إما لأن معصيته لم يستحق بها العقاب، وإما لأنه يستحق بها العقاب إلا أن الله تعالى يجوز أن يعفو عنه.
وحجة من قطع بعدم عقاب صاحب الكبيرة : أن كل من يدخل النار مخزي يوم القيامة ، وكل من أخزي فهو كافر. بيان الصغرى, قوله تعالى:{ ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته }. وصيغة من تقتضي العموم . وبيان الكبرى, قوله تعالى:{ إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين}.
دلت الآية على اختصاص الخزي فقط بالكافرين ، فكل مخزي يومئد إلا كافر، فمن ليس بكافر لا يكون مخزي, فلا يدخل النار !
البحث الرابع: ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) أولئك يستحقون الثواب الدائم مطلقا، والذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك يستحقون العقاب الدائم مطلقا . والذي آمن وخلط عملا صالحا وآخر سيئا: فإن كان السئ صغيرا فذلك يقع مغفورا إجماعا، وإن كان كبيرا, فإما أن يوافي بالتوبة فهو من أهل الثواب مطلقا إجماعا، وإن لم يواف بها فإما أن يستحق ثواب إيمانه أو لا ، والثاني باطل لاستلزامه الظلم ، ولقوله تعالى:{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره}، فتعين الأول. فأما أن يثاب ثم يعاقب وهو باطل بالاجماع, لأن من دخل الجنة لا يخرج منها، فحينئذ يلزم بطلان العقاب, أو يعاقب ثم يثاب وهو المطلوب. ولقوله(ص):" ان أهل النار يموتون ولا يحيون، وان الذين يخرجون منها، وهم كالحمم والفحم فيلقون على نهر يقال له الحياة ، أو الحيوان ، فيرش عليهم أهل الجنة من مائه فينبتون، ثم يدخلون الجنة وفيهم سيماء أهل النار، فيقال: هؤلاء جهنميون فيطلبون إلى الرحيم عزوجل، اذهاب ذلك الاسم عنهم، فيذهبه عنهم، فيزول عنهم الاسم، فيلحقون بأهل الجنة ".
وأما الآيات الدالة على عقاب العصاة والفجار وخلودهم في النار, فالمراد بالخلود هو المكث الطويل، واستعماله بهذا المعنى كثير في القرآن। والمراد بالفجار والعصاة هم الكاملون في فجورهم وعصيانهم وهم الكفار أصلا، بدليل قوله تعالى:( أولئك هم الكفرة الفجرة ) ، وتوفيقا بينه وبين الآيات الدالة على اختصاص العقاب بالكفار نحو قوله تعالى: ( إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين ) وغير ذلك من الآيات .
الركن الرابع: في التوبة والعفو:
البحث الأول: في حقيقة التوبة .
التوبة مركبة من ثلاثة أمور: أحدها الندم على الماضي من قول أو فعل ، والثاني الترك له في الحال، والثالث العزم على عدم المعاودة إليه في الاستقبال . وهي واجبة لوجوب الندم إجماعا على كل قبيح أو الإخلال بواجب، والباعث عليها هو الإعتقاد بكون فعل المعصية مستلزما للضرر العظيم في الدنيا والآخرة , فيندم العبد على القبيح لكونه قبيحا لا لخوف النار ولا لدفع الضرر عن نفسه , وإلا لم تكن توبة حقيقية .
والتوبة واجبة على العبد, لقوله تعالى:{ وتوبوا إلى الله توبة نصوحا }. وهي مقبولة قطعا لقوله تعالى:{ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده }. ويسقط العقاب بها عندنا تفضلا من الله تعالى .
عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول:" إن تاب العبد توبة نصوحا أحبه الله وستر عليه". فقيل وكيف يستر عليه ؟ قال:" ينسي ملكيه ما كانا يكتبان عليه, ويوحي إلى جوارحه وإلى بقاع الأرض أن اكتمي عليه ذنوبه, فيلقى الله عز وجل حين لقاه, وليس شئ يشهد عليه بشئ من الذنوب".
عن أبا جعفر(ع) قال:" إن الله تعالى أشد فرحا بتوبة عبده , من رجل أضل راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها، فإنه تعالى أشد فرحا بتوبة عبده من ذلك الرجال براحلته حين وجدها ".
عن أبا عبد الله(ع) قال:" إن العبد إذا أذنب ذنبا , أجل من غدوة إلى الليل, فإن استغفر لم يكتب عليه".
اعلم : أن من الذنب ما في حقه تعالى, أو في حق آدمي . فإن كان في حقه تعالى, فإما من فعل قبيح فيكفي منه الندم والعزم على عدم المعاودة ، أو من إخلال بواجب فإما أن يكون وقته باقيا فيأتي به وذلك هو التوبة منه ، أو خرج وقته أن يسقط بخروج وقته كصلاة العيدين مثلا, فيكفي الندم والعزم على عدم المعاودة , أو لا يسقط فيجب فضاؤه . وإن كان في حق آدمي فإما أن يكون إضلالا في دين بفتوى خاطئة مثلا , فالتوبة إرشاده وإعلامه بالخطأ ، أو ظلما لحق من الحقوق فالتوبة منه إيصاله إليه أو إلى وارثه أو الاتهاب(قبول الهبة, سؤالها منه).
البحث الثاني: في دلائل العفو وهي من وجوه :
( أحدها ) قوله تعالى:{ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات }. وقوله:{ ويعفو عن كثير}. فنقول: هذا العفو إما أن يكون عبارة عن إسقاط العقاب عمن يحسن عقابه ، أو عمن لا يحسن عقابه . الثاني باطل، لأن عقاب من يقبح عقابه قبيح ، ومن ترك مثل هذا القبيح لا يقال إنه عفا . وأما إذا كان له أن يعذبه فترك تعذيبه يقال إنه عفا ، فتعين الأول .
( الثاني ) إنه لو كان العفو عبارة عن إسقاط العقاب عن التائب لكان قوله:{ يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات} تكرارا من غير فائدة ، فعلمنا أن العفو عبارة عن إسقاط العقاب عمن يحسن عقابه .
( الثالث ) قوله تعالى:{ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }. وجه الدليل: أن قوله:{ ويغفر ما دون ذلك} يفيد القطع بأنه تعالى يغفر كل ما سوى الشرك ، ويندرج في ذلك الصغيرة والكبيرة بعد التوبة وقبلها, ثم قوله بعد ذلك { لمن يشاء } يدل على أنه يغفر كل ذلك ، لكن لا للكل بل للبعض، فكان غفران الكبيرة والصغيرة منه صادقا .
( الرابع ) قوله تعالى:{ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم }.
( الخامس ) قوله تعالى:{ وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم }। وكلمة (على) تفيد الحال ، أي ذو مغفرة لهم حال كونهم ظالمين .
الركن الخامس: مواقف يوم القيامة والمعاد الأكبر:
إنه اليوم العظيم الذي تذهل فيه كل مرضعة عما ارضعت, ويوم يفر الإنسان من امه وأبيه وصاحبته وبنيه وفصيلته التي تؤويه, وترى الناس سكارى وليسوا بسكارى ولكن عذاب الله شديد . وإن كان يوم القيامة يسمى يوم, ولكنه يعد بآلاف السنين من سني الدنيا وإن كان هو يوما واحدا, لأن هناك لا شمس تشرق ولا أرض كارضنا تدور حولها, ولكن هناك أرض خاصة ونور وظلمة خاصة, حسب إيمان الإنسان وأعماله . وتوجد في هذا اليوم مواقف مهمة هي التي يتم بها المعاد وتقام به الحجة الكبرى على الناس وينالون جزاء اعمالهم ، واهم هذه المواقف هي:
الموقف الأول: النشر:
و بعد هذه الأحداث التي ذكرناها, في الصيحة الثانية بعد النفخ بالصور, يتحقق نشر الإنسان و يخرج كل من كتب عليه ان تقوم قيامته بسرعة من الأجداث ، وترجع الأرواح لتتلبس باجسادها المناسبة لها ، وتخرج الأجساد مثل الزرع الذي يخرج من الارض وتتلبس بالروح.
الموقف الثاني: الحشر:
وبعد ان تتلبس الارواح بالأجساد, يحشر الناس حيث تسوقهم الملائكة إلى أرض المحشر, ويبدأ يوم القيامة الكبرى والمعاد التام لكل مجموعة من الناس حيث تتبع امامها ، ويقودها الملائكة لمواقفها ولموردها في أرض المحشر, في أرض القيامة التي تقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من اذن له الرحمان وقال صوابا .
الموقف الثالث: الحوض:
بعد أن يحشر الناس في ذلك اليوم العصيب, وعنده كل أمة تتبع إمامها ويصطفون خاشعة ابصارهم ترهقهم ذله ، ولا يتكلمون إلا همسا من الخوف وياخذهم العطش الشديد ، وبعد زمان لا يعرف مداه إلا الله تعالى, فأول إنسان ينادى, هو النبي محمد صل الله عليه وآله وسلم, فيكرمه الله تعالى بالحوض .والحوض, فيه شراب أحلى من العسل وأصفى وأبيض من اللبن, من يشرب منه لا يظمأ أبدا، فيأمر النبي الإمام علي(ع) بان يسقي محبيهم واتباعهم ومواليهم، والنبي يشرف على ذلك. فترد عليه رايات الجماعات حسب أئمتهم فيردون ظمائا ولا يسقون، و تصرف وجوههم تلقاء النار. وبعض الرايات فيها كانوا من أمة النبي واصحابه فيقول(ص): هؤلاء أصحابي . فينادى: أنهم غيروا دينك وبدلوا. فيرفضهم ولا ينظمون تحت راية محبيه ومتبعي دينه . سقانا الله من الحوض وحشرنا الله مع محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الموقف الرابع: إعطاء الكتب:
إن الإنسان في الحياة الدنيا تكتب اعماله, سواء على نفسه وذاته او على صحف بيد ملائكة اليمين والشمال، ولا يغادر من أعماله صغيرة ولا كبيرة إلا وتكون قد احصيت في ذلك الكتاب ، فتكون هي كتاب أعماله أو يقال له صحيفة الأعمال। وفي يوم القيامة في موقف اعطاء الصحف بعد أن تنشر، فمن أعطي كتابه بيمينه فيعلم أنه سوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب الى أهله وجماعته مسرورا ، وأما من يعطى كتابه بشماله أومن وراء ظهره , فسوف يدعوا ثبورا .ومن لطف الموقف يعطى ملف الدعوى للمحاكم والمحاسب بيده في يوم القيامة, ولا يقدر على تغييره والتلاعب بمحتواه , وهذا ما يفرح المؤمن ويؤلم الكافر.
الموقف الخامس: الحساب و الشهود:
بعد أن يعطى كل إنسان صحيفة اعماله, يبدأ الحساب وهو مشهد عجيب, حيث يحاسب جميع الناس في ان واحد, وتطول فترة حساب كل إنسان وتقصر حسب اعماله واهميتها, منهم من يقصر حسابه عن مقدار صلاته ، ومنهم من يطول حسابه مئات السنين بل آلاف السنين من سني الدنيا، ثم في هذا الموقف الرهيب الذي تقف فيه القلوب لدى الحناجر متروعة وخائفة , يبدأ الحكم والقضاء وتفصل جميع القضايا المتعلقة بكل انسان، وفي كل فقرة تقرأ من أعمال الإنسان, لا يسعه إلا أن يعترف ويقر على نفسه لأن الشهود لا يمكن ان ترد شهادتهم ، وبإقامة الشهود وبتكلمهم يتم الحساب.
الشاهد الأول: الله سبحانه وتعالى: ومن أهمية الموقف يكون المحاسب والقاضي ومن له القول الفصل, هو أول شاهد وهو الله سبحانه وتعالى, حيث هو سبحانه على كل شيء شهيد.
الشاهد الثاني: نبي كل أمة:وذلك لكون الله تعالى يطلع كل نبي على أعمال امته, ومن كان يجب عليه الانضمام تحت لوائه ودينه ، فيشهد عليه انه اتبعه أم لا .
الشاهد الثالث: نبينا محمد(ص):نبينا(ص) كما يكون شاهد على أمته, يكرمه الله تعالى بالشهادة على جميع الأمم وأنبيائهم .
الشاهد الرابع: البعض من الأمة الإسلامية:هم الذين يكرمهم الله تعالى بالشهادة كرامة لنبيه, لأنهم الأئمة على المسلين بعده, وقد أختارهم الله تعالى لهداية الناس بعده وأوجب عليهم اتباعهم, فيشهدون لمن تبعهم حتى تقبل أعماله .
الشاهد الخامس: الأعضاء والجوارح والجلود:ومن عجيب مواقف القيامة تشهد على الإنسان في يوم القيامة أعضاءه, كيديه ورجليه بما عملت, وكذلك لسانه بما تكلم, وعيناه بما نظرت, واذناه بما سمعا, وحتى جسمه بما لامس, ورجلاه إلى أين ذهب بهما، فينطقها الله فتقر عليه باعماله صالحة كانت أو طالحة .
الشاهد السادس: الملائكة:وهم الكرام الكاتبين الذين كانوا مع الإنسان في الدنيا, يحصون عليه أعماله ويراقبون حركاته و سكناته .
الشاهد السابع: الأرض:حيث كل بقعة من بقاع الارض سار عليها الإنسان, تشهد له او عليه أنه عمل فيها صالحا او طالحا .
الشاهد الثامن: كتابه الذي هو صحيفة أعماله:وما ذكر من الشهود كلها تقرر وتؤيد ما في صحيفة الأعمال التي كتبها الملائكة الكرام ، وهي تكون أكبر شاهد عليهم: فإما أن يكون كتابه صحيفة مرفوعة مطهرة للمؤمنين, فيستعد بعد هذا للارتفاع إلى اعلى عليين ولدخول الجنة ، أو كتاب مرقوم في سجين للفجار, ويدخلون به النار ويستعدون للذهاب إلى اسفل سافلين .
الموقف السادس: استرجاع حقوق الناس:
بعد ان يتم الحساب, يتبين لكل إنسان ماله وما عليه من حقوق الله تعالى وحقوق الناس, فتعادل بالحسنات والسيئات. ولكن بالنسبة لحقوق الناس ياتي موقف استيفاء حقوقهم كل إنسان ياخذ حقه ممن ظلمه وغصب حقه وآذاه واعتدى عليه, فتؤخذ من حسنات الظالم وتعطى للمظلوم . وإذا لم تكن للظالم حسنات, تؤخذ من ذنوب المظلوم وتضاف إلى ذنوب الظالم . وإن لم يكن للمظلوم ذنوب, يحط من الظالم بما يرتفع به المظلوم. كما ان الله تعالى يفتدي ذنوب عباده الصالحين بحسنات وهدايا من عنده, لكي لا ينال الكافر من المؤمن في بعض الحالات .
الموقف السابع: الميزان:
بعد أن يصفى الإنسان ماله وما عليه بحساب دقيق كما عرفت حتى مثقال الذرة من الأعمال الصالحة أو الطالحة , يأتى به إلى ميزان الأعمال في هذا الموقف العصيب حيث يقرر المصير النهائي للإنسان، فتوزن وتوضع الحسنات في جانب والسيئات في جانب آخر, حيث توضع الموازين القسط والعدل فلا ظلم اليوم كل إنسان يوفى حسابه ، فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية ويلتحق بالمفلحين في جنة عالية قطوفها دانية ، وأما من خفت موازينه وحسناته وثقلت سيئاته , فأمه هاوية وهو من الذين خسروا أنفسهم فهو كالح وتلفح وجهه النار.
الموقف الثامن: الشفاعة:
شفاعة نبينا( ص) متوقعة، بل واقعة لا ريب فيها, لقوله تعالى:{ واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات}. وصاحب الكبيرة مؤمن لتصديقه بالله وبرسوله( ص). وإقراره بما جاء به النبي, هو الإيمان، إذ الإيمان في اللغة هو التصديق وهو هنا كذلك، وإذا أمر بالاستغفار لم يتركه لعصمته(ص)، واستغفاره لأمته مقبول تحصيلا لمرضاته, لقوله تعالى:{ ولسوف يعطيك ربك فترضى}، هذا مع قوله( ص):" ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي".
والشفاعة كرامة من الله تعالى لاوليائه ولمن ارتضى الله دينهم من المؤمنين, فأول شفيع للأمة هو النبي(ص) ويتبعه بالكرامة آله الأطهار, ويتبعهم محبيهم وأوليائهم وبالخصوص العلماء والشهداء منهم , حيث ياذن الله تعالى لهم بالشفاعة لمواليهم ومحبيهم لمن ارتكب كبيرة ولم يتب منها, ويكون دخوله النار بسببها بعد أن كان مؤمنا خالصا ولكن خلط عمل صالح مع عمل سيئ ولم تفي حسناته بسيئاته ، فتتداركه رحمة الله , فيأذن للنبي وآله ومحبيهم لتبين كرامتهم وفضلهم فيشفعون فيه ويخلصونه من الذهاب إلى النار.
وعلى هذا فالشفاعة اخر موقف من مواقف القيامة قبل الذهاب للجنة أو النار، وبعض تتداركه شفاعة النبي(ص) بعد دخول النار حسب ذنبه الذي لابد أن يدخل به النار ولم تصح به الشفاعة في يوم القيامة بل بعد دخول النار ولو بمئات السنين من دخول النار.
الموقف التاسع: الصراط:
وهو الطريق والجسر الذي يجب سلوكه لدخول الجنة وهو ممتد على النار, فيسير عليه الناس فمنهم من يسقط في النار بأول خطوة ، ومنهم من يجوزه اسرع من البرق الخاطف, كل حسب عمله। والمؤمن الذي يسير على الصراط ببطىء تخاطبه النار جزني يا مؤمن فإن نورك أطفأ ناري, ولا يحترق بلهيبها . وإن تأخر من دخول الجنة فترة قد يعتد بها ويسبقه بالدخول المخلصون حتى يغيرهم النعيم ولذيذ عيش الجنة .وأعلم أن الصراط في الدنيا, هو إتباع نبينا وآله, لانهم هم الذين انعم الله تعالى عليهم بالطهارة بآية التطهير, ونفى عنهم الكذب بآية المباهلة , وامر الله تعالى بحبهم واتباعهم بآية القربى .
الموقف العاشر: المواقف الخاصة للنبي وآله:
بعد ما عرفت دور النبي وآله في جميع مواقف القيامة, وما كرمهم الله تعالى من الحوض والشهادة في الحساب والشفاعة, توجد لهم مواقف أخرى مشهودة في يوم القيامة وهي خاصة بهم, وهي من كرامات الله تعالى عليهم, والمهم منها موقفان:
الأول: لواء الحمد:
بعد ما يأمر الله بالناس للمسير على الصراط لكي يستقروا إما في الجنة أوفي النار، فالإمام لكل السائرين إلى الجنة من جميع الأنبياء والأمم, هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم, ويكون جميع الانبياء ومن صدقهم وكذلك أتباع النبي ومحبيه, جماعة واحدة يتقدمهم النبي للمسير إلى الجنة وهو أول من يدخلها, ثم الاقرب منه منزلة فالأقرب ।وفي أول المسير يعطي الله للنبي كرامة له , لواء وراية من نور إسمه " لواء الحمد" ليقود المؤمنين إلى الجنة, فيدفع هذا اللواء لحامل لواء دينه في جميع مواقف الدنيا ليحمله في الآخرة ايضاً, فيعطي لواء الحمد هذا للإمام علي(ع) ليكون أمام الناس ليتبعوه إلى الجنة, ويحف به آله الأطهار والأنبياء ومحبيهم, ثم يتبعهم تابعيهم الأقرب منزلة منهم فالأقرب, فيسيرون في موكب النور إلى الجنة يتقدمهم النبي ثم الوصي, وهذا يشبه موقف الورود على الحوض كما عرف في أوائل مواقف القيامة بعد الحشر.
الثاني: موقف الأعراف:
عندما يسير النبي(ص) في موكب النور ويتبعه آله والأنبياء ومحبيه إلى الجنة , يشرفون على من سقط في النار بأول خطوة وهم اشد معاديهم ومن حرفوا ومنعوا الناس من إتباع الحق، فتدور بينهم محاورة , ويعرف أئمة الحق وهم النبي وآله والانبياء أشد اعدائهم بسيماهم وينظرون إليهم في النار, كما أن أصحاب النار ينظرون لموكب النور ويعرفون أئمة الحق، فتتم فرحة النبي وآله والأنبياء بهلاك أعدائهم وتزيد حسرة اعدائهم بحيث يرون موكب نور يتقدمه لواء الحمد ليدخل الجنة.
الركن السادس: دار القرار الجنة أم النار:
البحث الأول: وصف الجنة وأهلها:
الجنة مخلوقة وموجودة , وذلك لقوله تعالى في صفتها:{ أعدت للمتقين}, وكل معدود موجود, فالجنة موجودة . ولقوله تعالى:{ أكلها دائم وظلها }. وحمل دوام أكلها وظلها على دوامها بعد وجودها ودخول المكلفين لها.
للجنة ثمانية أبواب يدخل منها الأنبياء والصديقون والشهداء والمتقون والذين عملوا صالحاً من المؤمنين حسب منازلهم ودرجاتهم ، فبعد أن يصل موكب النور ويجتازون الصراط, تفتح لهم أبواب الجنة يستقبلهم رضوان خازن الجنة مع الملائكة, ويرحبون بهم ويقولون لهم: سلامٌ عليكم طبتم فأدخلوها بما كنتم تعملون . فيدخلون إلى منازلهم لكل منهم مقامه المعد له, خالدا فيه لا ينقطع نعيمه ولا يمنع منه ابدا, ولا تعب ولا صخب ولا ظل ولا حرور ولا مرض ولا لغو ولا تأثيم ولا خوف ولا حزن ولا مزاحمة, ولا أي شيء مما ينغص حياتهم فيرثون الجنة ملك دائم لهم, حيث أن لكل واحد منهم مملكة عظيمة لا تحد بحدود الدنيا ولا توصف بأوصافها, حيث منازل الجنة كلها جمال يبهج القلب, وحسن يفرح الروح وبهاء يتلألأ, فتحل الروح وتستقر خالدة في مملكته الجديدة راضية مرضية .
المؤمن بعد أن يدخل الجنة يسقى ماء طهورا يطهره من كل منقصة ، ويحصل على علم اليقين وعلى شبع لا جوع معه وشراب لا عطش بعده ، ويحصل على حسن الصورة وجمال المنظر، ويتزين بأجمل وأحلى الملابس والحلل، فتطوف الملائكة بالمؤمن في منازله حيث يرى في كل منزل ما تلذ به الأعين وتفرح به القلوب وتبتهج, فيختار واحد منها وكله سرور يطيب به قلبه وفرح يظهر على وجهه. فيجد المؤمن في منزله كل كرامة ومن الجمال ما لا يخطر على قلب بشر, و في أعجب وأكمل وأحلى وأجلى صورة مما لا يمكن أن يحيط به وصف مهما كثر. وهنا نذكر لك منه مختصر:
يجلس المؤمن وهو متكئ على الأرائك والوسائد من إستبرق الحرير والديباج, ومع زوجاته من الحور العين, وهن كاللؤلؤ المكنون في الصفاء مع كمال عقلهن وعلو قدرهن, مع جمال الشكل البديع كالياقوت والمرجان في صفاء اللون وبهاء الشكل يتلألأ من جمالهن النور، وعلى وجوههن آثار السرور وباحلى زينة فرحات بزوجهن المؤمن ولا ينظرن إلى غيره معجبات به ، وهكذا الزوجات المؤمنات مع أزواجهن بل هن أجمل من الحور العين، ويطوف عليهم الولدان المخلدون في خدمتهم وهم أحداث جميلي الصورة ، بأكواب وأباريق ويسقوهم شراب غير آسن ولا يتغير طعمه لذة للشاربين, لا يذهب العقل بل يعينه على استشعار اللذة ويفرح القلب ويسر النفس، وتحيط بهم الأنهار والعيون والأشجار فيها فواكه قطوفها دانية وأمامهم سفرة فيها من الطعام من كل شيء ولحم طير مما يشتهون، يتحدث هذا الجمع اللغة العربية بفصاحة بأحسن حديث لا لغو فيه ولاتأثيم من كذب وخداع وغش ولؤم وما شابهه والعياذ بالله .
البحث الثاني: وصف النار وأهلها:
النار مخلوقة وموجودة , وذلك لقوله تعالى في صفتها:{ أعدت للكافرين}, وكل معدود موجود, فالنار موجودة . وللنار سبعة أبواب وهي تعببر عن الدركات, يردها الفجار والمجرمين والكفار والمنافقين وكل مناع للخير معتدي أثيم, وهم في أشد عطش وظمأ ، تسوقهم الملائكة بالزجر وتضرب وجوههم والأدبار, ويقولون لهم لا مرحبا بكم أدخلوا النار بما كنتم تعملون، وعندما تراهم النار يكون لها زفير وشهيق شديد, ويتلقفهم شظاها قبل أن يسقط كل مجرم في دركه ومكانه وهو مصفد بالأغلال والقيود مع قرين شيطان قبيح الصورة والمنظر، في مكان ضيق بحيث يتواطئون ويدوس أحدهم على الآخر، و تلفح وجوههم النار وتكويهم حجارتها, وهم يدعون بالويل والثبور بالصياح في صوت أقبح من صوت الحمير، خالدين في النار في أضيق مكان متصور لا يخفف عنهم العذاب ولا يخرجون منها، إلا ممن تناله الشفاعة من المؤمنين الذين لم تفي حسناتهم بسيئاتهم, ولم تتداركهم الشفاعة في أخر موقف من مواقف القيامة لقصور فيهم, فينالوها بعد عذاب قد يطول مئات السنين .لا مجلس ولا كرامة لأهل النار, بل العذاب الشديد والصغار والذل والهوان, فمكانهم نار شديدة أقلها حرارة سبعين ضعف من نار دنيانا, تشوي الوجوه والجلود, كلما شوي جلدهم جدد, فهم في عذاب دائم قرناء شياطينهم لا يأذن لهم فيتكلمون إلا بعض المحاورات, يخاطبون مالك خازن النار فيقولون: يا مالك فليقض علينا ربك. وبعض المحاورات في فترة محدودة مع أهل الجنة, يتحسرون فيها عندما يروهم في النعيم المقيم وهم كانوا يسخرون منهم في الدنيا، وإلا فأهل النار صم بكم عمي، وأين لهم محل للكلام والنظر والسمع وهم مشغولون بألم الإحتراق الشديد، لا يرون سوى قرينهم القبيح المنظر وهو شيطانهم في الدنيا يحشر معهم ، وأصوات كنهيق الحمير .وأما طعامهم فهو الزقوم من شجر يخرج في اصل النار, ثمره كأنه رؤوس الشياطين يأكله مجبور ولا يستسيغه، وشرابهم الحميم وهو ماء يشوي الوجوه ويقطع الأمعاء , هذا مع السلاسل والأغلال في اعناقهم .نعوذ بالله العزيز الحكيم من النار وأهلها في الدنيا والآخرة , وأستغفر الله وأتوب إليه.
الهي بحق رسولك وآله الطيبين الطاهرين نجني من النار.

ليست هناك تعليقات: